تينة القلب

تينة القلب

 حول إنجيل الأحد الأول من الصوم

الأب أنطوان ملكي

نثنائيل يقف تحت التينة. في تفسير الآباء الرمزي للتينة أنها خطايا الإنسان. كل واحد منّا عنده تينته وهو يقف تحتها. تينة الإنسان هي همومه وشكوكه وأهواؤوه وتجاربه. يقف تحتها ويظن أنه وحيد ولا أحد يراه أو أحد يهتمّ لما يفعل. لكن الربّ يرانا وينتظرنا ويدعونا من تحت التينة إليه، فإذا قبلنا الدعوة أراحنا أما إذا تمسمرنا حيث نحن، ظانين أنّ ظل التينة يخفي أهواءنا فإنها تتضاعف وتقوى علينا. لكنّ طبعَ الإنسان معاند. فيلبس يدعو نثنائيل والأخير يسأل: “أمِن الناصرة يخرج شيء حسن؟هذا سؤال نسأله كثيراً في حياتنا اليومية لأننا دائماً نصنّف ونميّز ونميل نحو اعتبار كل شيء لا يخرج منّا غير حسن وما يخرج منّا حسناً. كلّ واحد منّا يخلق ناصرته الخاصّة به. لكن الحقيقة هي أن ناصرة المؤمن في قلبه، لأن السيّد يتربّى وينمو في الناصرة. فإذا اهتمّ المؤمن بناصرته تصير مصدر ما هو حسن، أمّا إذا أهملها فيصير السؤال أمِن الناصرة يخرج شيء حسن؟سؤالاً ملحّاً وخطراً وعليه يتوقّف الكثير. معنى هذا السؤال على المستوى الشخصي مهم: أمِن قلبي يخرج شيء حسن، أأستطيع أنا أن أكون مصدر خير، أأستطيع أن أتغيّر، أأستطيع أن أتوب، أأستطيع أن أمضي من تحت تينتي إلى فيء المسيح؟ هذا معنى السؤال على مستوى قلب الإنسان. أمّا إذا أبقى السؤال على مستوى فكره، فهو لن يكون قادراً على تخطّي ما رسمه هو ومجتمعه عن الآخرين، والخانات التي وضع فيها الآخرين، أو حتّى وضع نفسه فيها. كثيرون لا يخرجون من خطيئتهم لأنهم لا يرون في أنفسهم القدرة على التوبة والتبدّل، لأنهم لا يعرفون أن التوبة والتبدّل هما بالمسيح وأن الدعوة تأتي منه، قبل أن نلاقيها أو نبادر إليها. نحن نصنّف الآخرين بإرادتنا وانتباهنا ونصنّف ذواتنا من دون أن نعي ذلك.

 إن لم يكن ما يخرج من قلب الإنسان حسناً فأيُّ إنسان يكون هو؟ على كلّ إنسان أن يأتي وينظر إلى قلبه وما يخرج من قلبه. كلنا نعاني من الشكّ ومن عدم الثقة التي تتطلّب الإيمان. وهنا تأتي دعوة فيلبس في محلّها تعالَ وانظر“. هذه الدعوة تقدمها لنا الكنيسة لننظر ما فيها، لنغلب شكّنا ونستعيد ثقتنا بالربّ ونسلك بحسب إيماننا. إن أهواءنا تجرّبنا بقوة أكبر خلال الصوم، وخاصةّ في الأسبوع الأول، لهذا يتراجع الكثيرون بعد هذا الأسبوع، فيضعفون ويوقفون صومهم أو يفصّلون قوانين صيامية على ما يريحهم. ليس الجميع يتحمّلون ما يترافق مع بداية الصوم من الأهواء والشكوك والتجارب. لكن ينبغي أن نتيقّن أننا ونحن تحت تينة أهوائنا، غير متروكين ولا مستفرَدين، وأنّ المسيح سوف يدعونا ليريحنا. لهذا تقول الكنيسة للمؤمن تعالَ وانظر أنّ كل أسبوع من الصوم سوف يتكشّف عن تمجيد جديد وفرح جديد ونصر جديد. إن السؤال حول ما يخرج من القلب، عن ناصرة الإنسان التي في قلبه، ضروري خاصةً عند نهاية الأسبوع الأول من الصوم، لأن ما يجري في هذه الناصرة هو ما سوف يحدد مسيرة هذا الصوم. لا يظنن أحد أنه كامل ولكن لا يترك نفسه للمجرّب يحطّم معنوياته قائلاً له أن لا شيء حسن في ناصرتك. أن نلبّي دعوة الكنيسة فنأتي وننظر ونتعلّم ونتغيّر هو هدف الصوم الحقيقي.