النسك، أمّ القداسة

النسك، أمّ القداسة

الميتروبوليت سيرافيم كاستوريا

نقلتها إلى العربية شيم حموي

إن إحسان الله على البشر يجعلنا مستحقين من جديد هذه السنة لنعبر فترة التريودي المقدسة وبنعمته ورحمته اللامحدودة سوف ندخل في الصوم العظيم خلال عدة أيام.

دعوني أذكّركم مرة أخرى كما أذكّر نفسي أيضاً بأنّ ما تقدمه الكنيسة هو في تضادٍ مع العالم المعاصر ومع المجتمع الاستهلاكي. إنّه النسك.

إنه يدعى أيضاً أمّ القداسة، لجامَ الأمور التي تسبب الموت الروحي، نظاماً لأعضاء الجسد، كما أنه إزالة لقذارة طعم الشجرة (شجرة المعرفة) بحسب تعبير القديس غريغوريوس اللاهوتي، الذي يكتب مملوءاً بالتقدير [1]:

هيا إذاً فلتنكروا ذواتكم ولتسكبوا حياتكم القديمة الآن في جدّة الحياة مخضعين كل ما يؤدي إلى الموت الروحي، مؤدبين شخصكم بكامله متقيئين كل لقمة قذرة من الشجرة، وكذلك متذكرين طرقكم القديمة لهدف وحيد هو تجنبها. الثمرة التي حملت إلي الموت كانت محببة للعين وشهية للمأكل ولكن فلنبتعد عن الجاذبية الخارجية ونوجّه نظرنا نحو ذواتنا الداخلية.

لا تدعوا الرغبة بالجمال تأخذ أفضل ما لديكم وتجعلكم عبيداً لعينيكم، ولا حتّى باختلاس نظرة سريعة ماكرة، بل تذكروا حواء وتلك الرغبة الفائقة الحلاوة لكن السامّة. كيف يمكن لرجل هالك بتلك التي هي خاصته أن يجد خلاصاً سهلاً في غيرها؟ لا يستسغ حلقك تناول كل ما هو في متناول يديك: لذة جذابة في البداية ولكن ما إن تُستهلك حتى تُلفظ.

أتعثرك حاسة الشم؟ اسعَ إذاً إلى تجنب الروائح العطرة! أتضنيك حاسة اللمس؟ تخلَّ عن الأشياء الناعمة والأنيقة! أتحتال أذنك عليك؟ أوصد الباب في وجه الكلمات الحاذقة المضللة! اسعَ إلى فتح فمك من أجل كلمة الله التي قد ترسمها بالروح ولا تُمْتَص بالموت.

في أي مرة يغريك شيء محرَّم تذكّر ما كنت عليه وكيف قاربت أن تضيع. فإذا حدث وانحرفت بطريقة ما عن الصواب حاول أن تستعيد حواسك قبل أن تعبر نهائياً بعيداً عن المرسى وتُرمى في الموت؟ واستبدل إنسانك القديم بإنسانك الجديد واستدِر للاحتفال بتكريس روحك.

اجعل الحيّة موضوع حنقك الوحيد لأنها هي التي سببت سقوطك. دعْ كل طموحك مكرساً لله وليس لأي مخادع أو غاية مغوية. دعْ العقل يترأس على كل شيء ولا تسمح لجزئك الأفضل أن ينحرف نحو الأسوأ. لا تبغض أخاك دون أن تنتظر ربحاً لأن من أجله مات المسيح وصار أخاً لك، مع أنه هو الله الرب.

لا تحسد الورعين انت يا مَن بذاتك وقعت ضحية للحسد وأُغْوِيْتَ بالاستسلام له ولهذا سقطت. لا تخجل من أن تبكي أنت يا مَن احتملت المعاناة التي تستحق دموعاً كثيرة ومن ثمّ تلقيت الرحمة. لا تعرض عن المحتاجين انت يا مَن مُنحتَ ثروة الألوهية، وإلا أقلّه لا تصبح غنياً على حسابه، وهذا طلب كثير من الأناني والجشع.

لا تحتقر الغريب لأن من أجله صار الرب، الذي نحن غرباء ومتغرّبون له جميعنا، غريباً على الأرض؛ وإلا سوف تُغَرّب عن الفردوس كما كنت في السابق. شارك طعامك وملابسك وملجأك مع المحتاجين، أنت يا مَن تمتلك أكثر من حاجتك وتتمرغ في ما تملك. لا تعشق ثروة إلا إذا كانت نافعة للفقراء. أظهر الرحمة التي قد أُظهِرَت لك. أحفظْ اللطف لنفسك بإظهاره نحو الآخرين عندما تسنح الفرصة. اجعل كل طريقك في الحياة وكل وجودك مكرسَين من أجلك“. [2]

وقد عبر القديس يوحنا الذهبي الفم عن نفس المفهوم بقوله:

حرر نفسك من العبودية أولاً، واكسب من بعدها لا كعبد من بعد بل كسيد. احتقر الثروات فتصير غنياً. ازدرِ بالمجد فتصير ممجداً. ارفض الانتقام لنفسك من أعدائك وسوف يتحقق لك لاحقاً. تخلَّ عن الراحة وسوف تحصل عليها فيما بعد، لا كَسَجين او عبد بل كرجل حر. كما في حالة الأطفال الصغار عندما يطلب الطفل الألعاب بلهفةٍ، كالكرة على سبيل المثال وغيرها من مثل هذه، نخفيها عنه بحرص كبير، حتى لا يكون ممنوعاً عن الأشياء الضرورية؛ ولكن عندما يصبح تفكيره بها أقل ولا يتوق إليها بعد عندها نقدمها له بلا خوف، عالمين بأن من ثمّ لن يأتيه أي أذى منها، وأن الرغبة لم تعد تملك من القوة ما يبعده عن الأشياء الضرورية. هكذا الله أيضاً، عندما يرى أننا لم نعد نطلب أشياء العالم برغبة، يتيحها لنا, لأننا عندها نمتلكها كرجال وأحرار لا كأولاد“.[3]

بالنسك نبلغ الحرية الروحية، وبالإضافة، نسلك برؤية ملكوت الله. إن نصائح الآباء المتوشحين بالله تنطبق الآن علينا جميعاً وخاصة رعاة الكنيسة: “أعطِ دماً وخُذْ روحاًما يعني أنّ علينا أن نجاهد في جهاد النسك لنتمتع بغنى نعمة الله.

في النهاية كيف لنا ان نتكلم عن النسك إذا كنا نزدريه؟ أو كيف نستطيع التكلم عن الطيبة(لدماثة)ss يف نستطيع التكلم عن (د غذا كنا نزدريه؟ أو كيف نستطيع التكلم عن (الدماثة) أو روح حب المال لتتلقى الروحوهذا يعني أنه أو روح حب المال والكسل والفضول وحب الرئاسة والكلام البطال، بحسب أروع صلوات الصوم الكبير صلاة القديس إفرام السرياني (أيها الرب وسيد حياتي….) إن لم نمتثل لتعاليم الكنيسة الحكيمة التي فيها شفاء جراحنا وأهوائنا.

إن الوقت مناسب إذاً لنتعامل مع النسك بجدية وبشكل لائق، لنقدمه ونعلمه لأناسنا المبارَكين مهيئين إياهم للصوم العظيم المقدس، حتّى يتمتعوا بمعاينة الله في ليلة القيامة.

يقول القديس غريغوريوس اللاهوتي: “أي شخص ينظر إلى أعلى ويخلط الجسد مع الروح، يكون المسيح دليله الودود في الحياة كل الذين يهبون كل أرضهم، لسانهم، آذانهم، وحتى عقولهم وقوتهم للحياة الآتيةويجلبون إلى مستودعاتهم أشياء فوق الدنيوية بكثير، فسوف يرون بعيونهم ملكوت الله وسوف يصبحون روحاًهذه هي نهاية حياة الموت. إلى هذا يرفعنا ذلّ آلام المسيح“. [4]

1. Oration 44, “On New Sunday”.

2. Ibid.

3. Homily 25, On Hebrews.

4. Poem 45, “Lamentation on the Passions of his Soul”.