الملاك الحارس في الكنيسة الأرثوذكسية

الملاك الحارس في الكنيسة الأرثوذكسية

الأب باتريك ريردون

نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي

 

يجد اعتقاد الكنيسة الأرثوذكسية بالملاك الحارس دعماً زاخراً في تحذير السيّد: “اُنْظُرُوا، لاَ تَحْتَقِرُوا أَحَدَ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ، لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلاَئِكَتَهُمْ فِي السَّمَاوَاتِ كُلَّ حِينٍ يَنْظُرُونَ وَجْهَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ” (متى 10:18). لوقا، في إشارة إلى ملاك بطرس، يشهد لهذا الاعتقاد بين مسيحيي القرون الأولى (أعمال 15:12). هذه الإشارات تشير إلى أنّ الملائكة الحارسين كانوا معروفين جيداً لدى قارئَي متى ولوقا، ولا تحتاج الفكرة لأي شرح.
ورثت الكنيسة في إيمانها أموراً عديدة من اليهودية، مثل الصلاة للموتى ودور الملاك الحارس. أعلن كاتب المزامير: “مَلاَكُ الرَّبِّ حَالٌّ حَوْلَ خَائِفِيهِ، وَيُنَجِّيهِمْ” (مزمور 7:34)، و”لأَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ لِكَيْ يَحْفَظُوكَ فِي كُلِّ طُرُقِكَ” (مزمور 11:91).
التصوير الأكثر وضوحاً لإيمان اليهود بالملاك الحارس موجود في كتاب طوبيا في السبعينية. إنه قصة عائلة يهودية منفية في ما بين النهرين خلال القرن الثامن قبل الميلاد، ولبّ القصة يتعلّق بالرحلة الطويلة التي يقوم بها الشاب طوبيا مرسَلاً من أبيه الأعمى طوبيت. في هذه الرواية، هدف طوبيا الأول من الرحلة هو تحصيل أحد الديون لكي يحفظ العائلة من العوز. وللقصة إضافات تغنيها وتتخطى هدفها بطرق مختلفة، ليس أقلّها إيجاد طوبيا لزوجة تقية.
قبل مباشرة طوبيا بالرحلة، زاره وأهله غريبٌ عَرَض أن يكون دليلاً له في الطريق، ونهاية القصة تحدّد هذا الغريب برافائيل “أحد الملائكة السبعة الواقفين والداخلين في حضرة مجد الرب” (طوبيا 15:12).
لا تتمّ هذه الرؤيا حتى نهاية الكتاب أي عند نهاية الرحلة. وهكذا، طوبيت وعائلته، مثل إبراهيم في تكوين 18، جدعون في الملوك 6، وأهل شمشون في الملوك 13، يستقبلون ملاكاً “وَهُمْ لاَ يَدْرُونَ” (عبرانيين 2:13). بالرغم من عدم معرفته لهوية رافائيل الحقيقية، فإن طوبيت يشير بسخرية مرتين إلى “ملاك صالح” سوف يرافق ابنه في الرحلة (16:5 و21). على المثال نفسه، عند انتهاء الرحلة، ولكن قبل أن يعرف هوية رافائيل، بارك طوبيت “ملائكة الله القديسين” (14:11). طوبيا سافر برفقة ملاك حتى من دون أن يعرفه.
الرحلة التي عَرَض رافائيل أن يقود طوبيا فيها، من نينوى إلى راجيس ميديا، كانت طويلة بكل معنى الكلمة، حوالي المئتي ميل وأغلبها في الجبال. مع هذا، في أقدم مخطوط موجود حالياً لكتاب طوبيت (المخطوط السينائي)، قد أدرجَت يد الناسخ ملاحظة بأن الرحلة كان تتطلب يومين فقط! إذا تذكرنا أن جيش الإسكندر السريع، بحسب بلوتارخوس، احتاج لعشرة أيام لاجتياز هذه المسافة، فلا بد أن تُفهَم منافع السفر مع رفيق من الملائكة. وقد جلبا معهما كلب العائلة، وهكذا نجد طوبيا مسافراً مع رفيق ملائكي ورفيق حيوان، يمثلان عالمَي الروح والحياة الجسدية، عالمَي الخبرة التي يسافر بها الإنسان في العالم.
… يخبرنا القديس إيرونيموس أنّه نقل كناب طوبيا من اليونانية إلى اللاتينية في ليلة واحدة… وهو قد رأى في رحلة طوبيا رمزاً لرحلة الإنسان في العالم، عودة إلى البيت الأبوي…
إن تعليم الإنجيل هو أننا لا نقوم بهذه الرحلة بمفردنا، بل يرافقنا “ملاك سلام، مرشد أمين، حافظ نفوسنا وأجسادنا”.

Leave a comment