هل من نعمة خارج الكنيسة؟

هل من نعمة خارج الكنيسة؟

المتقدم في الكهنة جورج كوستاندبولوس

نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي

هل أعضاء الكنيسة هم الوحيدون الذين يتقبّلون نعمة الله أم ممكن أن يكون هناك نعمة خارج الكنيسة؟ هل المسيحيون الأرثوذكس فقط هم الذين يخلصون؟ قبل أن نعالج هذه الأسئلة فلنشرح بإيجاز ما هي النعمة. “النعمة هي الطاقة الإلهية غير المخلوقة أو قوة الثالوث الأقدس المعطاة لنا من الله الآب عِبر الله الابن بالله الروح القدس“. الثالوث القدّوس يعمل دائمًا في الخلق بعمل مشترك. بدون نعمة الله لا يوجد خلاص، ولا حياة روحية، ولا حياة أبدية. على الرغم من أن النعمة بسيطة وواحدة، إلا أنها تمنح هبات مختلفة للذين يشتركون فيها، وهذا يتوقف على حاجة كل واحد منهم، وعلى درجة تقبّل الإنسان لها. إننا نشارك بنعمة الله بشكل أساسي، وإن لم يكن حصريًا، من خلال الأسرار المقدسة، خاصة من خلال المعمودية والمناولة المقدسة، ومن خلال الحياة النسكية وفي المقام الأول الصلاة.

النعمة هي هبة الله للإنسان، وتشمل الوجود والحياة والعقل والخلاص. بحسب تعليم القديس غريغوريوس بالاماس، الخليقة بأكملها تشترك في قوى الله المقدسة. كل شيء يشارك في قوة الله الخلاقة (الكائنات الجامدة). بعض الكائنات تشارك أيضا في قوى الله المحرِّكة (الكائنات الحية). وعلاوة على ذلك، بعض الكائنات تشارك في قوى الله التي تمنح العقل (كائنات ذكية، بشر وملائكة). أخيراً لا أحد من الملائكة غير الذين احتفظوا برتبتهم، ولا أحد بين البشر غير الذين عادوا إلى الكرامة الفائقة للطبيعة الممنوحة من العلى إلى الكائنات العقلية، يشاركون أيضاً في قوة الله ونعمته” (القديسون والملائكة). هذه النعمة الأخيرة هي النعمة التي نتحدث عنها هنا. هل توجد هذه النعمة المخلِّصة المقدِسة والمؤلِّهة خارج الكنيسة؟

بحسب تعاليم الكنيسة الأرثوذكسية، نحصل على نعمة الله فقط في الكنيسة، إذ خارج الكنيسة التي هي جسد المسيح، لا توجد النعمة المقدِّسة، النعمة التي من خلالها نحصل على الخلاص أو الاتحاد مع الله والتي توجد فقط في تابوت الخلاص، الكنيسة المقدَّسة، جسد المسيح الإلهى البشري، لأن المسيح هو مخلصنا وخلاصنا. لقد عبّر القديس كبريانوس القرطاجي عن موقف الكنيسة بشكل قاطع: “لا خلاص خارج الكنيسة (Extra ecclesiam nulla sulus)”.

هل كل الذين هم خارج الكنيسة ملعونون؟ أبداً. في محاولتهم شرح كيف يكون هذا الأمر ممكناً، يعطي بعض اللاهوتيين جواباً يتضارب مع الإيمان بوحدانية الكنيسة وفرادتها وهو أمر ذو نتائج مدمّرة.

وقد عبّر القديس أثناسيوس الكبير عن الموقف الأرثوذكسي في شرحه لماذا الله لم يخلّص الإنسان من خلال أمر أو عمل إرادة، فيقول إنه لم يتصرف بهذه الطريقة لأنه وإن كان سيُثبِت قوته، فإن الإنسان كان سيصير كما كان آدم قبل السقوط. “كان من الممكن إن النعمة التي سيتلقاها ستكون خارجية وغير مندمجة في جسمه“. هذا التمييز بين الخارجي والداخلي، هو المفتاح لفهم كيف يمكن أن يكون الخلاص خارج الكنيسة. يقدّم القديس ذياذوخوس أسقف فوتيكي (القرن الخامس)، استناداً إلى القديس أثناسيوس، شرحًا أكثر مباشرة: “قبل المعمودية، تشجّع النعمة النفس نحو البِرّ من الخارج، بينما الشيطان يتربّص في قعرها، محاولاً صدّ كل طرق العقل للاقتراب من الإلهي. ولكن من لحظة إعادة ولادتنا بالمعمودية، يصير الشيطان خارجاً، والنعمة في الداخل. وهكذا، فيما قبل المعمودية يحكم الخطأُ النفسَ، فمن بعدها تحكمها الحقيقة“.

تقدم لنا هذه المصطلحات الحل الصحيح لهذه المشكلة الشائكة. تعمل النعمة من الداخل فقط داخل جسد المسيح أي الكنيسة الأرثوذكسية. يولد الإنسان روحياً من خلال المعمودية. تُزرَع النعمة وتنمو من خلال الأسرار المقدسة، ولا سيما المناولة المقدسة. إن غير المعمدين هم غير مولودين، لهذا لا تعمل النعمة فيهم من داخلهم. ولكن بقدر تلقّي الإنسان يمكنه أن يتفاعل مع نبضات الروح القدس الذي يعمل على كل الخليقة من خارج. “ما كان لموسى والذي أشرق على وجهه بعد محادثته مع الله، حتى لم يستطع الرجال رؤيته من السطوع، كان الرسل يلبسونه في روحهم باستمرار وبدرجة أكبر“.

في شرحه للآية (7: 39) من يوحنا، قَالَ هذَا عَنِ الرُّوحِ الَّذِي كَانَ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ، لأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ بَعْدُ، لأَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ قَدْ مُجِّدَ بَعْدُ.” يقول القديس سيرافيم ساروفسكي، أن هذا لا يعني أن روح الله لم يكن في العالم على الإطلاق، لكن وجوده لم يكن واضحًا كما في آدم أو فينا المسيحيين الأرثوذكس. لقد كان يظهر خارجياً فقط؛ ومع ذلك كانت علامات وجوده في العالم معروفة للبشريةنعمة الروح القدس التي كانت تعمل خارجياً تنعكس في كل أنبياء العهد القديم وقديسي إسرائيلوإن لم تكن بنفس القوة كما في شعب الله، إلا إن حضور روح الله عمل أيضاً في الوثنيين الذين لم يعرفوا الله الحقيقي، لأنه حتى بينهم وجد الله لنفسه أناساً مختارين.

في النهاية، يلخّص الاستاذ فيداس الموقف الأرثوذكسي من النعمة والخلاص خارج الكنيسة: “يعلّم التقليد الآبائي أن المسيح بمجمل عمله الخلاصي هو مصدر كل النعمة الإلهية، والروح القدس هو معطيها ومفعّل النعمة الإلهية هو المؤمن“. كما يضيف: “التقليد الأرثوذكسي، بقبوله أن الروح القدس هو معطي النعمة الإلهية التي تنبع من عمل المسيح الخلاصي، لا يعترف بفعالية النعمة الإلهية خارج الحدود القانونية للكنيسة الأرثوذكسية“.

(Source: The Heavenly Banquet)