مراجعة روحية للكورونا

مراجعة روحية للكورونا

الميتروبوليت أثناسيوس مطران ليماسول

نقلتها إلى العربية أسرة التراث الأرثوذكسي

ما يلي هو إجابات على اسئلة طرحها مؤمنون على الميتروبوليت أثناسيوس مطران ليماسول، قبرص.ـ

سؤال: هل الأحداث الحالية هي علامات ضد المسيح ونتيجة القوى الظلامية والمؤامرات الناشطة؟

جواب: المسيح هو سيد العالم والتاريخ، وهو الحقيقة الوحيدة هي أنه منتصر. الأنبياء كتبوا كتاباتهم وفي فكرهم انتصار المسيح على قوى الظلام. مهما حاولت هذه القوى أن تعمل فلن تستطيع أن تغلب المسيح. لدينا رجاؤنا بربنا يسوع المسيح ولا نخاف، فلنبقَ مؤمنين، متحدين بمسيحنا وبكنيسته المقدسة، وكل الأمور الأخرى تتبدد وتُرمى بعيداً. لكن ما يجري الآن هو أمر فائق الطبيعة، والأمور لن تبقى على هذا المنوال. هذه الأزمة سوف تعبر. لا يمكن أن يُشلّ العالم كله. عند نقطة ما، سوف تعبر.ـ

من جهة أخرى، بالطبع، مسؤولية الدولة بالدرجة الأولى الاهتمام بالشعب والنظر في حاجاته. ليكن كلٌّ منا متأهباً، ولنقتني روح اللطف إذ سوف يكون هناك حاجة كبيرة للإحسان، حتى ندعم واحدنا الآخر، وجميعنا الإخوة والأخوات الأكثر ضعفاً، حتى تعبر هذه العاصفة الرهيبة التي جاءت إلى منطقتنا، وإلى العالم بأجمعه. فلنكن مستعدين وننتظر قليلاً لنرَ كيف تتجه الأمور.ـ

الاهتمام بالماسونية والأمور الأخرى، كالمؤامرات والقوى الظلامية وغيرها، لا يفيدنا. ما يساعدنا بالأكثر هو معرفة المسيح في حياتنا، قراءة الكتاب المقدس. إذا بحثنا في الكتاب المقدس فهو يقول الشيء القليل عن ضد المسيح؛ فهو مكتوب عن المسيح! ينبغي أن يكون اهتمامنا موجهاً نحو المسيح والقديسين وسِيَرهم لنرى كيف عاشوا، كيف فكروا، كيف تعاملوا مع التجارب والصعوبات في حياتهم. بالطبع، هذا لا يعني أننا لا نؤمن بأن ضد المسيح سوف يأتي. هذه قالها المسيح، بالطبع نحن نؤمن بهذا. لكن ماذا عن قلبنا؟ وانتباهنا؟ فلتكن هذه جميعاً موجهة نحو الرب يسوع المسيح.ـ

سؤال: هل الله سبب هذه الجائحة؟

المسيح يمتحن كل شيء.هو لا يبارك كل شيء. بتعبير آخر، إنه يعرف كل شيء، ويسمح بكل شيء، لكنه لا يبارك كل شيء. إنه يعرف كل الأشياء الشريرة التي سوف نعملها في حياتنا، وهو يتركها تحدث. أهو إذاً يباركها؟ معاذ الله! المسيح لا يبارك جرائمنا، ولا أخطاءنا، ولا خطايانا، ولا يبارك كلّ ما لا يريده الله. وبما أنه لا يبارك هذه الأمور، لا نستطيع أن نسأل “لماذا يتركها تحدث؟” هذا بسبب وجود الحرية البشرية التي للأسف، يستطيع المرء أن يستعملها للقيام بأشياء لا يباركها الله. لهذا السبب، هناك أشياء كثيرة تجري في حياتنا والله لا يباركها ولا يريدها، لكن بسبب حريتنا وتعاسة استعمالنا لها، يسمح بحدوثها. الإنسان حر في القيام بكل ما يريد حتى لو أن الله لا يشاؤها. هذه هي عظمة ومأساة نعمة الحرية البشرية المعطاة من الله.ـ

سؤال: مع التأسّف لعدم القدرة على المجيء إلى الكنيسة في الفصح، كيف يستطيع المؤمن أن يشارك؟

الجواب: أؤكّد أني لا أريد حتى أن أفكر بفكرة الفصح إلا في الكنيسة لأن هذا أمر مؤلم.ـ

من جهة أخرى، نحن طالما كنّا نختبر ألماً كبيراً كل قيامة: في المساء، ما أن نقول “المسيح قام” حتى نرى آلافاً من الناس يتركون ما أن يسمعوا “المسيح قام”. يتركون، يتركون، يتركون. “ليقم الله ويتبدد جميع أعدائه…” ومسيحيونا المؤمنون يتركون ويتوزعون، كل إلى بيته، ليأكل حساءه ويردد “إلى أعوام عديدة” مع خاصته. وكم يبقى في الكنيسة؟ قلة صغيرة.ـ

ربما علينا كلنا أن نأخذ هذا ككفارة من الله ونقول “نستحق”، لأننا لم نقدّر ونحترم ما كان عندنا. بتعبير آخر، أيٌ هو الأكثر إيلاماً: هذا الفصح، الذي نشارك فيه من بيوتنا على التلفزيون بما أملته علينا السلطات العليا؟ أم ذاك الفصح حين كنا احراراً لكننا تركنا وتركنا وتركنا، ولم نهتمّ بالبقاء في الكنيسة، لنتناول ونسمع الكلمة الإلهية؟ لكن كل ما كان في فكرنا هو أن نقول “المسيح قام” ونخرج. وعليه، أي منهما الأكثر مسرّةً لله؟

أعتقد أن ما نختبره هذه السنة أكثر إرضاءً لله من السابق. في السابق كان خيارنا واخترنا أن ننصرف. هذه السنة؟ لن نقرر الانصراف؛ بألم سوف نبقى في البيوت… وبما أنني اقف حيث نقول “المسيح قام” مقابل الشعب وأراهم… ماذا أستطيع القول؟ ما من صورة أكثر إيلاماً من صورة انصراف الناس. وبما أنهم يحملون الشموع المضاءة، فتبدو الصورة كمسيرة شموع مضاءة تنصرف. ينصرفون، ينصرفون. هم ينصرفون ونحن ننشد: “ليقم الله ويتبدد جميع أعدائه، ويهرب مبغضوه من أمام وجهه!” واخوتنا المسيحيون كانوا يحققون هذه النبوءة ويمضون بعيداً عن الله. هذا ما نحتاج أن نتوب عنه، وأن نبقى في البيت هو أقل شراً مما كنا نفعله لسنوات كثيرة. لهذا السبب نحن بحاجة للتوبة.ـ

أنا ربما لا أنصرف لأني الأسقف وإكليريكي، لكني أشارك بالمسؤولية عن إخوتي وأخواتي، أبناء الكنيسة، الذين ينصرفون. لو كنت إكليريكياً صالحاً واسقفاً جيداً لكنت ساعدتهم أن لا ينصرفوا. لكن إهمالي وعدم انتباهي وعجزي وقصوري جلبوا هذا الجهل إلى العالم، وأخطأنا، وانصرفنا بعيداً عن الله في وقت القيامة. لهذا علينا أن نأخذها ككفارة تربوية. في كل حال، أرجو أن لا يتمّ هذا وأن نتوب طوعياً، رغبةً منا، وليس من حثّ جبري. فلتكن توبتنا طوعية. الحاجة هي إلى صلاة كثيرة، واستدعاء في كل مكان وفي كل وقت لاسم ربنا يسوع المسيح، من أجل أن منطقتنا ووطننا ومدينتنا وكل العالم يتقدسون ويمضي هذا الشر ونسلك في التوبة. بهذه الطريقة نسعى إلى السلام من الله، وكيف نستفيد من هذا السلام المطلوب؟ هذا سؤال كبير!ـ

سؤال: هل فعلاً يمرض الكهنة، وهل ينتشر المرض من خلال المناولة المقدسة؟

طبعاً قد نصاب بهذا الفيروس، ليس من المناولة بل من المحيطين بنا، من دخولنا وخروجنا، من خدَمِنا، من الناس المحيطين بنا ويحملون الفيروس. ما من سبب لنا نحن أهل الكنيسة وأساقفتنا وكهنتنا لكي لا نلتقط الفيروس والمرض. بالفعل، توفي ميتروبوليت في صربيا من هذا الفيروس. لكن على الأكيد لن نلقط الفيروس لا من المناولة ولا من الأسرار المقدسة. ولكن كبشر نعيش في العالم، نحن نتنقل ونتحرك بين مستويات متعددة من الحياة الاجتماعية اليومية وكغيرنا في العالم نحن معرَّضون. الأمر هو كما يلي: ما ينطبق على غيرنا ينطبق علينا. لا نعتقدنّ بأننا نختلف عن إخوتنا.ـ

من جهة أخرى، الكنيسة “استسلمت” قليلاً لتظهر أنها تطبّق التدبير في هذا الأمر. فقط لبعض الوقت، فقط لبعض الوقت. تقتصر القداديس الإلهية في كنائسنا المقدسة على الكهنة يصلّون من أجل العالم كله، لنرَ كيف يمكن لهذه الفترة الزمنية الصغيرة التي شددت الدولة على الكنيسة تطبيقها تدبيرياً أن تساعد في هذا الوضع بطريقة إنسانية. لكن بالتأكيد، سيكون هذا فقط لفترة، مجرد فترة قصيرة، حتى نتمكن من العمل بالتعاون مع البيانات البشرية.ـ

في وقت لاحق، إذا رأينا أن الأمور لا تتحسن بفضل الجهد البشري، فإن رعاة كنيستنا وأساقفتنا والمجمع سيعطونا التوجيه. فلنكُن مطيعين للكنيسة ولا نكونن قلقين. إن طاعة الكنيسة هي الطريق المؤكد للخلاص.ـ

سؤال: حول الحفاظ على حضور مصلٍّ في المنزل، خاصةً عند بث الخدم.ـ

في هذا الوقت، عندما لا نذهب إلى الكنيسة، ماذا يمكننا أن نفعل؟ ذلك الوقت الذي كنا نكرسه للكنيسة نكرس أنفسنا للصلاة، بنفس الساعة التي نكون في الكنيسة، فيجب أن نستمع إلى القداس الإلهي (حيث توجد وسائط بث في هذه الأيام)، يجب أن نصلي، ونتكرّس لمسيحنا، فلا نقوم بالأعمال المنزلية الأخرى، بل نكرّس ذلك الوقت للصلاة والدراسة الروحية …ـ

وكونوا أكيدين، عندما نقول “يا ربي يسوع المسيح ارحمني” فإن مسيحنا، الكلي الصلاح، أبانا وصديقنا وأخانا، يسمعنا دائماً. إذا كنا نسمع دائماً لمَن يحدثنا، ونحن مجرّد أشخاص، سواء أردنا ذلك أو بدافع من التأدب أو الحساسية، فكم بالحري إلهنا الصالح، الذي هو أبونا الذي يكنّ لنا محبّة غامرة، يسمعنا ويهب نعمته وحضوره في قلوبنا؟

لا نشكوَنّ من الله، لأنه قبل أن يعطينا هذه الكفارة، نحن فعلنا هذه الأشياء بأنفسنا. من تلقاء أنفسنا، أدرنا ظهورنا لله، وهربنا بعيدًا عن الإفخارستيا الإلهية في ليلة الفصح. في ضوء ذلك، لنتوبنّ على خطئنا، ولنكن مقدّرين لما كان لدينا من قبل، والذي نفتقده الآن.ـ

فليحفظنا الرب جميعاً أيها الأخوات والإخوة. افرحوا بالرب دائماً.ـ

ملاحظة: في إشارة الميتروبوليت أعلاه إلى أن الجائحة جاءت ككفارة لنا لا يعني أن هذا السبب الوحيد لها، لكن شكلها وتزامنها مع الصوم الكبير والفصح يمكن قراءتهما روحياً على هذا الأساس (المترجم).ـ

***