السجدات – الأب جون بريك

السَّجدات

الأب جون بريك

إعداد الأب نقولا مالك

 

تَشغَلُ المطانيّاتُ حَيِّزًا هامًّا في مُمارَسَتِنا الصَّلاتِيّة، الفَردِيَّةِ مِنها وَالجَماعِيّة، لا سِيّما في فترةِ الصَّومِ الكبير. فما الدّاعي لذلك؟ هل هي إرثٌ غريبٌ مصدرُه الرّوحانيّةُ الرّهبانيّةُ التقليديّةُ ذاتُ النّظامِ النُّسكيِّ الصارم؟ أم هل هي تدريبٌ ذو قيمةٍ خاصَّةٍ لِكُلِّ مَن يَرغَبُ في الدُّخولِ جدّيًّا، وَبِالعُمق، إلى الحياةِ في المسيح؟ بكلامٍ آخَر، هل هي تمرينٌ خاصٌّ ذُو مردودٍ إيجابيٍّ على الصحّةِ الجسديّة، كَنَوعٍ مِنَ اليوغا المسيحيّة؟ أم أنّها تمرينٌ مادّيٌّ – روحيٌّ، يَعملُ على تغييرِ حياتِنا عمليًّا وَبِشَكلٍ إيجابيّ؟
إِنَّهُ لَمِنَ المألُوفِ لَدَينا أنْ نَرى المُسلِمِينَ يَسجدونَ في صَلَواتِهِم اليوميّة، إلاّ أنَّ كَثِيرِينَ مِنّا لا يَعلَمُونَ أنّ المسيحيّينَ الأرثوذكس ينبغي أن يَسجدوا بالطريقةِ نفسِها: الرُّكُوع، وَحَنْي الرّأس إلى مُلامَسة الأرض. فلماذا نَفعلُ ذلك؟
جوابٌ لطيفٌ على هذا السّؤال نَجدُهُ في كتابات ثيوليبتوس الهُدُوئيّ أسقفِ فلادلفيا في القرن الرّابع عشر، في تَوجيهِه لأبنائه الرّوحيّين: “لا تُهمِلُوا المطانيّات، لأنّها تُعطي صُورةً عن سُقُوطِ الإنسانِ في الخطيئة، وتُعَبِّرُ عَنِ اعتِرافِنا بِكَونِنا خطأة. أمّا النُّهُوضُ مِنَ السَّجْدَةِ فَيَرمزُ إلى التَّوبةِ والتَّعَهُّدِ بِسُلُوكِ حياةِ الفضيلة. فَلْتَكُنْ كُلُّ سَجدةٍ مصحوبةً بِتَوَسُّلٍ فكريٍّ إلى المسيح، لكي ننالَ بِسُجُودِنا أمامَ الرَّبِّ بالرُّوحِ والجسد، نِعمةَ إلهِ الأرواحِ والأجساد. لِنَقُلْ معَ كُلِّ سَجدة: يا رَبِّي يسوع المسيح ابن الله ارحمني أنا الخاطئ”.
في هذا السِّياق، علينا أن نقرأ ما يكتبُه القدّيس يعقوب أخو الرّبّ في الأصحاح الأوّل من رسالتِه: “فما الفائدةُ يا إخوَتي إنْ قالَ أحدٌ إنَّ لَهُ إيمانًا وَليسَ لَهُ أعمال؟ هل يَقدرُ الإيمانُ أنْ يُخَلِّصَهُ؟ أَرِني إيمانَكَ مِن دُونِ أعمال، وأنا أُرِيكَ إيماني مِن خلالِ أعمالي… لأنَّهُ كما انَّ الجسدَ مِن دُونِ الرُّوحِ ميت، هكذا الإيمانُ مِن دون أعمالٍ ميت”.
يُعَلِّمُنا الآباءُ القدّيسون أنّ الحركاتِ التَّقَوِيّةَ المُشارَ إليها ليست بِأَيِّ شَكلٍ مِنَ الأشكالِ غاياتٍ بِحَدِّ ذاتِها، بل هي تَلعبُ دورًا في توجيهِنا إلى المسيح الّذي وحدَهُ يَشفي انكِسارَنا، ويَصفَحُ عن زلاّتِنا، وَيَجلبُنا إلى الشّركةِ الأبديّة مع الله ومع بعضِنا البعض.
هذه المُمارَساتُ التَّقَوِيَّةُ، لا سيّما في فترةِ الصّومِ الكبير، تكونُ مفيدةً وضروريّةً إذا دخَلْنا بشكلٍ كاملٍ في روحِ الصّوم، وَسَمَحنا للرّوحِ القدس نفسِه أن يعملَ فينا بِقُوَّتِهِ الّتي تُغَيِّرُ حياتَنا. إلاّ انَّ هذه الممارسات لا يمكنُها مطلقًا أن تكونَ كافيةً بحدّ ذاتِها. إحدى أهدافِها الأساسيّةِ أن تَقُودَنا إلى أعمالِ العدلِ والرَّحمةِ تجاهَ مَن حَولَنا. فعلَينا أن نعملَ هذه ولا نُهمِلَ تلك.

Leave a comment