من صلاة يسوع إلى الصّلاة القلبيّة

من صلاة يسوع إلى الصّلاة القلبيّة

الأب جون بريك

نقلها إلى العربية الأب نقولا مالك

غالباً ما نستعمل عبارتَي “صلاة القَلب” و”صلاة يسوع” بمعنًى واحد. إلاّ أنّنا يجب أن نتبيَّنَ الفرق بينهما. فإنَّ صلاة يسوع قد تكون آلِيّةً وقد تكون تأمّليّة، حسب درجة النّضوج الروحيّ عند الأشخاص. في الحالة الثانية، تكونُ فعلاً صلاةً قلبيّة.
صلاة يسوع مبنيّةٌ أساساً على اسم يسوع: “يا ربّي يسوع المسيح ارحمني”.
لا يتحوّلُ التوسُّل إلى صلاةٍ قلبيّةٍ حقيقيّة إلاّ بشروطٍ معيّنة. ورد في العظة التاسعة عشرة للأب مكاريوس المصريّ ما يلي: “كلّما اقترب الناسُ من الله، وجبَ عليهم أن يغصبوا أنفسهم بجهدٍ شديد لانتظار نعمته بإيمانٍ غيرِ مهتزّ. عليهم أن يجاهدوا ليصلُّوا حتّى عندما يفتقدون الصّلاة الروحيّة. وعندما يرى الله كيف يثابرون على الجهاد للصّلاة، حتّى ولو لم يكن قلبُهم حاضراً فيها، يجود عليهم بموهبة الصلاة الروحيّة الحقيقيّة، وبالمحبّة الحقيقيّة، والحنان الحقيقيّ، والرحمة الحقيقيّة. باختصار، يملأهم الله بمواهب الروح القدس.
هذا الجهاد يجعلنا منهمكين في “الصلاة العمليّة”. وهذه ليست طريقةً تقود إلى الغوص في الحياة الروحيّة بصورةٍ أعمق؛ لأنّ هذا الغَوصَ لا يتأتّى إلاّ عن تجاوُبِنا بتواضُعٍ مع نعمة الله. تكرار الصلاة باستمرار يقودُنا إلى التغلّب على شرود الذهن وغيرِه من الانعكسات الذهنيّة. إنّه يقود إلى بساطة القلب وانفتاحه على يسوع بصورةٍ حصريّة. التواضع هو مفتاح هذه الحركة الداخليّة. إنّه يخوّلنا أن نشعر بحضور الله ومساعدته، ونتقبّل منه موهبة الخلاص. إنّه يؤسّس الثقة بالله، وأنّه سوف يرانا في أوقاتِ اضطِرابِنا، وأنّه سيكون نورَنا عندما نمشي في الظلام، وأنّه سوف يُريحُنا في أوقات المَرَض والضغوطات النفسيّة والجهاد الروحيّ. كلّ هذا يمنحنا إيّاه الله من خلال صلاة يسوع.
عندما تمدّ هذه الصلاةُ جذورَها فينا، يستنير قلبُنا بثقةٍ عميقة، تنتشلنا من العمى السّابق الذي كان يجعلنا لا نصلّي إلاّ شفويًّا. والآن، بتنا نستقبل الصلاة ككنزٍ نفيس. حسبما شرحنا أعلاه، نرى أنّ صلاة يسوع هي فرحٌ يولّد تجاوباً شُكريّاً.
في هذه المرحلة من مسيرة الحجّ الروحيّة، يصبح القلب متحوّلاً بالنعمة. وهذا لا يمنع أنّ الله يسمح بأن نجرَّبَ مرّةً بعد مرّة، لكي يعلّمَنا أنّنا به وحده نستطيع أن نصل إلى القوّة وتمام الرّجاء. ولهذا، من الضروريّ جدّاً أن نتقبّل ضعفنا وفشلَنا بروحِ التواضع الحقيقيّ. لا أحد يستطيع أن يكتسب التواضع ما لم يمتلك الأدوات المناسبة لذلك، الأدوات التي تقودُنا إلى قلبٍ متّضعٍ منكسر، وإلى إلغاء أفكارِنا المسبَقة. لأنّ العدوّ غالباً ما يكتشف مواطن الضعف فينا، وهذا ما يساعده لكي يثنينا عن الطريق التي تقود إلى الحياة.
بدون التواضع، يستحيل على الإنسان أن يكتسب الكمال الروحيّ. نحن نتعلّم من التجارب، وبدونها لا يستطيع أحدٌ أن يكتسب التواضع الحقيقيّ. في هذه الحالة من تقبُّلِ التجاربِ بتواضع، وإحالَتِها باستمرارٍ إلى يَدَي الربّ القدير، تتحوّل صلاة يسوع إلى صلاة القلب.

Leave a comment