شهداء سبسطية الأربعون

الأب لاورنس فارلي

نقلها إلى العربية بول ملكي

لو كان أي منا يتمشى على ضفاف بركة ماء باردة في إحدى ليالي العام ٣٢٠ قرب مدينة سبسطية، لرأى مشهداً مذهلاً: أربعين جندياً رومانياً، من الفيلق المعروف بـ”الفيلق الصاعق”، يقفون عراةً في المياه المثلجة طوال الليل، يتجمدون ببطء. بالقرب، جنود رومان آخرون يقفون على الضفة يحرسونهم ويتأكدون من بقاء الرجال المحكومين في المياه المثلجة، ويجهزون حمام ماء ساخن لكل من يقرر الخروج من مياه الموت ليستدفئ ويعيش. كل ما كان على الرجال المحكومين أن يفعلوا هو أن ينكروا المسيح ويتخلوا عن ايمانهم المسيحي. الأربعون كانوا كلهم مسيحيين مؤمنين، واختاروا الموت على إنكار الرب.ـ

إلا أن واحداً وحيداً منهم خسر شجاعته في اللحظة الأخيرة. فأنكر المسيح، وترك رفقاءه من أجل دفء الحمام الساخن. واحد من الحرس، متأثراً بثبات الذين بقوا في البركة، إعترف بأنه مسيحي وتعرّى من ثيابه وإنضم إلى الرجال في المياه، فبقي العدد كاملاً: أربعون شهيداً. عند الفجر، معظمهم كان قد تجمد ورقد. أما أولئك الذين لم يموتوا بعد فقتلوا وأحرقوا ورُمي رماد جثثهم في النهر.ـ

قد نسأل: ما الذي منح الرجال القوة ليبقوا في مياه الموت فيما الحياة تنزف ببطء من أجسادهم؟ أمران: الأول أنهم كانوا يتطلعون إلى ما بعد عذاب تلك الليلة، إلى الملكوت المنير وأكاليل الظفر التي تنتظرهم، والثاني أنهم كانوا يتضامنون ويدعمون ويشجعون بعضهم البعض. كجنود، كانوا يدركون أهمية الوفاء للفيلق، وكإخوة، أن يصمد كل واحدٍ منهم من أجل الآخرين. إن هذه الوحدة العسكرية حفظتهم إذ كانت مسألة شرف أن لا يكسر أحد منهم الرتبة ويخون الآخرين.ـ

نحن أيضاً نعيش في فترة شتاء مميت، حيث “لكثرة الإثم تبرد محبة الكثيرين” (متى ٢٤:١٢). حكام هذا الزمن يعدون بجوائز أرضية لمن يترك الحقيقة، وحمام دافئ ينتظر الكفار/المرتدين. شهداء سبسطية يشجعوننا على أن نبقى ثابتين في الإيمان، على الرغم من برودة هذا الزمن والإضطهاد الذي نقع فيه، إذ انهم بعد ساعات قليلة فقط استُقبلوا بفرح الانتصار في ربوع السموات، ولم يكونوا بحاجةٍ لأي حمام روماني دافئ. الأمر ذاته سيحصل معنا: قريباً يمر هذا الزمن البارد، ونقف أمام ملكنا. إلى حين ذلك، فلنتشجع نحن أيضاً كوننا لسنا المجاهدين الوحيدين في سبيل الحقيقة. فلنقاوم التنازلات المقترحة من الشيطان، ونبقى “راسخين في الإيمان عالمين أن نفس هذه الآلام تجرى على اخوتكم الذين في العالم” (1 بطرس ٥:٩).ـ

أمر أخير: الجندي الذي فقد عزمه وكفر بالله وركض إلى الحمام الدافئ لم ينجُ تلك الليلة. من المؤكد أن حرارة جسمه قد هبطت كثيراً، وحتى دفء الحمام لم ينقذه. لقد مات بكل الأحوال، مع باقي “الفيلق الصاعق”. بكفره لم ينقذ حياته الأرضية بل خسر الحياة الأبدية وإكليل الظفر الذي كان بمتناول يديه. جوائز الكفر لا تبقى. بل تنتهي مع مجيء اليوم الأبدي. جائزة الثبات تبقى إلى الأبد.ـ