المال بين المسيحي والمسيح

المال بين المسيحي والمسيح

الأب أنطوان ملكي

إحدى غايات هذا النص الإنجيلي هي أن يقول لنا أن ارتباط القلب بثروة هذا العالم يحرمنا من العبور مع السيد من الباب الضيّق. فالغنى في ذاته، كأي شيء آخر، ليس شرًا، إنما عندما تتعلّق به النفس يبعدها عن مخلصها. قد يكون الشاب الغني قد أحسّ بالجوع والعطش إلى الحياة الأبدية فعلاً، فركض ليسأل السيّد أيها المعلم الصالح ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟في جوابه، السيد لم ينفِ عن نفسه الصلاح لأنه أصلاً هو دعا نفسه الراعي الصالح في مكان آخر، لكنه رفض التفخيم الذي اعتاد اليهود أن يستعملوه. فبحسب القديس أمبروسيوس أن الشاب كان يقصد الصلاح الجزئي لا المطلَق، أي صلاح الإنسان لا صلاح الله، لأنه لا يعترف بأن السيّد هو الله.

السيّد وجّه الشاب نحو الوصية الإلهية كمصدر للتمتع بالحياة الأبدية. يقول القديس مرقس الناسك أن السيد المسيح نفسه يختفي في الوصية، فمَن يمارسها عمليًا يكشفه داخلها. بمعنى آخر إن كانت الحياة الأبدية هي التمتّع بالمسيح أي الحياةعينها، فإننا نلتقي به عمليًا متى آمنّا به خلال دخولنا إلى أعماق الوصية لنجد أنه هو سّر تقديسنا ونقاوتنا وحياتنا. لكن الوصية لا تقف عند ما قدّمه موسى. بل تكتمل بالصليب. لهذا قدم السيد للشاب الوصيةَ التي توصله إلى الكمال: “اذهب بعْ كلّ مالك، وأعطِ الفقراء، فيكون لك كنز في السماء. وتعال اتبعني حاملًا الصليب“.

هذه الوصية الإلهية أوقفت الشاب لأن محبته للمال تحرمه من اتّباع المسيح، لأنها تربطه بالتراب. تراجُع الشاب سبّب الألم للمسيح الذي رأى إنساناً بدل أن يستعمل المال استُعبد له، لهذا عبّر واصفاً صعوبة دخول ذوي الأموال إلى ملكوت الله معتبراً مرور الجمل من ثقب إبرة أكثر يسراً. لقد كشف السيد أن العيب ليس في الغنى إنما في القلب المتكل على المال. في التفسير الرمزي أن الجمل يشير إلى الأمم فيما ثقب الإبرة يشير إلى الطريق الضيق، لهذا معنى قول السيد هو أن دخول الأمم أيسر من دخول الأمة اليهودية، وهي الغنية بالناموس والآباء والأنبياء والوعود. لكن الرب لا يترك مَن يريد أن يتعلّم لليأس لذا يؤكّد أن ما يعجز الناس عنه يستطيعه الله. فهو يحوّل الغنى إلى خير.

لماذا تقرأ الكنيسة هذه الحادثة في الأحد الثالث عشر من لوقا، أي حوالي بداية صوم الميلاد. لأنها تريد أن تقول لنا أن الاستعداد للميلاد يكون بالتواضع لا بالغنى، وبعَمَل المحبة لا بادخار المال. هذا الترتيب وضعته الكنيسة منذ زمن طويل وهو يدلّ على وجهها النبوي، وكأنها عرفت منذ البداية أنه سوف يأتي يوم تقع فترة الاستعداد للميلاد تحت سلطة بابا نويل وجشع أصحاب المحلات والأسواق الذين يحوّلونها إلى معارض للإغراءات تطحن الفقراء، كما وانشغال المسيحيين بالتحضير للعيد وحفلاته ومعارضه، بشكل يُفرِغ العيد من كل معانيه السماوية والأرضية.

إن هذه القراءة تقول لنا بأن لا يكونن المال حاجزاً بين المسيحي ومسيحه. مَن معه فليوزّع ويتبع المسيح.

* عظة حول الأحد الثالث عشر من لوقا، لوقا 18: 18-27.