كيف نسلك في الصباح؟ – غريغوريوس ميتروبوليت بترسبرغ

كيف نسلك في الصباح؟
الفصل الأول من كتاب “كيف نحيا حياةً مقدّسة”
غريغوريوس ميتروبوليت بترسبرغ (1784-1860)

 

في الصباح اسلكْ على الشكل التالي:
1. عند نهوضك، حاول أوّلاً أن توجّه أفكارك نحو الرب. ينبغي أن يكون توجيه الأفكار نحو الرب الإله نشاطنا الأكثر طبيعية في كل وقت من النهار أيضاً، إذ بكلّ تأكيد، لا يوجد ما هو ضروري وعزيز وغالٍ عندنا أكثر من الله. فعلى الأكيد أن كل ما لدينا الآن وما كان لنا، بما فيه حتى وجودنا، هو بلا ريب هِبة من الله.
إن الشخص الذي نحتاجه أكثر من غيره، والأغلى علينا، والأقرب إلينا هو الذي يأتي أولاً إلى فكرنا في الصباح. ما أن نستيقظ في الصباح، حتى يستيقظ التفكير في مَن أو ما يمثّل الحاجة الأكبر والأغلى عندنا. هذا يكون عادةً خلال المجرى الطبيعي للأمور. لهذا، طبيعي دائماً أن تتجّه أفكارنا أوّلاً إلى الله باستدعاء قلبي مثل: “المجد لك يا إلهنا! المجد لك أيها الرحيم”.
لا نكون مستحقين لتسميتنا مسيحيين إذا كنّا، عند نهوضنا من النوم، نفتح أعيننا الجسديتين وليس الروحيتين، وإذا كنا نفكّر أولاً بالأرض والأمور الأرضية وليس بالرب الإله.

2. إذا كان وقت استيقاظك هو وقت نهوضك أو هو قريب منه، فمن دون إبطاء قُلْ: “باسم الآب والابن والروح القدس”، فيما ترسم إشارة الصليب. ومن ثم “يا ربّي يسوع المسيح ابن الله ارحمني أنا الخاطئ”.

3. مباشرة بعد هذا، أو في الوقت نفسه، انهض من السرير. غالباً ما يكون النهوض سريعاً من السرير أمراً غير مُحَبَّباً لجسدنا لأنه، كمثل عبد كسول، يحبّ دائماً أن يستلقي وينام أو أن يترف ويبقى متراخياً. اعمل في كل صباح ضد رغبات جسدك الوضيعة ولتكن هذه المعارضة أولى تضحياتك للرب الإله. ومن الأسباب الأخرى للنهوض سريعاً من السرير هو أنه نافع للنفس إذ، كما لاحظ المجاهدون لخلاص النفس، عندما نستلقي في السرير لوقت طويل بعد استيقاظنا، تنشأ الميول غير الطاهرة بسهولة في أجسادنا كما تتحرّك الأفكار القذرة والرغبات في نفوسنا.
لاحقاً في النهار، هذه الأفكار تقود المهمِلين إلى السقوط في خطايا كبيرة وفي أخطار عظيمة تفقدهم خلاصهم. لكنْ كلّ مَن يعارض رغبات جسده بشجاعة في الصباح، يقاوم الأهواء التي تحدق به خلال النهار وفي المساء، وحتى الخطيرة منها. أنت تتعلمُ ذلك، إذا كنت تسهر على نفسك ولو قليلاً.

4. بعد النهوض من السرير، اغتسل مباشرة، وارتدِ ثياباً تليق بشخص محترم. ضروري أن نلبس هكذا في الصباح، حتى ولو لم يكن معنا أحد، لأننا، أولاً، لسنا وحدنا بالكليّة، فملاكنا الحرس والرب الإله موجودان معنا أينما كنّا وفي كل وقت. ملاكنا الحارس، إذا لم نبعده عنّا، موجود دائماً معنا. والرب أيضاً دائماً معنا على نحو لا يرقى إليه الشك، فهو إله كليّ الوجود، على ما يقول الرسول “لأَنَّنَا بِهِ نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ.” (أعمال 28:17).
ثانياً، بعد نهوضنا واغتسالنا، علينا أن نقف مباشرة أمام الرب الإله في صلواتنا الصباحية. نحن لا نجرؤ أبداً على الوقوف أمام رؤسائنا الأرضيين، الذين هم دون الرب، بلباس غير لائق. وأخيراً، إذا لبست بشكل مقبول مباشرة بعد النوم، فأنت سوف تحفظ نفسك من خطرين يتعرّض لهما الكثيرون في أيامنا، وهما: خطر إغراء الآخرين وخطر الإصابة بروح قلة الحياء. يا صديقي، ماذا نتوقّع في منتصف النهار وفي المساء ممّن هو وقح في الصباح؟

5. بعد أن تغتسل وتلبس قِفْ أمام الأيقونات المقدّسة وقُلْ صلاة النهوض من النوم كما حددتها ورتبّتها الكنيسة المقدّسة التي هي مفسّرة طريق الخلاص وحافظته. ولكي لا يعيق صلاتك أي شيء، خاصةً إذا كنتَ لا تجيد القراءة، احفظ عن ظهر قلب صلوات الصباح، أقلّه بداياتها. أهذا أمر صعب؟ كيف لك ألا تعرف عن ظهر قلب الصلاة الربية، صلاة “أبانا الذي في السماوات”. تعلّمْها! إنها أكثر الصلوات أهمية وحملاً للخلاص في كل الأحوال.

بسبب إلفتنا الطويلة مع الصلوات التي نحفظها أو نقرؤها من كتاب، نردّدها في بعض الأوقات بدون انتباه وافٍ لمحتواها، وبالتالي نحن لا نصلي بالحقيقة، بل نحلم بأننا نصلي ليس أكثر. لهذا السبب قد نصلّي أحياناً مستعملين كلمات من غير هذه الصلوات التي اختارتها وهيّأتها الكنيسة المقدسة. ولكن عندما تصلّي بهذه الطريقة راقب بانتباه الأمور التالية:

أ) اشكرْ الربّ الإله لأنّه حفظ حياتك خلال الليلة الماضية وهو من جديد يعطيك الوقت للتوبة وتغيير حياتك، لأن كل يوم جديد هو شيء جديد لنا، وليس بأي شكل من الأشكال خدمةً نستحقها من الله، لأن النهار الجديد لا يتبع الليل تلقائياً. كثيرون من الناس، ذهبوا إلى النوم في المساء، واستيقظوا لا في هذه الحياة بل في الأخرى: الأبدية. هل خسران الحياة هو على هذه الدرجة من الصعوبة؟ أحياناً، حتى فزعة خفيفة قد تودي بحياتنا. لا تمضي ليلة واحدة لا يموت فيها كثيرون. ما هي أفضليتنا على الذين ماتوا في الليلة الماضية؟ ألم يكن ممكناً أن نموت نحن أيضاً؟ نعم كان ممكناً وبسهولة كبيرة. لكن مَن الذي حفظنا من الموت غير الله الكلي الصلاح والفائق الرحمة الذي ينتظر دائماً توبتنا وتحوّل حياتنا؟ لقد حفظنا ومنحنا يوماً جديداً لكي نخلّص نفوسنا.
ألا نستطيع إذاً أن نشكر الرب الإله؟ في كل صباح اشكرْه بكل نفسك على هذا المنوال مثلاً: “يا ربي وملكي! أنا أشكرك لأنك في الليلة الماضية حفظتَ حياتي ومنحتني زماناً للتوبة وتحسين حياتي. الكثيرون من الناس حُرموا من حياتهم الأرضية في الليلة الماضية. اليوم الذي يبدأ ليس يوماً محتوماً في حياتي. إنه يبدأ لأنك أنت تعطيني إياه برحمتك التي لا توصف. كان ممكناً أن أموت في الليلة الماضية. لكنّك أنت، أيها الكلي الصلاح، حفظتني وأعطيتني يوماً جديداً لأخلّص نفسي. أشكرك بكل قلبي أيها الجزيل الرحمة”.

ب) اشكرْ الرب للإحسانات الأخرى التي تلقيّتها منه. اشكرْه لأنّه خلقك وحفظك وأنقذك وأتى بك إلى الإيمان الصحيح، وفي الإيمان الحقيقي منحك كل وسائل الخلاص وما زال يزوّدك بها. كل هذه الإحسانات عظيمة بشكل فائق للوصف وتستحق الامتنان العميق الذي لا ينقطع. أكنتَ أحسست بفرح الحياة لو لم يخلقك الرب؟ أكنتَ حياً الآن لو لم يحفظ حياتك؟ ما كان حدث لنا لو لم يفتدِنا؟ كم كانت تعاستنا لو لم يأتِ بنا إلى الإيمان الحقيقي ويمنحنا وسائل الخلاص! حتى الآن، نحن تعساء جداً بالرغم من كوننا على الإيمان الصحيح وحصولنا على وسائل الخلاص.
كم كانت تعاستنا لتكون من دون هذا الإيمان؟ اشكر الرب بلا انقطاع وبكل نفسك على هذا المنوال مثلاً: “أيها الرب الإله، يا أبي وملكي، أشكرك لأنك خلقتني وحفظتني ودعوتني إلى الإيمان الحقيقي وفيه منحتني، وما زلت تمنحني، كل وسائل الخلاص. كيف كان لي أن أحسّ بفرح الحياة لو لم تخلقني؟ كيف كان لي أن أحيا الآن لو لم تحفظ حياتي؟ ما كان ليحدث لي لو لم تفتدِني؟ يا لتعاستي لو لم تأتِ بي إلى الإيمان الحقيقي وتمنحني هكذا كل وسائل الخلاص! أشكرك بكل نفسي أيها الرب الجزيل الرحمة الكلي الصلاح.”

ج) اشكر الرب بعد أن منحك كلّ سبل الخلاص، وهو يؤهّلك لاستعمال هذه الوسائل. وبالرغم من عصيانك المتكرر، وبالرغم من الأسى المتكرر الذي تسببه له، وبالرغم من كل عنادك، فهو لا يعاقبك بحرمانك من عطيته العظيمة، أي الحياة، بل هو يواصل دعوتك وبشتّى الطرق يوجهك نحو الخلاص. آه! إن أجسادنا ونفوسنا كانت تحترق الآن في نار الجحيم الأبدية لو لم يكن الرب جزيل الرحمة وتوّاباً علينا. اشكرْ الربّ بكل نفسك.

د) اشكر الرب لأنّه تلطّف خلال الليلة الماضية فشدّد قواك الجسدية ومنحك إمكانية الانهماك مجدداً في الأعمال العالمية الضرورية والنافعة. كم من البشر يعجزون عن تحصيل قوتهم اليومي لنقائص مختلفة؟ كم هم العاجزون بسبب أمراض متنوعة عن الحركة الضرورية، وهم يشكّلون بشكل مستمر عالة على الآخرين وعلى أنفسهم. اشكرْ الرب من كل قلبك على تشديد قواك الجسدية.

ه) بعد هذا صلِّ من كل نفسك لكي يصفح الرب الإله عن خطاياك التي لا تُحصى، سواء كانت بالفعل أو بالنيّة أو بالرغبة أو حتى بالفكر. لا تغفل هذه الصلاة أبداً: أنتَ خاطىء دائماً في عيني الربّ. في هذا ينبغي ألا يخدع الإنسان نفسه، “لأَنَّنَا فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ نَعْثُرُ جَمِيعُنَا”، على ما يقول الرسول بروح الله (يعقوب 2:3). وإذا قلنا أننا بلا خطيئة، فنحن نخدع أنفسنا، والحقيقة ليست فينا، على ما يقول رسول آخر بالروح ذاته (1يوحنا 8:1).

صلِّ إلى الرب الإله أن يمنحك رغبة راسخة ثابتة للسكن فيه دائماً وكليّاً، فهو المحسن الوفي إلينا ابتداءً من هذا اليوم. هذا يعني أن نضع دوماً إنجاز إرادته في رأس أولوياتنا وأن نجهد بشكل ثابت إلى العيش في توافق تامٍ معها، وبالتالي أن نحاول بغيرة وقبل أي شيء آخر أن نكشف إرادته الإلهية، التي هي نفسها دائماً من جهتنا، قداستنا (1تسالونيكي 3:4)، وخلاص نفوسنا (1 تسالونيكي 9:5؛ 2 تسالونيكي 13:2).

7. لكي تكون أكثر ثقة من قدرتك على حفظ نفسك من الخطيئة خلال النهار المقبِل، حاول فيما الوقت صباح، أن تفكّر في كل ما قد يحدث لك خلال النهار. حاول أن تتفحص ما أنت مقبل على عمله ومع مَن سوف تمضي وقتك. ما هي أسباب الخطيئة التي قد تواجهها؟ متى وأين؟ ما هي إمكانيات الخير التي قد تصادفها؟ متى وأين؟ أليس بعض الميول، مثلاً بسبب زهوك أو كبريائك أو غضبك أو غيره؟ بعد أن تفحص كلّ شيء بهذه الطريقة حاول مجدداً أن تفكّر في كيف تكون قادراً عل عبور هذا النهار بكامله من دون خطيئة، كيف تتعامل بلا عيب مع هذا الشخص أو ذاك، كيف تستفيد من كل فرص الخير التي قد تسنح لك، كيف السبيل لتجنّب مختلف فرص الخطيئة ورغباتها، وفي حال انعدام إمكانية تجنبها كيف تتصرّف من دون أذى مع هذه الظروف والتجارب.
مثلاً، إذا كنتَ ترى أنك سوف تمضي وقتاً في العمل مع شخص سيء الطباع، عليك إذاً أن تحاول مسبقاً التفكير في كيف تتصرّف في حضوره بشكل حليم ومهذّب حتى لا تثير غضبه مطلقاً بل تبقى في سلام معه. من دون هذا الإعداد لأنفسنا ضد الخطيئة، يستحيل، أو أقلّه يصعب جداً، أن نحمي ذواتنا من الخطيئة وأن نتبع تعليم الرب من دون تعثّر. إن الذي لا يتّخذ في كل صباح قراراً صارماً ولا يبذل جهداً ليصون ذاته من الخطيئة خلال النهار المقبِل، لا يحفظ نفسه من الخطيئة بشكل متقَن، وشيئاً فشيئاً يتخلّى ليس فقط عن الجهاد بل حتّى عن الرغبة، لا بل عن مجرد التفكير، بواجب حفظ الذات من الخطيئة. إذا لم يُصَن فتيل القنديل، بل في كل مرة يتدفّق الزيت إلى القنديل، فلن يستمرّ بالاشتعال وسوف ينطفئ. أيها الصَديق، لا تنسَ هذا الاستعداد لمواجهة الخطيئة، فهو ضروري كل صباح. عندما تحاول فعلاً أن تصون نفسك من كل خطيئة وأن تسلك في حياة مرضية لله ومقدسة، فسريعاً ترى بنفسك أهمية هذا الاستعداد ونتائجه المفيدة.

8. حتى تكون قادراً على أن تسلك في حياة القداسة بسهولة وأمان أكبر، صلِّ إلى الرب الإله أن يباركك بمنحك وعياً ثابتاً وغيرة لتلافي فرص الإثم، وخاصةً الخطيئة التي تميل إليها أكثر من غيرها بطبيعتك أو بالعادة. إن هكذا خطيئة تدفع كلاً منّا إلى إشباع رغبتها، وكلّنا الذين لسنا مكرَّسين بالكليّة لله نقضيها طوعياً، ومتى واجهنا عوائق أمام قضاء هذه الخطيئة نسعى بكل قوتنا لإزاحة هذه العوائق وإلى شقّ الطريق حتى تكون تتم هذه الخطيئة بدون عوائق وبدون تأخير إن أمكن.
صعب جداً لشخص أن يحمي نفسه من هكذا خطيئة فيما عدونا العتيق الأيام يهاجمنا، بتغطرس وبغير تردد، غالباً ليس من لا مكان بل من جهة خطيئتنا المعتادة المفضّلة. صلِّ من كل نفسك.

9. بعد أن تتفحّص وتفكّر في كل ما هو ضروري لحماية نفسك من الخطيئة ولتركيز نفسك في الحياة المرضية لله، صلِّ أيضاً بكل قلبك إلى الرب الإله ليشدّد إرادتك وقواك ولا يسمح لك بأن تضعف كما سبق وضعفت غالباً. من دون هذه الطلبات المعبّر عنها بهذه الصلوات أو بتلك، لا تتورط في أي يوم بأي أمر، لأي سبب إلا ما هو خارج كلياً عن سيطرتك. كيف نستطيع أن نعالج أي أمر من غير بركة الله؟ فمن دون بركة الله كل أعمالنا تافهة. لكن بركة الله، مثل كل نعمه، تُكتَسَب بالصلاة فقط (يعقوب 17:1). صحيح أن الله في صلاحه غير المتناهي يعطي النجاح أحياناً لأشخاص لا يصلّون أو حتى لغير الأتقياء. لا تهتمّ لذلك. عندما تأتي هذه الفكرة إلى رأسك فكّر مباشرة بالمصير الرهيب الذي بلغه الغني الذي قال عنه الإنجيل أنّه أحبّ أن يتنعّم كل يوم (لوقا 19:16-32).
كان ناجحاً في كل شيء في حياته، لم يحسّ بأدنى حاجة، وكانت له كل وسائل إشباع رغباته الحسية وقد أرضاها بشكل كامل. لكن هذه الطريقة من الحياة، بعد موته، أغرقته في عذابات الجحيم. وعندما التمس من إبراهيم بشكل بائس، كونه تعذّب بشكل مريع في اللهيب، أن يريحه من عذاباته، رُفض. والرفض كان لأن على السعيد في هذا العالم أن يتذكّر كل دقيقة بعويل: “يَا ابْنِي، اذْكُرْ أَنَّكَ اسْتَوْفَيْتَ خَيْرَاتِكَ فِي حَيَاتِكَ، وَكَذلِكَ لِعَازَرُ الْبَلاَيَا. وَالآنَ هُوَ يَتَعَزَّى وَأَنْتَ تَتَعَذَّبُ.” (لوقا 25:16).

10. على المرء أن يصلّي هكذا خاصةً في الصباح، وعليه أن يتخّذ هذا القرار وهذه التدابير الحكيمة في الصباح. ليس من وقت أنسب للصلاة ولكل التعهدات الحسنة مثل الصباح، لأن الإنسان لا يكون أكثر قدرة على الصلاة وعلى الاهتمام بالأعمال وعلى التفكير كما في الصباح. ففي الصباح تكون أفكاره أقل ضيقاً وقلبه أكثر نقاوة وبمقدوره أن يحتوي نفسه بسهولة أكبر من أي وقت آخر. في الصباح لا تزعجنا ضرورات الحياة وتكون الأهواء ما زالت نائمة وطبيعة ما حولنا تضعنا في حالة رصينة تأملية.
مع عبور الصباح تستيقظ الأهواء وتتحرّك الحاجات اليومية الاهتمامات ويبدأ الإنسان بالعمل والكدح مثل عبد عليه دائماً أن يأكل خبزه بعرق جبينه. أيها الصديق، اقضِ الصباح في الصلاة وفي الرعاية التقيّة لحياتك. في صباح كل يوم، ضعْ لهذا اليوم هدفاً عالياً. كن حكيماً لأن روح الله تصوّر سلوك الإنسان على هذا المنوال: باكراً يعطي قلبه ملجأ في الله الذي خلقه ويصلّي أمام العليّ.

11. بعد الصلاة على هذا المنوال، اجلس بورع أمام الرب الإله بدون استعجال وتفكّر بشكل كامل في كيف سوف تسلك خلال اليوم المقبل في ما يتعلّق بالرب الإله وبجيرانك وبموقعك الخاص في العالم. وإذا منعك شيء ما عن القيام بهذا التأمّل في بعض الصباحات، فقُمْ به في أي حال صباح كل أحد أو كل يوم مقدّس. إن جسدنا المجروح بالخطيئة الأصلية يلامس عدوَنا العتيق الأيام، أي الشيطان، ومعه يحاول باستمرار أن يمحو واجباتنا المسيحية من ذاكرتنا ليعيد إحياء مختلف قوانين العالم وفي الوقت نفسه، أو حتّى قبل ذلك، ينشّط مختلف وسائل إرضاء شهواته.
لا تنصِت إلى هؤلاء المعلمين المهلكين وحاول بشتّى الطرق أن تذكِّر نفسك بواجباتنا الروحية التي وضعها علينا الرب الإله، ومرة أخرى ثبّت القرار بأن تقوم بها بدقة أكبر واتّقان.

كيف نسلك في الصباح؟
الفصل الأول من كتاب “كيف نحيا حياةً مقدّسة”
غريغوريوس ميتروبوليت بترسبرغ (1784-1860)

في الصباح اسلكْ على الشكل التالي:
1. عند نهوضك، حاول أوّلاً أن توجّه أفكارك نحو الرب. ينبغي أن يكون توجيه الأفكار نحو الرب الإله نشاطنا الأكثر طبيعية في كل وقت من النهار أيضاً، إذ بكلّ تأكيد، لا يوجد ما هو ضروري وعزيز وغالٍ عندنا أكثر من الله. فعلى الأكيد أن كل ما لدينا الآن وما كان لنا، بما فيه حتى وجودنا، هو بلا ريب هِبة من الله.
إن الشخص الذي نحتاجه أكثر من غيره، والأغلى علينا، والأقرب إلينا هو الذي يأتي أولاً إلى فكرنا في الصباح. ما أن نستيقظ في الصباح، حتى يستيقظ التفكير في مَن أو ما يمثّل الحاجة الأكبر والأغلى عندنا. هذا يكون عادةً خلال المجرى الطبيعي للأمور. لهذا، طبيعي دائماً أن تتجّه أفكارنا أوّلاً إلى الله باستدعاء قلبي مثل: “المجد لك يا إلهنا! المجد لك أيها الرحيم”.
لا نكون مستحقين لتسميتنا مسيحيين إذا كنّا، عند نهوضنا من النوم، نفتح أعيننا الجسديتين وليس الروحيتين، وإذا كنا نفكّر أولاً بالأرض والأمور الأرضية وليس بالرب الإله.

2. إذا كان وقت استيقاظك هو وقت نهوضك أو هو قريب منه، فمن دون إبطاء قُلْ: “باسم الآب والابن والروح القدس”، فيما ترسم إشارة الصليب. ومن ثم “يا ربّي يسوع المسيح ابن الله ارحمني أنا الخاطئ”.

3. مباشرة بعد هذا، أو في الوقت نفسه، انهض من السرير. غالباً ما يكون النهوض سريعاً من السرير أمراً غير مُحَبَّباً لجسدنا لأنه، كمثل عبد كسول، يحبّ دائماً أن يستلقي وينام أو أن يترف ويبقى متراخياً. اعمل في كل صباح ضد رغبات جسدك الوضيعة ولتكن هذه المعارضة أولى تضحياتك للرب الإله. ومن الأسباب الأخرى للنهوض سريعاً من السرير هو أنه نافع للنفس إذ، كما لاحظ المجاهدون لخلاص النفس، عندما نستلقي في السرير لوقت طويل بعد استيقاظنا، تنشأ الميول غير الطاهرة بسهولة في أجسادنا كما تتحرّك الأفكار القذرة والرغبات في نفوسنا.
لاحقاً في النهار، هذه الأفكار تقود المهمِلين إلى السقوط في خطايا كبيرة وفي أخطار عظيمة تفقدهم خلاصهم. لكنْ كلّ مَن يعارض رغبات جسده بشجاعة في الصباح، يقاوم الأهواء التي تحدق به خلال النهار وفي المساء، وحتى الخطيرة منها. أنت تتعلمُ ذلك، إذا كنت تسهر على نفسك ولو قليلاً.

4. بعد النهوض من السرير، اغتسل مباشرة، وارتدِ ثياباً تليق بشخص محترم. ضروري أن نلبس هكذا في الصباح، حتى ولو لم يكن معنا أحد، لأننا، أولاً، لسنا وحدنا بالكليّة، فملاكنا الحرس والرب الإله موجودان معنا أينما كنّا وفي كل وقت. ملاكنا الحارس، إذا لم نبعده عنّا، موجود دائماً معنا. والرب أيضاً دائماً معنا على نحو لا يرقى إليه الشك، فهو إله كليّ الوجود، على ما يقول الرسول “لأَنَّنَا بِهِ نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ.” (أعمال 28:17).
ثانياً، بعد نهوضنا واغتسالنا، علينا أن نقف مباشرة أمام الرب الإله في صلواتنا الصباحية. نحن لا نجرؤ أبداً على الوقوف أمام رؤسائنا الأرضيين، الذين هم دون الرب، بلباس غير لائق. وأخيراً، إذا لبست بشكل مقبول مباشرة بعد النوم، فأنت سوف تحفظ نفسك من خطرين يتعرّض لهما الكثيرون في أيامنا، وهما: خطر إغراء الآخرين وخطر الإصابة بروح قلة الحياء. يا صديقي، ماذا نتوقّع في منتصف النهار وفي المساء ممّن هو وقح في الصباح؟

5. بعد أن تغتسل وتلبس قِفْ أمام الأيقونات المقدّسة وقُلْ صلاة النهوض من النوم كما حددتها ورتبّتها الكنيسة المقدّسة التي هي مفسّرة طريق الخلاص وحافظته. ولكي لا يعيق صلاتك أي شيء، خاصةً إذا كنتَ لا تجيد القراءة، احفظ عن ظهر قلب صلوات الصباح، أقلّه بداياتها. أهذا أمر صعب؟ كيف لك ألا تعرف عن ظهر قلب الصلاة الربية، صلاة “أبانا الذي في السماوات”. تعلّمْها! إنها أكثر الصلوات أهمية وحملاً للخلاص في كل الأحوال.

بسبب إلفتنا الطويلة مع الصلوات التي نحفظها أو نقرؤها من كتاب، نردّدها في بعض الأوقات بدون انتباه وافٍ لمحتواها، وبالتالي نحن لا نصلي بالحقيقة، بل نحلم بأننا نصلي ليس أكثر. لهذا السبب قد نصلّي أحياناً مستعملين كلمات من غير هذه الصلوات التي اختارتها وهيّأتها الكنيسة المقدسة. ولكن عندما تصلّي بهذه الطريقة راقب بانتباه الأمور التالية:

أ) اشكرْ الربّ الإله لأنّه حفظ حياتك خلال الليلة الماضية وهو من جديد يعطيك الوقت للتوبة وتغيير حياتك، لأن كل يوم جديد هو شيء جديد لنا، وليس بأي شكل من الأشكال خدمةً نستحقها من الله، لأن النهار الجديد لا يتبع الليل تلقائياً. كثيرون من الناس، ذهبوا إلى النوم في المساء، واستيقظوا لا في هذه الحياة بل في الأخرى: الأبدية. هل خسران الحياة هو على هذه الدرجة من الصعوبة؟ أحياناً، حتى فزعة خفيفة قد تودي بحياتنا. لا تمضي ليلة واحدة لا يموت فيها كثيرون. ما هي أفضليتنا على الذين ماتوا في الليلة الماضية؟ ألم يكن ممكناً أن نموت نحن أيضاً؟ نعم كان ممكناً وبسهولة كبيرة. لكن مَن الذي حفظنا من الموت غير الله الكلي الصلاح والفائق الرحمة الذي ينتظر دائماً توبتنا وتحوّل حياتنا؟ لقد حفظنا ومنحنا يوماً جديداً لكي نخلّص نفوسنا.
ألا نستطيع إذاً أن نشكر الرب الإله؟ في كل صباح اشكرْه بكل نفسك على هذا المنوال مثلاً: “يا ربي وملكي! أنا أشكرك لأنك في الليلة الماضية حفظتَ حياتي ومنحتني زماناً للتوبة وتحسين حياتي. الكثيرون من الناس حُرموا من حياتهم الأرضية في الليلة الماضية. اليوم الذي يبدأ ليس يوماً محتوماً في حياتي. إنه يبدأ لأنك أنت تعطيني إياه برحمتك التي لا توصف. كان ممكناً أن أموت في الليلة الماضية. لكنّك أنت، أيها الكلي الصلاح، حفظتني وأعطيتني يوماً جديداً لأخلّص نفسي. أشكرك بكل قلبي أيها الجزيل الرحمة”.

ب) اشكرْ الرب للإحسانات الأخرى التي تلقيّتها منه. اشكرْه لأنّه خلقك وحفظك وأنقذك وأتى بك إلى الإيمان الصحيح، وفي الإيمان الحقيقي منحك كل وسائل الخلاص وما زال يزوّدك بها. كل هذه الإحسانات عظيمة بشكل فائق للوصف وتستحق الامتنان العميق الذي لا ينقطع. أكنتَ أحسست بفرح الحياة لو لم يخلقك الرب؟ أكنتَ حياً الآن لو لم يحفظ حياتك؟ ما كان حدث لنا لو لم يفتدِنا؟ كم كانت تعاستنا لو لم يأتِ بنا إلى الإيمان الحقيقي ويمنحنا وسائل الخلاص! حتى الآن، نحن تعساء جداً بالرغم من كوننا على الإيمان الصحيح وحصولنا على وسائل الخلاص.
كم كانت تعاستنا لتكون من دون هذا الإيمان؟ اشكر الرب بلا انقطاع وبكل نفسك على هذا المنوال مثلاً: “أيها الرب الإله، يا أبي وملكي، أشكرك لأنك خلقتني وحفظتني ودعوتني إلى الإيمان الحقيقي وفيه منحتني، وما زلت تمنحني، كل وسائل الخلاص. كيف كان لي أن أحسّ بفرح الحياة لو لم تخلقني؟ كيف كان لي أن أحيا الآن لو لم تحفظ حياتي؟ ما كان ليحدث لي لو لم تفتدِني؟ يا لتعاستي لو لم تأتِ بي إلى الإيمان الحقيقي وتمنحني هكذا كل وسائل الخلاص! أشكرك بكل نفسي أيها الرب الجزيل الرحمة الكلي الصلاح.”

ج) اشكر الرب بعد أن منحك كلّ سبل الخلاص، وهو يؤهّلك لاستعمال هذه الوسائل. وبالرغم من عصيانك المتكرر، وبالرغم من الأسى المتكرر الذي تسببه له، وبالرغم من كل عنادك، فهو لا يعاقبك بحرمانك من عطيته العظيمة، أي الحياة، بل هو يواصل دعوتك وبشتّى الطرق يوجهك نحو الخلاص. آه! إن أجسادنا ونفوسنا كانت تحترق الآن في نار الجحيم الأبدية لو لم يكن الرب جزيل الرحمة وتوّاباً علينا. اشكرْ الربّ بكل نفسك.

د) اشكر الرب لأنّه تلطّف خلال الليلة الماضية فشدّد قواك الجسدية ومنحك إمكانية الانهماك مجدداً في الأعمال العالمية الضرورية والنافعة. كم من البشر يعجزون عن تحصيل قوتهم اليومي لنقائص مختلفة؟ كم هم العاجزون بسبب أمراض متنوعة عن الحركة الضرورية، وهم يشكّلون بشكل مستمر عالة على الآخرين وعلى أنفسهم. اشكرْ الرب من كل قلبك على تشديد قواك الجسدية.

ه) بعد هذا صلِّ من كل نفسك لكي يصفح الرب الإله عن خطاياك التي لا تُحصى، سواء كانت بالفعل أو بالنيّة أو بالرغبة أو حتى بالفكر. لا تغفل هذه الصلاة أبداً: أنتَ خاطىء دائماً في عيني الربّ. في هذا ينبغي ألا يخدع الإنسان نفسه، “لأَنَّنَا فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ نَعْثُرُ جَمِيعُنَا”، على ما يقول الرسول بروح الله (يعقوب 2:3). وإذا قلنا أننا بلا خطيئة، فنحن نخدع أنفسنا، والحقيقة ليست فينا، على ما يقول رسول آخر بالروح ذاته (1يوحنا 8:1).

صلِّ إلى الرب الإله أن يمنحك رغبة راسخة ثابتة للسكن فيه دائماً وكليّاً، فهو المحسن الوفي إلينا ابتداءً من هذا اليوم. هذا يعني أن نضع دوماً إنجاز إرادته في رأس أولوياتنا وأن نجهد بشكل ثابت إلى العيش في توافق تامٍ معها، وبالتالي أن نحاول بغيرة وقبل أي شيء آخر أن نكشف إرادته الإلهية، التي هي نفسها دائماً من جهتنا، قداستنا (1تسالونيكي 3:4)، وخلاص نفوسنا (1 تسالونيكي 9:5؛ 2 تسالونيكي 13:2).

7. لكي تكون أكثر ثقة من قدرتك على حفظ نفسك من الخطيئة خلال النهار المقبِل، حاول فيما الوقت صباح، أن تفكّر في كل ما قد يحدث لك خلال النهار. حاول أن تتفحص ما أنت مقبل على عمله ومع مَن سوف تمضي وقتك. ما هي أسباب الخطيئة التي قد تواجهها؟ متى وأين؟ ما هي إمكانيات الخير التي قد تصادفها؟ متى وأين؟ أليس بعض الميول، مثلاً بسبب زهوك أو كبريائك أو غضبك أو غيره؟ بعد أن تفحص كلّ شيء بهذه الطريقة حاول مجدداً أن تفكّر في كيف تكون قادراً عل عبور هذا النهار بكامله من دون خطيئة، كيف تتعامل بلا عيب مع هذا الشخص أو ذاك، كيف تستفيد من كل فرص الخير التي قد تسنح لك، كيف السبيل لتجنّب مختلف فرص الخطيئة ورغباتها، وفي حال انعدام إمكانية تجنبها كيف تتصرّف من دون أذى مع هذه الظروف والتجارب.
مثلاً، إذا كنتَ ترى أنك سوف تمضي وقتاً في العمل مع شخص سيء الطباع، عليك إذاً أن تحاول مسبقاً التفكير في كيف تتصرّف في حضوره بشكل حليم ومهذّب حتى لا تثير غضبه مطلقاً بل تبقى في سلام معه. من دون هذا الإعداد لأنفسنا ضد الخطيئة، يستحيل، أو أقلّه يصعب جداً، أن نحمي ذواتنا من الخطيئة وأن نتبع تعليم الرب من دون تعثّر. إن الذي لا يتّخذ في كل صباح قراراً صارماً ولا يبذل جهداً ليصون ذاته من الخطيئة خلال النهار المقبِل، لا يحفظ نفسه من الخطيئة بشكل متقَن، وشيئاً فشيئاً يتخلّى ليس فقط عن الجهاد بل حتّى عن الرغبة، لا بل عن مجرد التفكير، بواجب حفظ الذات من الخطيئة. إذا لم يُصَن فتيل القنديل، بل في كل مرة يتدفّق الزيت إلى القنديل، فلن يستمرّ بالاشتعال وسوف ينطفئ. أيها الصَديق، لا تنسَ هذا الاستعداد لمواجهة الخطيئة، فهو ضروري كل صباح. عندما تحاول فعلاً أن تصون نفسك من كل خطيئة وأن تسلك في حياة مرضية لله ومقدسة، فسريعاً ترى بنفسك أهمية هذا الاستعداد ونتائجه المفيدة.

8. حتى تكون قادراً على أن تسلك في حياة القداسة بسهولة وأمان أكبر، صلِّ إلى الرب الإله أن يباركك بمنحك وعياً ثابتاً وغيرة لتلافي فرص الإثم، وخاصةً الخطيئة التي تميل إليها أكثر من غيرها بطبيعتك أو بالعادة. إن هكذا خطيئة تدفع كلاً منّا إلى إشباع رغبتها، وكلّنا الذين لسنا مكرَّسين بالكليّة لله نقضيها طوعياً، ومتى واجهنا عوائق أمام قضاء هذه الخطيئة نسعى بكل قوتنا لإزاحة هذه العوائق وإلى شقّ الطريق حتى تكون تتم هذه الخطيئة بدون عوائق وبدون تأخير إن أمكن.
صعب جداً لشخص أن يحمي نفسه من هكذا خطيئة فيما عدونا العتيق الأيام يهاجمنا، بتغطرس وبغير تردد، غالباً ليس من لا مكان بل من جهة خطيئتنا المعتادة المفضّلة. صلِّ من كل نفسك.

9. بعد أن تتفحّص وتفكّر في كل ما هو ضروري لحماية نفسك من الخطيئة ولتركيز نفسك في الحياة المرضية لله، صلِّ أيضاً بكل قلبك إلى الرب الإله ليشدّد إرادتك وقواك ولا يسمح لك بأن تضعف كما سبق وضعفت غالباً. من دون هذه الطلبات المعبّر عنها بهذه الصلوات أو بتلك، لا تتورط في أي يوم بأي أمر، لأي سبب إلا ما هو خارج كلياً عن سيطرتك. كيف نستطيع أن نعالج أي أمر من غير بركة الله؟ فمن دون بركة الله كل أعمالنا تافهة. لكن بركة الله، مثل كل نعمه، تُكتَسَب بالصلاة فقط (يعقوب 17:1). صحيح أن الله في صلاحه غير المتناهي يعطي النجاح أحياناً لأشخاص لا يصلّون أو حتى لغير الأتقياء. لا تهتمّ لذلك. عندما تأتي هذه الفكرة إلى رأسك فكّر مباشرة بالمصير الرهيب الذي بلغه الغني الذي قال عنه الإنجيل أنّه أحبّ أن يتنعّم كل يوم (لوقا 19:16-32).
كان ناجحاً في كل شيء في حياته، لم يحسّ بأدنى حاجة، وكانت له كل وسائل إشباع رغباته الحسية وقد أرضاها بشكل كامل. لكن هذه الطريقة من الحياة، بعد موته، أغرقته في عذابات الجحيم. وعندما التمس من إبراهيم بشكل بائس، كونه تعذّب بشكل مريع في اللهيب، أن يريحه من عذاباته، رُفض. والرفض كان لأن على السعيد في هذا العالم أن يتذكّر كل دقيقة بعويل: “يَا ابْنِي، اذْكُرْ أَنَّكَ اسْتَوْفَيْتَ خَيْرَاتِكَ فِي حَيَاتِكَ، وَكَذلِكَ لِعَازَرُ الْبَلاَيَا. وَالآنَ هُوَ يَتَعَزَّى وَأَنْتَ تَتَعَذَّبُ.” (لوقا 25:16).

10. على المرء أن يصلّي هكذا خاصةً في الصباح، وعليه أن يتخّذ هذا القرار وهذه التدابير الحكيمة في الصباح. ليس من وقت أنسب للصلاة ولكل التعهدات الحسنة مثل الصباح، لأن الإنسان لا يكون أكثر قدرة على الصلاة وعلى الاهتمام بالأعمال وعلى التفكير كما في الصباح. ففي الصباح تكون أفكاره أقل ضيقاً وقلبه أكثر نقاوة وبمقدوره أن يحتوي نفسه بسهولة أكبر من أي وقت آخر. في الصباح لا تزعجنا ضرورات الحياة وتكون الأهواء ما زالت نائمة وطبيعة ما حولنا تضعنا في حالة رصينة تأملية.
مع عبور الصباح تستيقظ الأهواء وتتحرّك الحاجات اليومية الاهتمامات ويبدأ الإنسان بالعمل والكدح مثل عبد عليه دائماً أن يأكل خبزه بعرق جبينه. أيها الصديق، اقضِ الصباح في الصلاة وفي الرعاية التقيّة لحياتك. في صباح كل يوم، ضعْ لهذا اليوم هدفاً عالياً. كن حكيماً لأن روح الله تصوّر سلوك الإنسان على هذا المنوال: باكراً يعطي قلبه ملجأ في الله الذي خلقه ويصلّي أمام العليّ.

11. بعد الصلاة على هذا المنوال، اجلس بورع أمام الرب الإله بدون استعجال وتفكّر بشكل كامل في كيف سوف تسلك خلال اليوم المقبل في ما يتعلّق بالرب الإله وبجيرانك وبموقعك الخاص في العالم. وإذا منعك شيء ما عن القيام بهذا التأمّل في بعض الصباحات، فقُمْ به في أي حال صباح كل أحد أو كل يوم مقدّس. إن جسدنا المجروح بالخطيئة الأصلية يلامس عدوَنا العتيق الأيام، أي الشيطان، ومعه يحاول باستمرار أن يمحو واجباتنا المسيحية من ذاكرتنا ليعيد إحياء مختلف قوانين العالم وفي الوقت نفسه، أو حتّى قبل ذلك، ينشّط مختلف وسائل إرضاء شهواته.
لا تنصِت إلى هؤلاء المعلمين المهلكين وحاول بشتّى الطرق أن تذكِّر نفسك بواجباتنا الروحية التي وضعها علينا الرب الإله، ومرة أخرى ثبّت القرار بأن تقوم بها بدقة أكبر واتّقان.

Leave a comment