مجموعة قصص آبائية

مجموعة قصص آبائية

إعداد راهبات دير مار يعقوب – دده، الكورة

عقاب الحقد

 

كان الكاهن تيطس والشمّاس إفاغريوس متوحّدين في لافرا (الدير الكبير) كييف. فقام الشيطان، الذي يزرع الزؤان دوماً، بخلق عداوة بينهما. وبينما كانا في السابق متحابّين، بلغا إلى حدّ لا يريدان أن يشاهدا بعضهما البعض.
ولمّا كان واحدهما يبخّر في الكنيسة كان الثاني يبتعد من المكان كي لا يبخّره أخوه. حاول الآباء أن يصالحوهما، ولكن من دون نتيجة.
وذات مرّة مرض الكاهن تيطس مرضاً ثقيلاً. فاستدعى، وهو تائب، الشمّاس إفاغريوس لكي يتصالحا. ولكنّ هذا الأخير رفض أن يسامحه، وأخذ يلعنه ويقذفه بالشتائم من بعيد. فأمسكه الآباء وأحضروه عنوة إلى الكاهن تيطس المريض.
وحالما رآه تيطس أخذ يتوسّل إليه باكياً وقائلاً: “سامحني يا أخي”. ولكنّ إفاغريوس قال له بلا شفقة: “لن أسامحك لا في هذه الدنيا ولا في الآخرة”. وما إن تفوّه بهذه الكلمات حتّى سقط على الأرض ميتاً. وبالمقابل نهض تيطس من فراشه صحيحاً معافىً. تعجّب الآباء ممّا جرى، ولمّا سألوا تيطس استفساراً، روى لهم ما جرى معه قائلاً: “فيما كنت أعاني سكرات الموت رأيت ملائكة تقترب منّي، ولكنّها سرعان ما غادرت باكية لما شاهدت حالة نفسي الرديئة. وعندها دنت الشياطين فرحة إذ حسبت أنّها ستربحني إلى صفّها بسبب الغضب والحقد. لهذا طلبت منكم أن تحضروا لي الأخ كي نطلب المغفرة من بعضنا ونتسامح. ولكن عندما أشاح بوجهه عنّي، شاهدت ملاكاً مخيفاً يمسك بيده مقصلة ملتهبة ضرب بها إفاغريوس بلا رحمة فسقط ميتاً. ثمّ بسط الملاك يده إليّ وأنهضني. وها أنا معافىً”.
أثّرت عقوبة الملاك لإفاغريوس بالإخوة كثيراً، ومنذ ذاك الحين صاروا أكثر محبّة وتسامحاً مع بعضهم البعض.

مسبحة الراهب

ذهب راهب من دير القدّيس بولس في جبل آثوس إلى دير القدّيس جراسيموس في منطقة كيفالونيا. وفي وقت القدّاس الإلهيّ بقي في الهيكل وكان يصلّي بالمسبحة مردّداً الصلاة الذهنيّة.
وصدف أن أحضر قوم إلى الكنيسة شخصاً به شيطان كي يصلّي له الكاهن. وبينما كان الراهب يصلّي بالمسبحة بدأ الشيطان يصرخ في صحن الكنيسة قائلاً: “لا تسحب أيّها الراهب هذا الحبل الذي بين يديك لأنّه يحرقني.”
لمّا سمع الكاهن تلك الأقوال قال للراهب: “صلّ يا أخي بالمسبحة قدر ما تستطيع كي تتحرّر جبلة الله من الروح الشرّير.” وعندها صرخ الشيطان غاضباً: أيّها الكاهن اللعين لماذا تقول له أن يسحب الحبل؟ إنّه يحرقني.
ولكنّ الراهب تابع صلاته بالمسبحة، وبعد قليل، وبفعل الصلاة، تحرّر الإنسان الممسوس من الشيطان.

الناسك على الصليب

رغب الناسك العجوز مرّة أن يقصد الكنيسة الكبيرة القريبة من منسكه، أسوة بالمؤمنين الكثر الذين يزورونها. ركع الناسك أمام الصليب الكبير القائم في وسط الكنيسة، وقال: “ياربّ، أريد أن أتألّم معك. هلاّ أعطيتني مكانك، لأكون على الصليب بدلاً منك”؟ فوجئ الناسك بصوت المصلوب يقول له: “سأحقّق لك طلبك على شرط أن تبقى صامتاً طالما أنت على الصليب”. قبل الناسك الشرط، وأخذ مكان المصلوب دون أن يلاحظه أحد.
وصل رجل غنيّ، صلّى، ثمّ غادر ناسياً محفظته المليئة بالمال الوفير، فبقي الناسك صامتاً. أتى بعده رجل فقير، وبينما كان يصلّي لاحظ المحفظة المليئة بالنقود على الأرض. فرح بها، أخذها ومشى، وبقي الناسك صامتاً. ثمّ أتى شابّ يطلب من الربّ أن يحميه أثناء سفره بالباخرة لأنّه ذاهب إلى بلاد بعيدة. فيما كان هذا الشابّ يصلّي، وصل الرجل الغنيّ يبحث عن محفظته، فاتّهم الشابّ بسرقتها، وبدأ بالصراخ والشتائم، وهدّد باستدعاء الشرطة التي أتت واحتجزت الشابّ. لم يستطع الناسك البقاء صامتاً. فنطق بالحقيقة وسط ذهول الجميع. فركض الغنيّ مسرعاً وراء الفقير، والشابّ مسرعاً وراء الباخرة لئلا تفوته.
عندما فرغ المزار من الحجّاج، أتى الربّ إلى الناسك وقال له: “انزل، لست أهلاً أن تكون مكاني لأنّك لم تبق صامتاً”. أجاب الناسك: “ولكن، يا ربّ، هل يجب أن أبقى صامتاً أمام مشكلة كهذه؟” فأجاب الربّ: “كان يجب أن يضيّع الغنيّ ماله لأنّه سيصرفه في عمليّة قذرة جدّاً. وكان على الفقير أن يأخذه لأنّه بحاجة ماسّة جدّاً. أمّا المسافر فلو بقي في الحجز لكانت السفينة التي ستغرق في عرض البحر قد فاتته، وبقي على قيد الحياة.
كم نتسرّع مراراً في أحكامنا، ونلجأ إلى منطقنا، وننسى أنّ الربّ يرانا بمنطق مختلف أكثر أماناً وأوسع آفاقاً!!!!!

Leave a comment