كم هي غير مقصودة الخطايا المرتَكَبة عن غير إدراك؟

كم هي غير مقصودة الخطايا المرتَكَبة عن غير إدراك؟

الأستاذ يوحنا كورناراكيس*

نقلتها إلى العربية أسرة التراث الأرثوذكسي

“بصراحة يا أبونا، لقد وقعت في هذه الخطيئة دون أن أدرك. لم يكن الأمر مقصوداً على الإطلاق. لم أكن أرغب في ذلك ولم أفكر بالقيام بذلك”. إلى أي مدى يمكن أن يكون هذا التأكيد حقيقيًا أو أقلّه ثابتاً، وما مدى صحة هذا الادعاء؟

بالتأكيد، يوجد حجة كتابية حول الطبيعة غير المقصودة للعديد من الخطايا، في الفصل السابع من رسالة القديس بولس إلى أهل رومية. هناك، يحدد رسول الأمم بشكل عام الطبيعة المضادة (التصارعية) لعمل الروح البشرية فيما يتعلق بعلاقتها، من ناحية مع ناموس الله، ومن ناحية أخرى مع الخطيئة الكامنة في هذه الروح

“إذاً أنا في الأساس لا أعرف ما أفعله. أنا لا أفعل ما أرغب فيه، لكن بدلاً من ذلك أفعل ما أريد أن أتجنبه… لذا وصلتُ إلى النقطة التي ليس أنا مَن يتصرف بل الخطيئة التي استقرت بداخلي. بهذه الطريقة، أنا لا أخدم الخير الذي أريده، ولكن الشر الذي لا أريده. لكن إذا فعلت ما لا أريده، فلن يكون التصرف قد صدر بقراري بعد الآن، بل بقرار الخطيئة التي استقرت بداخلي.”

صحيح أنّ هناك خطايا غير مقصودة. قد تكون الإغراءات المفاجئة أو المواقف غير المتوقعة في حياتنا اليومية وعلاقاتنا الشخصية، أقله ظاهرياً، هي العوامل المسؤولة عن خطيئة نرتكبها عن غير قصد

لكن، من زاوية أخرى، يبدو أن الخطايا غير المقصودة أو اللاواعية تشكل خطرًا على الضمير اليقظ عند الأشخاص المنخرطين في الصراع الروحي. يرتبط الخطر الكامن هنا بشكل غير مباشر بحقيقة أننا نحن أنفسنا، غالبًا ما نكون المنتقدين الوحيدين لأنفسنا، الذين يكشفون بكل صدق أحد تجاوزاتنا أو ارتدادنا أو فكرة خاطئة أو شك أو رغبة تتعارض مع المستوى الروحي الذي نحاول الحفاظ عليه. نحن نحكم على أفكارنا وأفعالنا ونؤكد لأنفسنا أن خطايانا كانت لا إرادية. وإلى هذا، لأننا مقتنعون “بكل نية حسنة” فنحن نحاول استخدام نفس الحجج لإقناع الآخرين، حتى أبينا المعرّف، بأن الأمر كان لا إراديًا

“ماذا عساي أقول يا أبونا؟ أنا مندهش من نفسي. يبدو الأمر كما لو أنني فقدت السيطرة وفعلت شيئًا لم أكن أعرفه، لم يكن خياري، ولم أكن أريده.” لاحظ القديس باسيليوس الكبير في حالة مثل هذه الادعاءات: “إن الأشخاص الذين أُجبِروا على ارتكاب خطيئةٍ ما دون أن يكونوا راغبين في ذلك، يجب أن يعلموا أنهم حتى ذلك الحين كانوا مربوطين بخطيئة أخرى موجودة بالفعل في داخلهم، وقد زرعوها عن عمد وهم الآن ينجذبون إلى هذه الخطيئة الموجودة مسبقًا وينشدّون إلى ما لا يريدون.” هذه الملاحظة من جانب القديس باسيليوس تهزّ أسس أي ادعاء يتعلق بعدم إرادة الخطيئة، لأنها تثير التساؤل عن مدى كون الخطيئة غير المقصودة حقًا غير مقصودة. كيف يمكنك أن تتأكد من أن خطاياك اللاإرادية هي فعلاً غير مقصودة وليست الفروع الطبيعية لخطيئة موجودة قبلاً ومرتَكَبة بالفعل عن طيب خاطر؟ في الواقع، ” اَلسَّهَوَاتُ مَنْ يَشْعُرُ بِهَا؟” (مزمور 12:19)ـ

إن الأشخاص الذين يعرفون الآباء يحلّون هذه المشكلة بالتغلب على الحجة التي تدلي بها نفسهم الآثِمة. فلأنهم يعرفون الخطر الذي قد يكمن في هذا الخط الفكري المتعلق بالطبيعة اللاإرادية للخطيئة، فإنهم يحرسونها من خلال الاعتراف بحزمٍ (في جميع الأوقات وفي جميع الأماكن) بخطيئتهم الشخصية المطلقة باعتبارها الحالة الطبيعية لحياتهم الروحية

بتعبير آخر، إنهم يؤمنون تمامًا بطريقة لا تقبل الجدال بأنهم أكبر الخطأة بين الذين ولدوا منذ آدم. هذا الوعي للخطيئة يتم التعبير عنه بوضوح وصفاء مواهبي في طروباريات القانون الكبير، والذي يتوافق تمامًا مع اعتراف القديس بولس “أنا أولاً”. “لا توجد خطيئة أو فعل أو شر في هذه الحياة، أيها المخلص، لم أرتكبه في الفكر والكلام والنية. لقد أخطأت عمداً وفي أعمال لم يسبق لأي كان أن أخطأ بها.” “إذا نظرت إلى أعمالي، أيها المخلص، أرى أنني قد تجاوزت خطايا الآخرين، لأنني كنت أعرف ما كنت أفعله ولم أكن جاهلاً”. “أسقط عند قدميك وأقدم هذه الكلمات على شكل دموع: لقد أخطأت كما فعلت الزانية وتعدّيتُ كما لم يخطأ أحد آخر على الأرض”

مع هذا الإدراك للخطيئة الشخصية المطلقة، يطهّر هؤلاء الناس عالمهم الداخلي بيقين الاستنارة بالروح القدس وبالتالي يتحررون من التفكير غير المجدي بل والخطير الذي يظلِم حقيقة حالتهم الشخصية من الخطيئة بدلاً من أن ينيرها. “لأنه يعرف الأشياء المخفية في القلب”. “لأَنَّهُ هُوَ يَعْرِفُ خَفِيَّاتِ الْقَلْبِ” (مزمور 21:44)ـ

في الواقع، بحسب القديس مكسيموس المعترف، الله وحده يفهم أننا لا نستطيع أن نرى ما في أعماق أرواحنا. إنه هو الذي يرى جميع أعمالنا ويحكم عليها بإنصاف. حتى “الحركة الخفية للروح والاندفاع غير المرئي”. هو وحده يفهم الحيثيات والأسباب الكامنة وراء هذه الحركات الخفية للروح و “نهاية كل شيء قد سبق تصوره”ـ

هذه هي الحقيقة. فإلى أي مدى يمكن أن تكون الخطيئة اللاإرادية غير مقصودة في قضاء الله؟

Source: Pemptousia: https://pemptousia.com/2017/12/how-unintentional-are-unwittingly-committed-sins/

* أستاذ شرف في اختصاص علم النفس الرعائي والاعتراف في جامعة أثينا. رقد بالرب سنة 2013. له العديد من الدراسات الرزينة في علم النفس الرعائي حيث يقرأ هذا العلم على ضوء الآباء وليس العكس، ما يجعل كتاباته فعلياً نافعة للمؤمنين وللرعاة، لا حشواً يوصلهم إلى أفكار خارجة عن خبرة الكنيسة وتقديسها