الجهاد الشرعي

الجهاد الشرعي

الشيخ يوسف الفاتوبيذي

نقلتها إلى العربية أسرة التراث الأرثوذكسي

أي حركة تقوم بها، بدءًا من مفهومها ولاحقاً حتّى التنفيذ، عليك أن تمتحن طوال الوقت ما سيكون لله منها. لأن هذا كل ما يستمر؛ بينما يُرمى كل الباقي. لهذا السبب نطلب منكم دائمًا توخي الحذر، لأن داخل شر الشيطان الشامل، هناك أيضًا هذا اللغز المروع. الشيطان لا يقاتل فقط لإلقاء خصمه وإخراجه من الحلبة والملعب. بطبيعة الحال، إنه يفرح بما يفوق التصديق عندما يستمع إليه الناس ويغادرون الحلبة – المسابقة

أمّا أولئك الذين لا يقتنعون وينخرطون في العمل فهو لا يقف في طريقهم. ليس ذلك فحسب، بل يمنحهم الدعم، مع فارق أنه يبلبلهم. إنهم يقومون بعملهم الفكري أو التطبيقي، ولكن ليس في إطار الفكر الصحيح. يخبرنا يسوع: “طوبى للحزانى، لأنهم سيعزون”. إذا نظرنا إلى الكلمة حرفياً، سنرى أن الغالبية العظمى من الناس الأحياء اليوم يحزنون. ولكن من بين الذين يحزنون مَن هو الذي سوف يبارَك؟

فقط هؤلاء القلائل الذين يحزنون من أجل الله. وبعبارة أخرى، فقط الذين يشعرون بخطيئتهم والذين أصيبت قلوبهم بالحزن الإلهي لإحزانهم الله، مركز محبتهم، وهم يبكون لهذا السبب. إنهم سيحققون حياة المباركين. هذا هو السبب في حاجتنا لتوخي الحذر. الأمر ليس فقط أن نعمل، ولكن أن نتصرّف وفقًا لمشيئة الله. أنتم ترون التفاصيل التي قدمها ذلك الكوكب العظيم الذي قرأناه هذا الصباح إذ قدّم هذا المثال الرائع. يقرر راهب معين أن يتكرّس لرعاية شخص مريض. نقطة انطلاق قراره وتنفيذه كانت أنه إذا قام بما يخطط فسيكافؤه الله. وقد رأيتم ما قاله هذا الأب العظيم بتمييزه الثاقب: لم يكن الراهب يتصرف بشكل صحيح. لقد أخطأ الهدف. بالطبع لا يمكننا القول أنه أخطأ بعمله، لكنه لن يحصل على الكثير كمكافأة مقارنة بالوقت والجهد اللذين بذلهما في مهمته. كان من الأفضل لو تصرف بإسم الحنان، بإسم وصية المسيح، بإسم محبة ربنا: “بكلام شفتيه، حفظ من طرق عنيفة” (أنظر مزمور 4:16). هذا هو الهدف الحقيقي. لأي سبب نحن نتّخذ الطاعة في الدير؟ ليس لأننا خائفون من الشيخ الذي يعطي التوجيهات. ليس لأننا خائفون أن يسيء الآخرون الحكم علينا ويعتقدون أننا صعاب المراس ولا ننفع. ولا هو لكي نصير أهلاً للاتكال علينا في الوظائف الروتينية على افتراض الطاعة وعدم الرغبة بإثارة أي متاعب. ليس هذا الهدف. النقطة هي وجوب أن نقوم بما علينا بشكل واعٍ وإذا كان هناك ضرورة لأن نرى كيف تُعمَل فلأننا لا نعلم. علينا أن نقبل النُصح بتواضع لكي نبلغ الهدف الصحيح. بمجرد أن نفهم وأن نأخذها في الاعتبار، فمن تلقاء أنفسنا، حتى لو تعرّضنا للتعويق، فمن الواضح أننا لن نردّ بوقاحة بل سنحاول إيجاد طريقة لتهيئة الأشياء لمحبة الله. سنفعل ذلك كالتزام، لأنه مفروض بوصية الله. لكنك لا تطلب أبداً مكافأة. أنت لا تخاف أحداً. أنت لا تتصرف لأن شخصًا ما يهددك أو يغريك. أنت تفعل ذلك لأنك أدركت أنها إرادة الله. ما لم يتصرف الناس أولاً على أساس محبة الله ثم محبة إخوتهم، فهم يسلكون الطريق الخطأ، وهم مشوشون. أي أمر غير مباشر أو مائل يعني أن ما يستخدمه الناس لا يساعدهم في الوصول إلى هدفهم الحقيقي

لهذا السبب نحن بحاجة إلى فحص ضمائرنا طوال الوقت، حتى لا يغرينا أي هوى أو أي رغبة ولا نكون في طريق منحرف نضيع جهودنا. هذه هي الطريقة الوحيدة التي ستكتسب بها ضميرًا نقياً، والطريقة الوحيدة التي ستكتسب فيها الحرية الحقيقية، تلك التي في المسيح. ثم ستفهم أن وصايا ربنا “ليست ثقيلة” وأن نير المسيح وحمله “خفيف”. نحن مطيعون لكل وصية لأننا نحب المسيح. نحن نعمل له فقط. ليس من أجل مغفرة خطايانا – فهو يمنح ذلك عبر الصليب. لا من أجل ملكوته، هذا إهانة. هو خلق ملكوته وزرع الجنّة في الشرق، حتى قبل أن يخلق الجنس البشري. ليس بحاجة إلى أن يظهر. إنه يحتاج إلى برهان واحد: أن يعود الناس إلى حواسهم ويدركوا أنهم يهينون الله إن لم يطيعوا إرادته. هذا تأمل حقيقي، هذه هي السياسة الحقيقية لآبائنا، التي اعتبروا من أجلها مجانين في هذا العالم، واضطهدوا وعاشوا في الخارج في الصحاري “والجبال والكهوف وثقوب الأرض”. عيونهم لم تجف أبداً من رثائهم واهتمامهم بأن لا يوقع بهم العدو، الذي، كما ذكرتُ، لا يهاجمنا من جانب واحد وحسب، ليشوشنا فلا نسلك بشكل صحيح، بل فعلياً يدعمنا طالما أن أفعالنا لا تتوافق مع إرادة الله. لهذا السبب، على الأقل بالنسبة لنا نحن الرهبان، من الضروري أن نقتني هذا الضوء لكي تكون هذه العيون مفتوحة وهذا الملح موجود دائمًا. هذا التفصيل من القانون الروحي الذي ذكرناه مهم حقًا ويجب أخذه بعين الاعتبار بجدية. لكني أعرف من تجربتي الخاصة أن المطيع الحقيقي لا يحتاج إلى مثل هذه الفروق الدقيقة. بكل بساطة، طالما هم دقيقون في طاعتهم، يكونون متحررين من القلق المتمثل في الاضطرار إلى تمييز ما إذا كانوا يسلكون حسناً أم لا، بالنظر إلى أنهم لا يزالون في حالة الرضاعة والطفولة

هذا هو سبب أيجاد حياة الشركة في كنيستنا. أوجدت الحياة الجماعية حتى يتمكن السابقون، أي الرهبان الأكبر سناً، من تحمل مسؤولية الأصغر. هذا هو السبب الذي جعل آباءنا يتقبّلون التعايش كجماعة، بينما عاش الرهبان في الأصل أفراداً كما تعلمون. لكن هؤلاء الرهبان المنفردين عادوا في وقت لاحق وأنشأوا مجتمعات، ونفذوا القول “احملوا بعضكم أحمال بعض”. يكتب القديس أفرام في أعماله: «ولكن الويل لمَن يحمل ولا يفهم». لهذا يتحمّل الرهبان الشيوخ ذوو الخبرة أعباء الضعفاء من باب الواجب. ويسعد الرهبان غير الناضجين والأصغر سناً بإخضاع أنفسهم عن طيب خاطر، وليس خنوعًا، بل بدافع الامتنان لأن الرهبان الأكبر سنًا قبلوا أن يضعوا جانباً اهتمامهم بأنفسهم وعادوا من أجل الأصغر سناً وأصبحوا معنِيين بضعفاتهم. إنهم يريدون تعليمهم الشريعة الروحية كي لا بعدم الخبرة يعملوا دون جدوى ولا يحققوا هدفهم. بهذه الطريقة ، يتم تفعيل قانون الدعم المتبادل

هذا ما أردت أن أذكركم به الليلة ولا يشعرنّ أيٌ منكم بالراحة لأنه بالعمل وجد شيئًا. ليس إلا إذا كان هذا الشيء شرعياً. هناك الكثير من المتسابقين في الحلبة، لكن واحد فقط يأخذ الجائزة. الشخص الذي ناضل شرعياً فيكون له “إِكْلِيلُ الْبِرِّ، الَّذِي يَهَبُهُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، الرَّبُّ الدَّيَّانُ الْعَادِلُ”. آمين

Source: Αθωνικά Μηνύματα