ابعدْ إلى العمق والقِِ الشبكة

ابعد إلى العمق والقِِ الشبكة (لوقا1:5)

ماريا قبارة

 

دخل يسوع إلى سفينة سمعان عند بحيرة جنيسارت وسأله أن ببعد قليلاً عن البرّ. وبعد تعليم الجموع قال لسمعان: “ابعد إلى العمق والقوا شباككم للصيد. فأجاب سمعان وقال له يا معلم قد تعبنا الليل كلّه ولم نأخذ شيئاً ولكن على كلمتك القي الشبكة. ولما فعلوا امسكوا سمكاً كثيراً جداً فصارت شبكتهم تتخرق” (لوقا1:5-7)
يشير يسوع هنا إلى ما هو أبعد من الصيد، يشير إلى عمق الأمور، فبالعمق فقط يربح الشخص المؤمن كثيراً. سالت السامرية يسوع بعد حوار طويل بينهما: “يا سيد لا دلو لك والبئر عميقة. فمن أين لك الماء الحي؟، فقال لها يسوع:”كلّ من يشرب من هذا الماء يعطش أيضاً. ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد”. (يوحنا11:4)
إنّ العمق ليس للجميع، بل لمن يجاهد ويتعب ويطيع وصايا الرب. فالجلوس على الشاطئ لا ينفع، بل لمن يدخل إلى العمق ليعرف الكلمة والبركة. لقد رفع يسوع من قيمة السامرية عندما طلب منها ليشرب، لكنّها هي أيضاً اكتشفت قدرته على معرفة أعماقها وذُهلت بمعرفته الدقيقة بتفاصيل حياتها الشخصية، فعرفت فيه طبيب النفوس. وهذه البذرة التي نمت أثمرت ثمراً كثيراً. فهي لم تكتفِ بان تنهلَ وحدها من ماء الحياة، بل أسرعت لتنادي العِطاش ليشربوا ويرتووا كما هي ارتوت من عمق حاجتها إليه. فمن يتعمّق في العلاقة مع الله ويتلذّذ بها، هو الذي يعرف معنى وطعم الحياة.
فالنجاح في الحياة أن يكون الله هدفه، وأي شيء أو شخص يبعدك عنه هو خدعة ورغبة.
فما أكثر الذين بدأوا الخدمة وسعوا ليظهر مجد الله، لكنّهم للأسف انتهوا بمجد أنفسهم لأنهم نسوا الله وبحثوا عن عمق نجاحهم هم، فضاع هدفهم وتغيّر اتجاههم
“من الأعماق صرخت إليك يارب، فيارب استمع إلى صوتي” (مز1:130). هنا علينا العمق في الصلاة، وليس مجرد ممارسة الفرائض والحضور لئلا نكون “كالأماكن المحجّرة حيث لم تكن تربة كثيرة، لان لم يكن له عمق أرض” (متى5:13). فالمؤمن يقدّم للرب أفضل أوقاته للصلاة، وينشد من أعماق قلبه، ويقرأ الكلمة كبحّار يغوص في أعماق المياه باحثاً عن جواهر الإيمان، ويسمع صوت الله يدخل ذهنه وينير عقله بالفهم والقبول. وحده الكلمة الإلهية من يستطيع أن يدخل إلى دواخلنا، فيحلّ مشاكلنا في عمقها، حلاً جذريًا، لا بتغيير الظروف الخارجيَّة، بل بمصالحتنا مع الله الآب.
وهناك المحبّة العميقة التي لا تسقط أبداً، والإنسان المؤمن يصادق الآخر ويحبّه بعمق، لا بكثرة الكلام بل بالمبادرة العميقة والأفعال الحقيقية. علينا أن نتعلّم العمق في العلاقات والصداقات، فالصداقة التي تدوم لفترة طويلة وتنتهي بكلمة أو فعل غير مقصود أو حتى خبر كاذب غير صحيح، فهذه الصادقة التي انقلبت وتغيرت ليست بصداقة لأنها ليست عميقة. علينا أن نختبر العمق لبركات كثيرة عظيمة

Leave a comment