الرهبنة العلمانية

الرهبنة العلمانية

الأب تريفن، رئيس دير المخلّص الجزيل الرحمة

لا أستطيع أن أحصي عدد العلمانيين الذين عبّروا عن اهتمامهم بالرهبنة خلال الخمس والثلاثين سنة الماضية. الكثيرون أخبروني، لو أنهم صاروا أرثوذكسيين في سن مبكرة لكانوا استغنوا عن الزواج من أجل الحياة الرهبانية. هؤلاء لم يكونوا أشخاصاً تنقصهم السعادة مع زوجاتهم أو في زيجاتهم، لكنهم ببساطة وجدوا أنفسهم مشدودين نحو إيقاعات الصمت، الليتورجيا، الدراسة، الصلاة والعمل.

صحيح أنه لدى الكثيرين من المسيحيين الأتقياء انشداد رومنسي نحو نمط حياة يبدو سلامياً وخالياً من الاهتمامات. إنهم يحنّون إلى ما يرون أنه حياة هادئة وبالتالي محمية حيث تُعزَل ضغوطات الحياة. إنهم ينظرون إلى الصمت والسلام اللذين يسودان على الإيقاع الديري اليومي ويشعرون بشيء من الحسد. يحنّ الكثيرون إلى صمت صعب المنال وعمق روحي ويعتبرون أن من المستحيل للمؤمن العلماني العادي أن يحصد أوقاتاً من الصلاة العميقة غير المشوشة. فمع التنقّل والوظائف والفواتير والعشاء والأولاد لم يعد هناك ببساطة مكان للحياة الداخلية كما هي موجودة في الأديار.

ولكن إذا تفحصنا فعلياً سرعة الحياة اليومية، يمكننا أن نجد الكثير من الوقت المهدور الذي يمكن استعماله في ذلك المسعى الغامض للصمت والصلاة. خلال التنقل اليومي، إذا حسبنا الدقائق الضائعة على الدردشات على الخليوي، أو الاستماع إلى الأخبار، أو في النقل العام، قراءة الجريدة، نجد أن هناك وقتاً مقدساً قد أُهدِر. وقت التنقّل، إذا أُحسِن استعماله، ممكن أن يصير وقتكم المقدّس.

سواء كنتم تتنقلون بالسيارة أو القطار أو الدراجة، فالتنقل يعطيكم قلاية رهبانية، مكاناً منقطعاً عن متطلبات العالم وضجيجه. لا يجد الراهب لحظات التأمّل فقط في العزلة، أو أثناء الخدم في الكنيسة، لأن الراهب يصلّي حتّى أثناء قيامه بأعمال طاعته. الراهب يكون في الصلاة حتّى أثناء استقبال زوّار الدير، أو العمل مع الرهبان الآخرين في الحقل أو معمل النجارة.

بإمكانكم أن تحوّلوا تنقلّكم إلى مكان مقدّس، وسيارتكم أو قطاركم إلى دير. بدل الاستسلام إلى الموسيقى أو نشرات الأخبار، بإمكانكم استعمال وقت تنقلكم لتشديد إيمانكم. إن جهازاً نقالاً محمّلاً [يحدد هنا الأب ipod ] بتسجيلات من الراديو الكنسي [Ancient Faith Radio] يمكن أن يكون طريقتكم لتعميق فهمكم للاهوت الكنيسة السريّ، أو لتعلّم فنّ الصلاة، على يد لاهوتي أرثوذكسي معروف. بإمكانكم الاشتراك في صلاة السحرية والغروب مع الرهبان الذي سجّلوا هذه الصلوات على أقراص مدمّجة. بإمكانكم الاستماع إلى الكتاب المقدّس وشروحاته ودراسته أثناء تنقّلكم. إن تسجيلات الموسيقى الكنسية التي لا تعد ولا تحصى الموجودة على أقراص مدمّجة أو ممكن تحميلها على جهازكم المحمول بإمكانها أن تحوّل تنقلكم إلى حدث منهِض. يمكن للموسيقى الكنسية أن تنقلكم إلى عالم يلتقي فيه السعادة والجمال ويختفي فيه استعجال التنقّل وضجيجه وضغطه.

إن صلاة يسوع صلاة ممتازة أثناء التنقل ﻷنها ترشدكم إلى الدخول إلى شكل عميق من الصلاة، شكل من السلام والسعادة يفتح قلوبكم واسعة ليسوع. لطالما نصحت بصلاة يسوع للمتنقلين الذين يعانون من توتر الطريق، وقد حوّلت الصلاة قيادتهم إلى تنقّل سلامي برفقة يسوع.

تأتي أيام حين تصير أفضل مقاربة لتحويل تنقلكم إلى قلاية رهبانية، هي في إطفاء كل المحرّكات الخارجية والدخول في الصمت. ليس بالضرورة أن يكون عندنا دائماً محفزات من خارج حياتنا، والصمت يتيح للحظة التي فيها نبدأ بسماع صوت الرب. قد يكون الأمر مرعباً بالبداية لأننا اعتدنا كثيراً على الضجة والموسيقى والكلام حتى صار الصمت يفقدنا أعصابنا. لكن بالرغم من هذا، ففي الصمت يمكن أن ندخل إلى قلب الله يرشدنا سلام المسيح الذي يحوّل قلبنا ويعطينا السلام.