في هذه الأيام الصعبة

كاهن في كنيسة اليونان الأرثوذكسية

نقلتها إلى العربية أسرة التراث الأرثوذكسي

كل ما يتعلق بالحياة الروحية، أياً كان ما نختبره داخل الكنيسة، يمكن التعامل معه بطريقتين: الأولى هي عدم إشراك القلب في أي منها على الإطلاق. كل شيء رسمي، نظري ومنطقي. يبقى القلب غير ملموس أبدًا، القلب غير مَعني أبدًا بكل ما يحدث في الحياة الروحية. بعبارة أخرى، يبعد الناس قلبَهم عن قصد عن ما يجري وبهذه الطريقة يمكنهم الشعور بأنهم، في الأساس، يتحكمون بالأشياء. هذا فخ عظيم، لأنه عندما نكتشف أن قلوبنا خارج الأشياء، ندرك أننا أيضًا في الخارج، وأننا لسنا جزءًا من حياة الكنيسة، من حياة الروح.ـ

والطريقة الأخرى هي أن ترى قلبك مشاركاً في الأشياء، ما يعني أن لكل ما يحدث خارجيًا تداعيات داخلية، في القلب. بعبارة أخرى، كل ما يحدث خارجيًا، بالحقيقة سواء في الكنيسة، في عبادة الكنيسة، أو شخصيًا في جهاد كل واحد منا، يجب أن يُنظر إليه على أنه يتسلل إلى وجودنا، إلى قلبنا، شاملاً قلبنا، ملزماً لنا على أساس شخصي. فمن ثم يكتسب كل شيء إحساسًا شخصيًا، وظيفة شخصية، كل شيء حقيقي الآن، كل شيء يؤثر على الشخص، وكل شيء يعكس ماهية ما نختبره.ـ

الانتقال من الرسمي إلى الجوهري، أي الانتقال من منطق الأشياء إلى فهم شخصي، إلى حياة القلب، ليس بالأمر السهل على الإطلاق. علينا أن نواضع ذواتنا. وحدهم المتواضعون لديهم حياة في القلب. الفخورون يقيّمون كل شيء منطقيًا، مسنودين كما هم بالغطرسة. ولكن عندما نتواضع، يصبح كل شيء فينا حقيقة. يصبح للقلب الآن خبرات، ويبدأ بتكوين المشاعر والعواطف الروحية، ويبدأ كل شيء في حياتنا في أن يصبح حقيقة. ثم، وللمرة الأولى، نكتشف أن لدينا حياة شخصية، وحياة روحية، وحياة روحية شخصية. علاوة على ذلك، يكتسب شخص الله اهتمامنا على المستوى الشخصي، ليس على المستوى الداخلي النفعي، بل على المستوى الشخصي.ـ

كل شيء له صدى فينا. هذا هو المكان الذي سنرى فيه مدى وجود الله في حياتنا، حيث سنرى مدى انفتاحنا على روح الله، أو مدى ترسّخ مخاوفنا وانعدام أماننا ومنطقنا البشري في داخلنا. سنرى مقدار المساحة المتاحة لوجود الله فينا، إلى أي مدى نشعر بخطايانا، ومدى عمق هذه الخطيئة فينا كعائق لعلاقتنا مع الله وإلى أي مدى تعرّض حياتُنا الشخصية وجودَ الله فينا. ثم يأخذ كل شيء بعدًا شخصيًا. فالألم والتوبة هما مسألة شخصية جداً وحقيقية جداً.ـ

إن الصلاة هي شيء حقيقي لأنها تضمّ صرخة الروح إلى الله، ولكنْ الصرخة الصادقة التي تنبع من داخل الإنسان، وليس من فكره. كل شيء حقيقي الآن. نعيش الآن حقيقتنا الخاصة أمام الله. لكن هذا سبقته مرحلة طويلة وصلنا خلالها إلى التواضع، حتى نستطيع أن نسمع قلوبنا بأنفسنا، حتى نكون نحن بأنفسنا على اتصال بقلبنا.ـ

أقول كل هذا حتى نفهم أن أيامنا هذه صعبة إلى حدٍ ما، من الناحية الخارجية، لأننا تحت ضغط ظروف خارجية. إنه وقت مناسب لكل منا لأن يعرف مدى نشاط شخصيته وعملها في حياته الشخصية، ومدى نشاط هويته وعملها شخصيًا، وقلبه شخصيًا، ومدى تأثره شخصيًا بعلاقته بالله، ومدى قدرته أن يجاهد من خلالها مع مخاوفه وصعوباته، وإلى أي مدى يمكنه، بالإيمان والمحبة والثقة بالله، ضبطَ الأفكار المعادية التي تنشأ ضده. إلى أي مدى كل هذه الأشياء حقيقية في حياته.ـ

ألم يحن الوقت لنرى كيف هي حياتنا الروحية نحن المسيحيين؟ كم من الإيمان الحقيقي بالله لدينا؟ إلى أي درجة يتلاشى الخوف في مواجهة الإيمان؟ ما مدى صدقنا تجاه الله؟ كيف نعيش تجربة الله داخل أنفسنا؟ إلى أي مدى يشعر كل واحد منا بخطيئته كعائق ويتألم ويبكي عليها؟ إلى أي مدى نشعر بوجود الله كقوة؟ في كثير من الأحيان يكون من الصعب تَرْك وجودنا بين يديه. كل هذا يبرهن مَن نحن حقًا.ـ

عندما تأتي علينا مثل هذه التجارب، عندما تأتي الأشياء التي تكيّف الضغط على الوجود البشري، إنها فرصة لنا جميعًا لمعرفة من نحن حقًا تجاه الله. من نحن حقًا عندما نواجه ضميرنا. من نحن عندما نواجه وجودنا. الآن، إنها فرصة لنا أن نرى مدى قوة الإيمان في صلاتنا. كم هي حقيقية. إلى أي مدى تنفتح على الله فعلياً. مدى اعتمادها على الثقة. كم تشعر بالراحة أمام الله، حتى ولو كان في الخارج معارك وضغوط. إنها فرصة لكل واحد منا أن يرى ما نريده حقًا داخلنا. كيف تبدو شخصيتنا. كيف هي حياتنا الشخصية تجاه الله.ـ

لدينا فرصة عظيمة الآن. لماذا؟ لأننا غالبًا ما نقرأ في سِيَر القديسين عن أعمالهم وجهاداتهم وصعوباتهم وإنجازاتهم والحلول التي وجدوها للضغوط التي تعرّضوا لها. ولكن في كثير من الأحيان نفهم هذه الأشياء عاطفيًا ومنطقيًا وليس واقعياً ووجوديًا. يأتي وقت في حياتنا عندما تطرق حقيقة الحياة بابنا وتريد أن تعرف ما قمنا به حتى الآن. ماذا حققنا؟ من نحن حقاً؟ من نحن في ذاتنا؟ أي ثقل أخلاقي لدينا في حياتنا الروحية؟ـ

لقد شعرت اليوم بحدّةٍ مدى أهمية استغلال مثل هذه اللحظات. ليس لطرد الخوف، ولكن لنرى ولنشعر بأنفسنا مكشوفين، حقيقيين، عراة أمام وجه حقيقة الله.ـ

الأشياء التي تضغط علينا تأتي وتروح. ستأتي، ولكن بعد ذلك ستمضي، كما تفعل الأشياء. لكن علينا أن نستفيد من كل هذا. يجب أن نكون جزءًا من حقيقة الله وهذا يجب أن يصبح حقيقتنا. ببساطة، يجب أن نحارب كل ما هو مريض فينا، ضعيف، أجوف ومنافق. أولاً، يجب محاربة هذه. وهذه تُحارَب في ظلمة زنزانتنا العميقة. إنه هناك حيث يمكن محاربتها. هذا هو المكان الذي ترى فيه من أنت حقًا.ـ

أصلّي من كل قلبي أن نخرج مستفيدين إلى حد كبير من صروف الدهر هذه التي يعاني منها بلدنا والعالم بأسره، أكثر تواضعًا أمام الله، أكثر حقيقة أمام الله وأمام ضميرنا. وسيهتم الله بكل ما تبقى. على أي حال، هو وعد بذلك. من ثمّ نجد السلام حقًا: عندما نستسلم بأمانة لقصد الله ولحضوره.ـ

أصلي من كل قلبي أن تكون هذه الأيام مثمرة لنا جميعاً.ـ

* تسجيل لعظة في القداس السابق تقديسه في 11 آذار 2020.ـ

Source: https://pemptousia.com/2020/03/on-these-difficult-times/