كيف يكتب القديسون

كيف يكتب القديسون

المتقدم في الكهنة باسيليوس كالياكمانيس[*]

نقلها إلى العربية الأب انطوان ملكي

أ) في هذه الأيام هناك الكثير من اللاهوتيين، من إكليريكيين وعلمانيين، يؤلّفون وينشرون. لكن البعض يجهلون جسامة ما يكتبون، فيتبعون ممارسة الصحافة التنافسية الدهرية. ثم باعتزاز وكبرياء يُحصون ما حصلّته صفحاتهم من الزيارات، محوّلين الخطاب اللاهوتي إلى أخبار تجارية، وليس من النادر أن يحطّوا من قَدر الكلمة الإلهية.ـ

ب) إنهم يستعملون اللذع والعدائية والتلميح وسوء النية والطعن لمن يخالفهم، مستعملين ادعاءات وعموميات لا أساس لها، وغالباً ما “ينْهَشُونَ وَيَأْكُلُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا” (غلاطية 15:5). ولا نخشى أننا فيما نشدّ جسدنا ونمدّ قوانا اللاهوتية، قد نصير خارج التقليد الآبائي الذي نستجديه وندّعي الكتابة باسمه.ـ

ج) في تقليد آباء الكنيسة، أثيرت كثيراً مسألة متطلبات تأليف النصوص اللاهوتية. القديس غريغوريوس السينائي (1255-1347) في تلخيصه للتقليد الذي عمره قروناً، يقول أن لإنشاء عمل لاهوتي، هناك ثلاث أشكال موثوقة ولا لوم عليها: “أولاً، لحفظ ذاكرة الشخص، ثانياً لمنفعة الآخرين، وثالثاً الكتابة بالطاعة. بهذه الطريقة كُتبَت أغلب النصوص ليستفيد منها الساعين إلى الكلمة باتضاع”.

د) بتعبير آخر، الشكل الموثوق الأول للكتابة هو زرع لما في ذاكرة الكتّاب أنفسهم. الشكل الثاني هو نقل المعرفة لمنفعة الآخرين الروحية. والشكل الثالث الموثوق من الكتابة هو بالطاعة للساعين إلى تعلّم حقيقة الأمور بالتواضع والتمييز. هناك أسباب أخرى للكتابة لكنها بحسب القديس غريغوريوس مرفوضة. إن الذين يكتبون نصوصاً لاهوتية للإمتاع أو لمجدهم الخاص أو للظهور يحصّلون أجرَهم ولن يكسبوا أي منفعة لا هنا ولا في الحياة الثانية. إنهم سوف يدانون كمتزلّفين ونصّابين لأنهم هتروا الكلمة الإلهية.ـ

ه) إن مسألة مقاربة النصوص المقدسة بعدائية طرحها الآباء اليقظون (Niptic). يوضح نيكيتا ستيثاتوس أنه من الخطر على الناس أن يستجلوا الحقائق الإلهية بروح دهرية ومادية متَّبعين طرق تفكيرهم الخاصة. إذ يسيطر عليهم الحسد والغيرة والمكابرة والاختصام فهم يهزؤون ويستخفّون بالذين يقاربون الأمور الإلهية والإنسانية روحياً وبحسب “فكر المسيح”. يحصل شيء مشابه عندما يحرّفون أو يستهلكون أو يقصّرون عشوائياً المقاطع من سير القديسين أو كتابات الآباء في أطر فهمهم الخاص لكي يدعموا وجهة نظر بعض الكتّاب أو غيرهم.ـ

و) كل ما سبق مرتبط بتأليف سلّم القديس يوحنا السينائي الذي تكرّمه الكنيسة في الأحد الرابع من الصوم وفي الثلاثين من آذار. إذا قرأتم رسالة رئيس دير رايثو إلى القديس يوحنا، يتضّح أن السلّم هو “ابن الطاعة”. يكتب رئيس الدير: “أنت أكثر المعلمين أهلية ومقدرة: ألجأ إليك بهذه الأسطر متوسلاً إلى فضيلتك أن… لا تأنف الآن أن تَعرُض وتشرح بانتظام واجتهاد ما هو لازم للسيرة الرهبانية وموافق في الرب لخلاصنا، كمرشد فاضل لجميع الذين يعيشون هذه الحياة الملائكية”.ـ

ز) يوحنا أجاب الرئيس بتواضع: “لولا خوفي من التملّص من نير الطاعة المقدسة، أمّ سائر الفضائل، لما كنت تجرأت… على خوض مهمة تجاوز طاقتي…ليس طبعاً لأمدّك بأي فائدة… إنما أوجهه إلى شركة الرهبان … وأني أرجو كلّ مَن يطالع هذه الصفحات، إذا وجد فيها شيئاً مفيداً، أن يعزو ثمارها بعدل إلى رئيسنا الفاضل، وليسأل الله أيضاً أن يكافئني على قيامي بهذا العمل ليس بسبب فحواه، فإنه خسيس ومملوء جهلاً كثيراً، بل بارتضائه قصد مَن يقرّبه للرب”. إن كلمات كاتب السلّم وغيره من الآباء اليقظين هي مرآة لكل الذين يؤلّفون نصوصاً لاهوتية في كل زمان.ـ

ح) في هذه الأيام بشكل خاص، في الظروف الصعبة التي يوجد فيها المجتمع والعالم كله بسبب الجائحة، لا مكان للحذلقة والتنافس غير المجدي على الإنترنت. إذا واضعنا ذواتنا أمام الرب، القاضي العادل، وإذا صَقَلنا نفوسنا بالصلاة القلبية ومحبة الآخرين، مع توبة عميقة ومن كل القلب، فسوف نجتذب نعمة الروح القدس فيمكننا الاعتقاد بأن ما يلهمنا هو روح الله لا روح العالم.ـ

[*] رئيس قسم الأخلاق والمجتمع في كلية اللاهوت – جامعة تسالونيكي، اليونان.ـ

[1] عنوان النص الأصلي:ـ

Πρωτοπρ. Βασίλειος Ι. Καλλιακμάνης. “Πως γράφουν οι Άγιοι”, https://www.pemptousia.gr/2020/04/pos-grafoun-i-agii/

[2] النصوص العربية مأخوذة من: يوحنا السلّمي، السلّم إلى الله، تعريب رهبنة دير مار جرجس الحرف، سلسلة آباء الكنيسة 3، الطبعة الثانية، منشورات النور، بيروت، 1985ـ

***