إنهاء العزلة والوحدة

إنهاء العزلة والوحدة

الأب الرئيس تريفن

نقلها إلى العربية بتصرّف الأب أنطوان ملكي

في زمن لم تعد العائلات تتناول الغداء معاً والأولاد يحضرون التلفاز ويلعبون ألعاب الكومبيوتر ويرسلون رسائل نصية إلى أصدقائهم من غرف النوم، ونرى البالغين يسيرون في مدننا يستعملون هواتفهم المحمولة. في وقت في تاريخنا حيث يمكن أن يكون الناس في المقهى مع أصدقائهم، لكن في الوقت نفسه يتحدّثون إلى شخص آخر بهواتفهم النقالة، كل هذا يعني أننا صرنا أناساً يعيشون معاً إنما في عزلة.

حتى في حياتنا الروحية، نحن ننحو إلى العيش في عزلة. الكثيرون يخصصون صلواتهم لأمور محورها الشؤون المالية، أو الصحة، أو أحد أفراد العائلة. لكن هؤلاء نادراً ما يفكّرون بأهمية الصلاة الجماعية مع العائلة والأصدقاء، خارج قداس الأحد. الصلاة شأن خاص، نادراً ما تتمّ مشاركتها مع الآخرين

أيضاً، لقد احتل الترفيه مكانة مركزية في حياتنا، إلى درجة أنه حلّ مكان زيارة الجيران والأصدقاء. أنا متقدم في العمر إلى درجة أنني أذكر أيام كانت تملأ الأحياء بيوتٌ ذات شرفات أمامية واسعة. وفي ليالي الصيف الحارّة كانت العائلات تجلس على هذه الشرفات ترتشف الليموناضة وتلوّح بالأيدي للجيران الذين يمرّون بهم متمشّين. اليوم صار عندنا مكيّفات وحلّ الفناء الخلفي مكان الشرفات الأمامية، حيث لا أحد يرانا. لقد مضت أيام الجيرة الحسنة.

الكنيسة هي جسد المسيح وليست أبداً من طبيعتها أن تكون مكاناً ينعزل فيه الناس عن بعضهم. نحن نحوّلها إلى هذا المكان عندما نفشل في أن ننخرط فيها كشعب الله واحدنا مع الآخر. إن أشكال التحية التي نعتمدها كأرثوذكسيين، سواء في القبلة الأخوية التي نلاقي بها بعضنا، أو بتقبيل يد الكاهن، هي طرق بها نتلافى الانعزال الذي يسيطر على المجتمع الذي نعيش فيه. إن البقاء لفنجان قهوة أو لمائدة المحبة بعد القداس الإلهي هي طرق نجابه فيها الانعزال المسيطر على ما تبقّى من العالم. حضور الصلوات خلال الأسبوع هو أيضاً طريقة أخرى لصدّ الانعزال.

يحتاج شبابنا للتعلّم منّا حول أهمية التواصل مباشرة مع أصدقائهم وعائلاتهم. إن أخذ الأولاد في رحلة ريفية بعد ظهر الأحد هي طريقة رائعة لإعادة تواصل العائلات. إخراج الجدّة من فناء البيت إلى حديقة عامة في نزهة (picnic) هي طريقة جميلة ومن الطراز القديم لتقديم الجماعة إلى الأطفال. تركُهم يلعبون مع أبناء الأقرباء في حديقة عامة عندما تجتمع العائلة الموسّعة للنزهة يمكن أن يبني أواصر العائلة التي تستمر طوال العمر.

متى كانت آخر مرة تحلّقنا حول أحد شيوخ العائلة وسألناه أن يروي لنا ذكريات الشباب؟ إنها لطريقة رائعة لإعادة تواصل جدّ متقدم في العمر مع شبابه وإظهار تقديرنا لخبرة حياته وذكريات أهله وأجداده. إنه لَتراث لا يُقَدّر ننقله إلى أبنائنا عندما نجعلهم يعرفون أنهم لم يُولَدوا في خلاء بل هم جزء من سلسلة طويلة من البشر الحقيقيين.

إن الانعزال هو تهديد رهيب لطريقة حياتنا. لقد فقد شبابنا المهارات التواصلية التي تعلّمتها الأجيال السابقة من أفراد العائلة الأكبر. أنا أنذهل عندما أفكّر في حجم تأثير جدّيّ على ما أنا عليه الآن. ما أورثاه لي ليس الجينات وحسب بل ذكريات من تاريخ العائلة انقضت قبل ولادتي بوقت طويل. حتى أجزاء من شخصيتي تشكّلت من جدّي الرائع. دراستي، المملوءة بالصور والأيقونات والتذكارات هي نمط تبنيّتُه لأنني أحببت البعثرة والدفء في بيت جديّ.

ليس من الضرورة أن يكون الانعزال جزءً من عالمنا. كل ما يتطلبه الأمر هو التزام منا ببناء عائلة وجماعة. عندما يزور الناس ديرَنا نطلب منهم أن يغلقوا هواتفهم حتى نرمي الانعزال خلفنا ونتواصل كعائلة وأبناء العليّ. أي روعة سوف تكون لو أن كل عائلة تخصص يومياً ساعتين يُطفأ خلالها هاتف المنزل والهواتف المحمولة والتلفاز وكل الاندساسات الخارجية. ماذا عن لعبة منزلية معاً أو تركيب أحجية؟ ومن ثم ختم المساء مع العائلة كلها واقفين أمام زاوية الأيقونات لصلاة النوم؟