أهم ما في الحياة الهدف

الأرشمندريت ميثوذيوس (ماركوفيتش)

الأرشمندريت ميثوذيوس هو أصغر رؤساء الأديار الأثوسيين عمراً. هو رئيس دير خيلاندار الصربي. حاورته أولغا أورلوفا لموقع OrthoChristian.com. نقل الحوار إلى العربية أسرة التراث الأرثوذكسي

– “عندما تكون السماء صامتة ، لا تفعل شيئًا” ، هكذا تمّ توجيهنا ذات مرة في آثوس، عندما بدأت أول وفود الحجاج بالذهاب إلى الجبل المقدس في نهاية النظام السوفيتي. هل يمكن أن تخبرنا أي شيء عن الشيخ يوسف الفاتوبيدي؟

– غالبًا ما كرر الشيخ يوسف الفاتوبيدي: “الشيء الرئيسي في الحياة هو الهدف”. ما هو الهدف من حياتك؟ أن تكتسب الروح القدس هو شيء، واهتمامك بالحصول على شيء في الواقع لن تكون قادراً على أخذه من هذا العالم الفاسد هو شيء آخر. ماذا تكنز؟ المعرفه؟ الانطباعات؟ المال؟ كل ما ليس اختباراً لليتورجيا ليس له أي معنى، حتى ولو كان إنزال الروح القدس حتى إلى أبسط أعمالنا اليومية إذ نكرسها لله ونحرم أنفسنا من أجل الآخرين. هذه سوف تتعفن جميعها هنا – حتى تلك الأشياء الجيدة وفقًا للمعايير البشرية. “اذكر كلامي، وحدها الأعمال الصالحة التي تتمّ من أجل المسيح تجلب لنا ثمار الروح القدس”. هذا ما قاله القديس سيرافيم ساروف في حديثه مع نيكولاس موتوفيلوف: “كل ما لا يتمّ من أجل المسيح، بالرغم من كونه أمراً حسناً، لا يجلب المكافأة في الحياة الآتية ولا نعمة الله في هذه الحياة”. كما اقتبس كلمات الرب “مَنْ لاَ يَجْمَعُ مَعِي فَهُوَ يُفَرِّقُ” (متى 30:12).

– هل علّم الشيوخ عن تجارب زماننا؟

– الرهبان، كما كل المسيحيين على ما أظن، يخلصون بالصبر. حتّى كل الاضطرابات التي أصابت الأرثوذكسية في العالم، علينا احتمالها بالصبر. هذه الجهادات التي احتملها أسلافنا متعذر بلوغها علينا. مسيحيو اليوم يحتملون الأمراض والتجارب المختلفة.

– أعرف أن الأثوسيين يتَنَدَّرون: “كانت العادة أن نخلص بمسابحنا، الآن تخلّصنا الثَلاّجَة”. أليست كثافة الحجاج تجربة؟ أم أن اليوم صار العدد أقلّ؟

– كثير من الحجاج يأتون إلى الجبل كما كان الوضع دائماً. نحن نعمل على استضافة كلّ مَن يأتي إلى عندنا. قد تنشأ بعض التجارب، لكننا نعمل جاهدين على أن لا يتركنا أحد من دون تعزية. الضيافة هي أيضاً جهادٌ مَرْضِي لله. كما قال الرسول بولس: “أضَافَ أُنَاسٌ مَلاَئِكَةً” (عبرانيين 2:13).

– ما الذي يجلبه المعاصرون؟ ما هي مشاكلهم؟

– كثيرون همهم الأول في حياتهم اليومية هو الأزمة الاقتصادية، خاصةً اليونانيون الذين يأتون إلى جبل أثوس بأعداد أكبر من غيرهم. شيخنا كيرللس (فاشكوفاك) في خيلاندار قال مرة للأرشمندريت يوستينوس (بوبوفيتش)، الممجَّد اليوم، الذي سمّى اضطهاد الكنيسة الصربية “كفّارة”، أن شيئاً من العقاب هو إصلاح لنا. لقد اختبرت الكنيسة الروسية أيضاً “كفّارتها” في القرن العشرين. في ذلك الوقت، الشيخ يوستينوس لاحظ أن الأمر نفسه ينتظر الشعب اليوناني. قد تكون الصعوبات التي يعيشها اليونانيون اليوم، من مشاكل مالية وتضييق من مسؤولي الحكومة، هي “الكفّارة” نفسها. مع هذا أغلب ما يُطلَب منّا يتعلّق بالحياة الروحية: يسألون عن الاعتراف، عن المناولة المقدسة، ونصائح عن كيفية تربية عائلاتهم في الإيمان المسيحي.

– يقولون أن كل جماعة رهبانية، على شاكلة كل رعية، تجاهد لتصير عائلة. كيف يتحقق هذا؟

– “أحبّوا بعضكم بعضاً” (يوحنا 34:13). “مَن أراد أن يكون أولاً، فليكن للكلّ خادماً” (مرقس 35:9)، هذا ما يورده الكتاب المقدس. في الدير نحن نجسّد هذه الوصايا وحسب، جاعلين إياها ملموسة. الحجاج الآتون إلى هذه الأديار يتشبّعون منها من خلال صورة وروح الطاعة المتبادلة والتناغم. كل شيء ينبغي أن يكون سلامياً في العائلة المثالية. والأمر نفسه في عائلتنا الأرثوذكسية العابرة للعالم. إن صليبنا هو الحفاظ على الإيمان والتقليد الأرثوذكسيين.

– على ضوء ما ذكرتَ عن الكفارات التي تًعطى للشعوب بأكملها، فمع اليونان الأمر واضح، لكن ما هو صليب الشعبين الصربي والروسي اليوم؟

– الصليب الصربي هو الحفاظ على اﻹيمان والتقليد الأرثوذكسيين. الأمر نفسه بالنسبة للشعب الروسي ولأي شعب أرثوذكسي . في صربيا، كما هو على الأرجح في روسيا، ما زال هناك الكثير من الاضطهاد: العدو يعمل، إن لم يكن مباشرة، ففي السر، محاولاً بشتّى الطرق أن يحرّض المؤمنين على تغيير التقليد وترك الإيمان الأرثوذكسي. العدو يغري: آمنوا، لكن بشكل مختلف قليلاً. يُمارَس هذا الضغط بشكل منهجي. أعتقد أن كل مؤمن، سواء من الصرب أو الروس (او غيرهم)، يشعر به في ذاته.

نحن الصرب علينا أن نكون ثابتين كما كان أسلافنا تحت النير العثماني. وصليب الروس اليوم هو في أن يكونوا مخلصين للمسيح كما هم الشهداء والمعترفون الجدد في كنيسة روسيا. إن عودة الناس إلى الكنيسة بعد سبعين سنة من معاداة الله هو بداية جيدة. لكن ينبغي بذل الجهود بلا توقف ليزيد الإيمان. لا يمكن الوقوف بجمود في الحياة الروحية، إنها جهاد ثابت في الصعود إلى الجلجلة.

كل حاملي الصليب، أكرر، يحتاجون للصبر. ولاكتسابه علينا أن نكون أكثر اهتماماً في كيف عاش أجدادنا. هذه وسيلة فعالة جداً. في الكنيسة الروسية، لديكم الدعم الأكثر فعالية في جَمْهَرَة الشهداء والمعترفين الجدد. نحن، الشعوب الأرثوكسية المتآخية، نتطلع اليوم إلى الشعب الروسي كجندي وفارس للمسيح قادر على الدفاع عن الأرثوذكسية في هذا العالم الدهري الذي يفرِض قيمه الزائفة بعدائية. أنتم الروس لديكم جدّياً سياج خلفي روحي مدعّم بتدبير الله.