انتظروا المسيح لا ضدّه

انتظروا المسيح لا ضدّه

الأرشمندريت نكتاريوس موروزوف

نقلتها إلى العربية أسرة التراث الأرثوذكسي

لن تجدوا في الكنيسة مؤمناً واعياً واحداً لا يعرف أن العالم الذي نعيش فيه لن يدوم إلى الأبد، ولم يقرأ رؤيا القديس يوحنا الإنجيلي ولا فكرة لديه عن الأحداث التي ستسبق نهاية التاريخ البشري على الأرض والمجيء الثاني المجيد لربنا يسوع المسيح. ومع ذلك، هناك جزء من الجماعة الكنسية لا يتذكر أن نهاية العالم ستأتي وحسْب بل يترقبّها بلهفة

لا شك في أننا مدعوون إلى الاهتمام ليس فقط بما يحدث في قلوبنا بل وبما يحدث في العالم من حولنا. بحسب المخلّص، يجب أن نميّز علامات الأزمنة (متى 16: 3). وكما كتب القديس أغناطيوس (بريانشانينوف)، من الضروري تمييز روح الزمن واستشعارها حتى لا نستسلم لتأثيرها المعادي للمسيحية، وللبقاء أحراراً من تأثيرها المعادي للمسيحية قدر الإمكان. لكن أود أن أذكّر بشيء آخر مهم: كونوا أناساً تسيطرون على ذواتكم وعقلانيين، حافظين دعوة الرسول بولس: “ثُمَّ نَسْأَلُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ… أنْ لاَ تَتَزَعْزَعُوا سَرِيعًا عَنْ ذِهْنِكُمْ، وَلاَ تَرْتَاعُوا، لاَ بِرُوحٍ وَلاَ بِكَلِمَةٍ وَلاَ بِرِسَالَةٍ كَأَنَّهَا مِنَّا: أَيْ أَنَّ يَوْمَ الْمَسِيحِ قَدْ حَضَرَ” (2تسالونيكي 1:2-2)

لا يزال معظمنا يتذكر جيدًا “العاصفة” التي “احتدمت” منذ وقت ليس ببعيد: لا في “فنجان شاي” ولكن في مساحات شاسعة من روسيا. كان الأمر يتعلق بأرقام تعريف دافعي الضرائب على أنها “ختم ضد المسيح”. تحطمت الكثير من الرماح حول هذه المسألة. كم عدد “الشهداء” و”المعترفين” الذين ظهروا وهم يناضلون ضد رئاسات الدولة والكنيسة! وأي قدرٍ من الحماقة تجلّى! مجلدات قيلَت عن مفهوم “ما قبل الختم” [أي ختم مبدئي مع عدد الوحش كما يرد في كتاب الرؤيا]. في الوقت الذي هدأت فيه الأهواء، لم يبقَ إلا مصطلح “المقاتلين ضد أرقام التعريف الضريبي” (أي مجموعة من الأشخاص الذين يبدون كأنهم في الكنيسة ولكنهم ليسوا فيها بشكل كامل)

والآن اندلعت “عاصفة” جديدة حول فكرة حقن الرقائق في البشر، والإشعاع، وتطعيم الناس من خلال “زرع الرقاقات” و”معسكر الاعتقال الإلكتروني”، كما يتكهن البعض، حيث جميعنا سيكون محكوماً علينا بالدمار. هذا الوضع، على الرغم من أن وباء الكورونا أثاره، إلا إنه كان يختمر لفترة طويلة

سأكون صريحًا: أنا متأكد من أن إمكانية زراعة الرقائق في الناس حقيقية، لذا فإن هذه الزراعة على المستوى العالمي هي مسألة وقت ومواصفات فنية. أنا متشكك جدًا بشأن التطعيم العالمي، ومدى ملاءمته وسلامته، خاصة وأن العديد من التطعيمات، وفقًا للعديد من الخبراء، هي وهم أو خيال، أو، بعبارة أدق، انخداع. يبدو “معسكر الاعتقال الإلكتروني” كتهديد، ولكن تم بناؤه تقريبًا من نواح كثيرة

ولكن هذا ليس المهمّ. المهمّ هو أنني لا أريد أن أعيش في رعب في وجه كل هذا. أريد فقط أن أعيش حياة مسيحية، دون خوف من أي شيء ودون أن أموت قبل موتي. كالعديد من الكهنة الآخرين، عليّ أن أجيب كل يوم على العديد من الأسئلة، مثل: “ماذا يجب أن نفعل إذا حدث ذلك قريبًا؟ إنه يحدث بالفعل الآن!” أجيب الناس ولكن قبل كل شيء أجيب نفسي

أولاً وقبل كل شيء، علينا أن نفهم أن هذا لم يحدث بعد. صحيح، هناك ظروف مواتية للغاية لحدوث ذلك، ولكن لا أحد يعرف ما إذا كان سيحدث الآن أم لا. لذا لا يستحق الأمر الصراخ طلباً للمساعدة في الوقت الحالي، وإلا فإننا سوف نجعل الجميع يضحكون ومن ثم لن يصدقنا أحد. دعونا نلقي نظرة على التاريخ: إنها فرصة رائعة لمقارنة أحداث الماضي مع ما نشهده الآن. وسنرى أن العالم شهد مرات عديدة أحداثًا جعلت الناس يعتقدون أنهم كانوا آخر العالم، أي أنهم غرقوا في حالة “نهاية العالم الآن”. الكوارث الطبيعية والأوبئة (بما في ذلك تلك الأكثر خطورة بكثير من الكوفيد 19، وانهيار العالم القديم وولادة عالم جديد، والحروب الدموية، وأخيراً، أفظعها – الحرب العالمية الثانية التي عطلت حياة عشرات الملايين من الناس. يبدو أن يوم القيامة كان في متناول اليد… ولكن لا، لم تأتِ نهاية هذه الأرض بعد ولم يتم استبدالها بأرض جديدة

مما لا شك فيه أن العصر الحديث يختلف جوهريًا عن الماضي القريب، ناهيكم عن الماضي البعيد. لقد خطت التكنولوجيا خطوات رائعة إلى الأمام. تعمل تكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا الحيوية على إعادة تشكيل الواقع الاقتصادي والسياسي أمام أعيننا. يتغير البشر بسرعة أكبر، ومع ذلك يظلون بشرًا. هذا يجلب فرصًا جديدة لضد المسيح المستقبلي وفريقه الذي يشبهه بالتفكير، ويشرح الآليات التي سيحقق من خلالها النتائج التي نقرأ عنها في سفر الرؤيا، بمثابة توضيح لهذا الكتاب

لكننا ما زلنا لا نستطيع أن نقول أن ضد المسيح سيأتي غدًا أو حتى بعد غد. يمكننا فقط أن نقول أننا اليوم اقتربنا من هذه النقطة وقد تكون قريبة جدًا الآن. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: ماذا في الأمر؟ لماذا يجب أن يؤدي إدراكنا لهذا الواقع إلى إثارة الارتباك وتسريع الذعر؟ لماذا هذه الفكرة بأنّ علينا أن نتوقف عن فعل كل شيء فوراً ونكرّس طاقتنا بالكامل لمقاومة بيل غيتس وأبراج جيل الاتصالات الخامس في جميع أنحاء العالم؟ من أين يأتي هذا الخوف الذي يشلّ إرادتنا ويتحوّل إلى عدوانية ثم إلى ذهول عقيم؟

المجد لله أن هذه ليست حالة معظم الناس في الكنيسة. لكن المشكلة هي أن التهويل مُعْدٍ، وممثليه نشطون وصاخبون، ويقلقون راحة بال بعضهم البعض ومَن حولهم. بالنظر إليهم من الخارج، يتكوّن لدى الناس انطباع قوي بأن هذا هو حال جميع المسيحيين. ونحن المسيحيون بالفعل نصاب بفيروس الخوف واليأس هذا تدريجياً. عند نقطةٍ ما سوف نجد أنه يتأكلنا من الداخل

إلى هذا، أريد أن أذكّر الآخرين ونفسي بأن علينا أن نعيش اليوم بغض النظر عن كيف نتخيّل غدَنا، بشعاً وثقيلاً ومرهقاً أو واعداً وباهراً. هذا الغد لم يأتِ بعد، فيما اليوم موجود بكل حاجاته وعمله، مع الحاجة إلى اتخاذ القرارات وتنفيذ الأعمال ومجابهة الصعوبات واحتمال الأحزان بشجاعة وتقديم الشكر لله من أجل كل هذا، كما من أجل الأفراح الوفيرة. لطالما كانت كلمات المسيح التالية صائبة وسوف تبقى: “يَكْفِي الْيَوْمَ شَرُّهُ” (متى 34:6)

لا تنتظروا ضد المسيح، ولا تهيؤوا لمجيئه. بالمقابل انتظروا الربّ وتعلّموا أن تحيوا معه هنا وفي هذه اللحظة. هذا الخوف والألم والتشوّش يشيرون إلى كم نحن بعيدون عن الرب الآن وكم أن شَبَهَنا بتلاميذه ضعيف! وإلا لما كان هناك هذا الخوف

وإذا كان علينا أن نشغل أنفسنا بالأحداث الجارية و”علامات الأزمنة” التي تهددنا وتشوّشنا، فالأحرى إزالة كل ما يمنعنا من أن نكون مع المسيح ويقف في طريقنا إليه؛ علينا أن نفتح قلوبنا له ونتركه في أعماقها. وبعد ذلك سيعلّمنا هو نفسه ما ينبغي فعله ويرينا كيف نجتاز العديد من المحاكمات القاسية دون أي ضرر على أرواحنا

إن هذا بمقدورنا. فهو شيء يعتمد علينا. أما ما تبقّى فوهْمٌ وخيال مثل “اللقاح العجيب”. إنه الخديعة نفسها