رؤيا يوحنا

رؤيا يوحنا

الأستاذ كارافيذوبولوس

نقلها إلى العربية الميتروبوليت أفرام كرياكوس

 

1 – معلومات عامّة مميزة عن الكتاب:

سفر الرؤيا فريد من نوعه وهو آخر سفر في العهد الجديد. ينتمي إلى “الأدب الرؤيوي” كما نعرفه من كتاب دانيال ومن الرؤى اليهودية في القرون الأخيرة قبل المسيح والقرون الأولى بعده. بالرغم من الشبه بين الصور والتعابير في الرؤيا مع الرؤى اليهودية، يوجد فرق كبير من حيث المضمون. يحتلّ شكل المسيّا مكانةً صغيرة أو معدومة في النصوص اليهودية هذه بينما يسود من الأول إلى الأخير في سفر الرؤيا كسيّد للكنيسة مصلوب وقائم وكـَ”آتٍ” غالب القوات الشيطانية.وكذلك بدل التقديرات الزمنية الخيالية لنهاية العالم الموجودة في الرؤى اليهودية نجد في رؤيا يوحنا إيمان الكنيسة بالله الذي هو سيّد التاريخ يقوده إلى النهاية التي تقترب.
نجد مقاطع رؤيوية في أسفار أخرى من العهد الجديد. (مثلاً مر13، متى24، لوقا21، 1تسا 4: 13-8، 2تسا 2: 1-12، 1كور 15: 20-28 وغيرها) لكن في سفر الرؤيا يصل الرجاء ألى أوْجِه بأنّ وعد الرب سوف يتحقق فيما يختصّ بالأيام الأخيرة.

2 – الفحوى:

يشكّل فحوى الكتاب رؤيةً نقلها الرب يسوع في بطمس مع الوصية الواضحة بأن يدوّنها ويرسلها إلى كنائس آسيا الصغرى السبع أي إلى أفسس، أزمير، برغامس، ثياتيرا، ساردس، فيلادلفيا واللاذقية (1: 11)
تحتوي هذه الرؤيا على “ما هو كائن وما هو عتيد بأن يكون بعد هذا” (رؤيا1: 19) وأيضاً “على ما لا بدّ أن يكون” (1:1) ويطوّب “الذي يقرأ والذين يسمعون أقوال النبوة ويحفظون ما هو مكتوب فيها” (1: 3)

* الإصحاح الأول:

. المقدمة (1: 1-2)
. مدخل الى الرسالة (1: 4-8) (توجيه)
. رؤية الكاتب (1: 9-20)
وبقية الكتاب يمكن أن نقسّمه إلى سبعة أقسام وفقاً لهذا العدد المحبّب في السفر:

* الأصحاحات 2-3:

الرسائل إلى الكنائس السبع في آسيا الصغرى

*الإصحاحات من 4: 1 – 8: 1: الأختام السبعة

يرى النبي الله [1] جالساً على العرش السماوي محاطاً بـِ24 شيخاً [2] وعن يمين العرش يرى كتاباً يحتوي على المشيئات الإلهية “مختوماً بسبع خواتم” (رؤيا5: 1) الذي يستطيع المسيّا وحده [3] أن يفتحه هذا المسيّا الذي يظهر “كحمل مذبوح” (رؤيا5: 6). عندما يفتح الحمل الأختام الأربعة الأولى يظهر أربعة فوارس راكبين الأول على فرس أبيض (6: 2)، الثاني على فرس أشقر (6: 4)، الثالث على فرس أسود (6: 5)، الرابع على فرس أخضر (6: 7). هؤلاء الفوارس ينبئون الناس بكوارث.
عند فتح الختم الخامس يرى النبي تحت المذبح نفوس الشهداء المذبوحين الذين يصرخون بصوت عظيم: “حتى متى أيها السيّد القدّوس والحق لا تقضي وتنتقم لدمائنا من الساكنين على الأرض” (رؤيا6: 10) فأُجيبوا أن يستريحوا “زماناً يسيراً حتى يكمل العبيد رفقاؤهم وأخوتهم أيضاً العتيدون أن يُقتلوا مثلهم” (رؤيا6: 11).
أما فتح الختم السادس فيرافقه زلزال وظواهر سماوية رهيبة. وقبل فتح السابع يختم ملاك عبيد الله المؤمنين على جباههم الذين عددهم 144000 من أسباط إسرائيل الإثني عشر (رؤيا7: 4). “وجمع كثير لم يستطع أحد أن يعدّه من كل الأمم والقبائل والشعوب والألسنة” لا يصيبهم شيء من التجارب العظيمة الآتية (رؤيا7: 9-17). عند فتح الختم السابع “حدث سكوت في السماء نحو نصف ساعة” (رؤيا8: 1).

الأبواق السبعة (8: 2 -11: 19).

يبوّق سبعة ملائكة وكلّ واحد منهم بعد نفخه بالبوق ينبىء بتجربة كبيرة للناس الذين لم يتوبوا ولم يتخلّوا عن الوثنية وعن أعمالهم الشريرة (رؤيا8: 9). فيما يلي يقدَّم الكتاب إلى النبي (يوحنا الرائي) لكي يأكله، الكتاب الذي يحتوي على ضيقات جديدة. (رؤيا10). البوق السابع ينبىء بالنهاية بغلبة الله على القوى الشريرة (11: 14-19).

صراع المسيّا [4] مع القوات الشريرة. (12: 14).

إن محاولات التنين [5] ليخطف الولد التي تضعه المرأة وليلاحقها قد فشلت. (رؤيا12: 4).
– من جهة ثانية الحرب التي يشنها رئيس الملائكة ميخائيل في السماء تغلب التنين وترميه إلى الأرض حيث يُعذّب المؤمنون (رؤيا12: 7-9)
– بعد ذلك يخرج وحشٌ [6] من البحر (13: 1-10) ووحشٌ آخر من الأرض (13: 11-18) يضلاّن الناس. (راجع دانيال 7).
– لكن يظهر الحمل على جبل صهيون ويعلن غلبة الله النهائية (14: 1-5).

لأكواب السبعة (15-16)

سبعة ملائكة تسكب الأكواب (الجامات) السبعة على الأرض. كل كوب يحتوي على نوع من أنواع النكبات أو التجارب.

* غلبة المسيّا على الشيطان (17: 1 – 20: 6)

نجد وصفاً لسقوط بابل الزانية الفاسدة (17:17) – بها يُرمز إلى روما عاصمة الإمبراطورية الرومانية – وفشل الوحش والنبي الكذاب من قِبَل الفارس، الذي هو كلمة الله (رؤيا 19: 20)، الجالس على حصان أبيض (19: 11)، الذي يُربط الشيطان ويُقفل عليه في الجحيم لألف سنة يسود فيها مُلك المسيا. هذه المملكة هي صُوَرياً لألف سنة بسبب مرحليّتها الزمنية (رؤيا20: 1 – 6) [7].

* تجديد كل شيء في ملكوت الله (20: 7 – 22: 5)

بعد الألف سنة يظهر الشيطان من جديد على الأرض. لكنه يُلقى في النهاية في بحيرة النار (20: 10) ويلي ذلك الدينونة العامة (20: 11-15) وتظهر السماء الجديدة والأرض الجديدة وأورشليم الجديدة تنزل من السماء وتوصَف بأبّهة كبيرة كمسكن لله وللناس. في وسطها لا وجود للدموع، للحزن، للصراخ وللألم “والموت لا يكون فيما بعد” (رؤيا21: 1-4).

* في الخاتمة (22: 6-21)

يشدّد مرة أخرى على “أن الوقت قريب” (22: 10) وأنّ الرب “يأتي سريعاً” (22: 7و12). وينتهي الكتاب بصلاة الكنيسة “آمين تعالَ أيها الرب يسوع” (رؤيا22:20).

3 – تفسير الرؤيا

يلاحظ الأستاذ براتسيوتِس، في تفسيره لسفر الرؤيا صفحة 38: “أتساءل إن كان يوجد في تاريخ الأدب العالمي كتابٌ فُسّر وأُسيء تفسيرُه أكثر من كتاب الرؤيا!” في الواقع، كثرة الصور، كثرة الأعداد الرمزية، وبشكل عام طبيعة الكتاب تجعل تفسيرَه عسيراً. إن الأسئلة التي تشغل المفسّرين هي التالية:
-إلى أي عصر تُشير رؤى النبي؟
-هل الأختام السبعة (رؤيا6)، الأبواق السبعة (8-9) والأكواب السبعة (16) تنبىء بالشدائد (النكبات أو الكوارث) نفسِها بطريقة دائرية أم أنّ كلاً منها يبشّر بسلسلة شديدة من الشدائد؟
-مَن الذي يُقصد بالعدد الرمزي للوحش 666 في (رؤيا13: 18)؟
-ما هو معنى مُلك المسيح الألفي؟ (6)
هنا لا نستطيع أن ننجّر في مواضيع تفسيرية. سنورد فقط، بصورة عامة، أنواع التفاسير التي وردت:
أ – حسب التفسير “التاريخي” يشير الكاتب الشريف إلى أحداث من التاريخ العالمي “الذي سوف يكون” في الأزمان التي تقع بين عصره والمجيء الثاني للمسيح.
ب – حسب التفسير “الأسختولوجي” الأخروي، يشير إلى أحداث الأيام الأخيرة أي أيام الدينونة العامة.
ج – حسب التفسير “الكنسي التاريخي”، يحتوي كتاب الرؤيا على أحداث لها علاقة بتاريخ الكنيسة.
د – حسب التفسير “المعاصر”، يشير يوحنا إلى أحداث عصره (إضطهادات، شدائد الخ…).
هـ – حسب التفسير “الديني”، يُبحث في سفر الرؤيا عن تأثير الإعتقادات الدينية التابعة لشعوب أخرى.
و – حسب التفسير “المستيكي أو الروحي”، نفهم الكتاب كلّه بطريقة رمزية وروحية لأنه يشير إلى الحياة الروحية.
ز – حسب التفسير “الإختياري”، هناك ارتباط بين بعض التفاسير السابقة.

4 – الكاتب

يدعو مؤلف الكتاب نفسَه يوحنا (رؤيا1: 1و422: 8) “أخوكم وشريككم في الضيقة وفي ملكوت يسوع المسيح وصبره” (رؤيا1: 9). يشهد التقليد الكنسي القديم أن يوحنّا هذا هو تلميذ الرب المعروف من دائرة الإثني عشر. هكذا فإن مؤلف قانون موراتوري، وكذلك يوستينوس الشهيد، إيرنياوس، إقليموس الإسكندري، أوريجنس، ترتوليانوس، هيبولتس، وغيرهم ينسبون سفر الرؤيا إلى الرسول والإنجيلي يوحنا. فقط هراطقة القرن الثاني يرفضون إطلاق إسم يوحنا على كل أسفار يوحنا الإنجيلي، بينما الشيخ غايوس من رومية ينسب سفر الرؤيا إلى كيرنثو. في القرن الثالث، حارب ديونيسيوس الإسكندري فكرة تأليف سفر الرؤيا على يد يوحنا. وقد استند إلى لغات وأساليب وأفكار مختلفة واردة في الرؤيا وفي أعمال يوحنا الاخرى.
بالنسبة لأعمال يوحنا هذه، لا يملك سفر الرؤيا “أيّ عنصر مشترك معها تقريباً” ويقول “إن هذه الأعمال لا ينقصها شيء من اللهجة اليونانية كما قد كُتبت بأحكم الكلمات والتعابير والجمل… بينما جاء سفر الرؤيا فقيراً بالنسبة للغته اليونانية بالرغم من سموّ الرؤيا والمعرفة والنبوّة فيه هذا مع استعماله للتعابير البربرية والأخطاء اللغوية” إفسافيوس: التاريخ الكنسي (26-25:25).
إن ملاحظات ديونيسيوس الإسكندري هذه وردت من جديد عند المفسّرين الحديثين منهم اللاهوتيان اليونانيان N. Damalas ، Derbos اللذان ينسبان سفر الرؤيا إلى يوحنا الشيخ الوارد اسمه عند بابياس (3: 9) بينما ينسبه غيرهم إلى يوحنا المجهول. طبعاً لا يستطيع أحدٌ أن يغضّ النظر عن اللهجة المختلفة الحاصلة بين سفر الرؤيا وأعمال يوحنا الأخرى. ولكن من جهة أخرى لا يستطيع أحد أن ينكر الجو اللاهوتي المشترَك لصراع الله وغلبته على القوات الشيطانية، بالرغم من التعابير المختلفة والأوصاف المتباينة. وأيضاً فإن الشواذات اللغوية والتعبيرية الواردة في سفر الرؤيا يمكن تبريرها إنطلاقاً من وضع المؤلف النفسي الذي كان في حالة انخطاف عندما تلقّى الرؤيا.
إن عصرنا الحاضر بتعابيره الغريبة عن طريق الأشكال الفنية المختلفة وعن طريق قطع التناسق الكلاسيكي التقليدي هو في موقف مناسب، أكثر من باقي العصور، لفهم الفكر اليوحنّاوي الرؤيوي الذي يتجاوز الحدود التعبيرية واللغوية.

حواشي

1- يصف يوحنا الله أنه نور وضياء
2- حول العرش اربعة حيوانات الرمز مأخوذ من (حزقيال 1: 5-21). والحيوانات هي ملائكة تشير إلى الإنجيليين الأربعة الاسد مرقس، العجل لوقا، الإنسان متى، والنسر يوحنا.
3- “الأسد نت سبط يهوذا وذرّية داود قد غلب” (5:5)، أنظر أيضاً إلى تك49: 9 واش 11: 1و10
4- أنظر إلى رؤيا 12: 10.
5- التنين رمز الشيطان. المرأة رمز شعب الله.
6 – الدولة الرومانية. الرؤوس السبعة والقرون العشرة هم القياصرة والملوك.
7- الألفية: الرقم ألف له مدلول رمزي يشير إلى دوام السعادة. لقد أدانت الكنيسة في المجمع المسكوني الثالث (أفسس 431)فهم الألفية فهماً حرفياً مادياً. يقول المغبوط أوغسطين 354 – 430 أن الألفية قد تحققت بقيامة الرب يسوع من بين الأموات وتأسيس الكنيسة كجسد المسيح وكحقيقة روحية على الأرض. ويضيف أن “القيامة الأولى” (رؤيا6: 4) تعني المعمودية أنظر إلى (رومية 6: 9-11 و يو5: 25-28).

Leave a comment