عرش الأنانية

عرش الأنانية

“إذ الجميع يطلبون ما هو لأنفسهم لا ما هو ليسوع المسيح” (في21:2)

ماريا قبارة

 

متشامخ، مغرور، متعالٍ، متغطرس، معتز بنفسه ويكلمك من أنفه، متعجرف ومنتفخ. كلّ هذه ما هي إلاّ مرادفات لجوهر واحد تظهر وتتباين في مظاهر الذات الأنانيّة. فالمغرور كالديك الذي يعتقد أنَّ الشمس لا تشرق إلاّ لكي تستمع لصياحه في الصباح.
ونجد في العهد القديم صوراً كثيرة تمثّل حالات من الكبرياء والغرور منها: حين أراد الشعب أن يبني برجاً عالياً، برج بابل، ليتمجّد اسمهم به ويكبروا بأعين أنفسهم وقالوا: “هلمَّ نبنِ لأنفسنا مدينة وبرجاً رأسه بالسماء ونصنع لأنفسنا اسماً لئلا نتبدد على وجه كل الأرض” (تك4:11). أمّا هيرودس الملك فأخذ يخاطب الناس من عرشه وهم يهتفون إليه ممجدين: “هذا صوت إله لا صوت إنسان” (أع22:12) وللحال ضربه ملاك الرب لأنه لم يعط المجد لله فصار يأكله الدود ومات.
إن محبة الذات الأنانية منبع كلّ شهوة شريرة وكل تعاسة وكل سقوط، فهذه المحبة الأنانية حلّت مكان محبة الله ومحبة القريب.
من فترة سمعت قصة تروي: “رجل سافر إلى الحرب تاركاً ابنتيه في المنزل، وكانت الكبيرة منهما مغرورة محبة للظهور، فأخذت تتفنن في ضروب اللهو، فلجأت مرةً إلى لباس الرجال واتخذته بدلاً من زيّ النساء حتى صعب على أقرب المقربين تمييزها، وفي ليلة حضر الأب في زيارة مفاجأة للبيت وبدخوله إليه وجد ابنته نائمة بثياب الرجال قرب ابنته الصغرى فاستلَّ خنجره وقتلها بلا شفقة”. ومن هنا نذكر المثل المعروف: “حبّ الظهور يقصم الظهور”.
إنّ الأناني المنتفخ من ذاته يطلب ما لنفسه وليس ما للآخرين، ولا ما هو للمسيح يسوع “إذ الجميع يطلبون ما هو لأنفسهم لا ما هو ليسوع المسيح” (في21:2)
ومن مذكرات كاهن نجد هذه الخبرة: “شابّة جاءت إلى أبٍ روحي جليل تقول له: “أنا شديدة الحساسية” فأجابها: “لقد فهمت، أنت أنانية جداً” فظنته أنه لم يسمع جيداً فأعادت الحديث بقولها: ” عفواً، أنا قلت بأنني شديدة الحساسية” فأجابها أيضاً: “نعم لقد فهمت جيداً بأنّك أنانية”. واكتشفت هذه الفتاة فيما بعد صدق قوله لأنّها كانت تبالغ كثيراً بتدليل نفسها”. فهلمّوا نتغلب بشدة على أنفسنا فتزول صعوبتنا.
لا تحبّ الأنانية إلاّ أعمالها وتتجلى في كلمة “الأنا” وتستهين بمصالح الغير لمنافع زهيدة بخسة بهم، وتتعالى برفع نفسها وتقتل النبل في الآخرين.
في باحة المدرسة كنت أتمشى بين التلاميذ فلاحظت الأولاد ينادون ولداً ويقولون: “يا نفوس” فسألت أحدهم: “لماذا تنادونه بنفوس أليس اسمه نبيل؟” فأجابوني “إنّه لا يفكر إلاّ في نفسه ولا يتكلم إلاّ مع نفسه ولا يعمل إلاّ لنفسه فلقبناه بنفوس”. لقد ضاع النبل وحلّ مكانه حبّ الذات والأنانية “نفسي ونفسي فقط”
إنّ الأنانية تتلف الصفات الحسنة، إنّها عاتية جبارة، سرّ شقاء النفس وشقاء الأسرة في البيت.
إنّ رذيلة الأنانية تقوّض الحياة المسيحية وتنتزع القوة من الكلمات التي نوجهها للآخرين. أمّا المحبّة المسيحيّة فهي “تتأنى وترفق، لا تحسد لا تتفاخر، لا تنتفخ، لا تقبّح ولا تطلب ما لنفسها ولا تحتدّ ولا تظن السوء” (1كور4:3-5)
فهلمَّ بنا نطرد “الثعالب الصغار” (نش15:2) التي تفسد كروم حياتنا الروحية

Leave a comment