حلم أسقف

حلم أسقف

كان الأسقف منزعجاً عند لجوئه إلى الفراش، ففي الغد سوف يضع يدَه الرسولية على شخص ليس مقتنعاً باستحقاقه. لكن ما عساه يفعل؟ لقد ضغطوا عليه، لقد أقنعوه بذلك. لكن لمَ كل هذا القلق؟ أهي المرة الأولى التي يسيم بها أحدهم؟ في الماضي قد سام مَن هم أسوأ من هذا بكثير، واضطر لأن يجردهم لاحقاً، ولم تكن نهاية العالم. لكن البعض قد ينتقدونه. ما هذا الهراء؟ لم ينتقده أحد لأي من السيامات السابقة. لقد أذِن بالزواج في الصوم ولم ينتقده أحد. اشترك مع الطوائف الأخرى بالصلوات ولم ينتقده أحد. اختصر الصلوات ولم ينتقده أحد. أَقال هذا وثبّت ذاك، غطّى أخطاء هذا وفضح أخطاء ذاك، ولم ينتقده أحد. لمَ يهتمّ هذه المرة بالانتقادات؟ ثمّ، هل منتقدوه أفضل منه؟ ارتاح بعد هذا السؤال الجواب فنام.
في الليل رأى حلماً. رأى نفسه مغلولاً واقفاً أمام السيد الجالس على العرش. خلف السيد وقف كثيرون ينظرون إليه نظرات انتقاد. مرّ في رأسه ما فكّر فيه قبل النوم، فرأى أنّ لا بدّ من وجود منتقدين، أحياناً لا نراهم ولا نسمعهم. لكن بعض الوجوه التي خلف السيد مألوفة. فهذا الذهبي الفم، وهذا باسيليوس وذاك مكسيموس المعترف وهذا الأب برفيريوس وذاك… احتار في ماذا يفعل كل هؤلاء هنا. فهو يعرف أنّهم يحيطون بالسيّد، لكن لمَ هم مجتمعون الآن. تطلّع إلى يمينه فرأى مساعديه الذين كانوا يقنعونه بسيامة مَن لا يراه مستحقاً ورأى ذاك غير المستحق معهم. كل كهنة أبرشيته كانوا هناك أيضاً. كانوا كلهم مغلولين وأمامهم ملاك على وجهه إمارات الضجر. تساءل في ذاته: أيتضجّر الملائكة؟ نظر إلى يساره فرأى ملاكاً قلقاً، ووجهه مألوف، فعرف أنّه ملاكه الحارس.
لاحظ أنه مغلول، وما لبث السيد أن رفع يده معلناً ابتداء المحاكمة. عرف الأسقف أنّه يُحاكَم. فقال له السيد: لقد عرفتُ أنّك أطعمتَ الكثيرين من الجياع، وسترتَ الكثيرين، وآويت جموعاً، وجمعت شمل عائلات عديدة، وسمتَ بعض الكهنة الجيدين. لكنّ القديس تيموثاوس الإسكندري قال لي أنك مالأت الناس في مخالفتهم الشريعة، فأعطيت أذونات الزواج في الأوقات الممنوعة. هوسيوس أسقف قرطبة قال لي أنّك قبلت شمامسة وكهنة أبوا الكنائس التي عيّنوا فيها. إقليمس أسقف روما قال أنك صليّت مع المبتدعين. القديس باسيليوس اشتكى من أنّك قد بعثرتَني. فقد كنتَ تعطيني إلى رجال وتقول لهم أنهم سوف يُطالَبون بي في يوم الدينونة، مع أنّك كنتَ تعرف أنّهم لن يحفظوني. قال أنّك أسأت اختيار الكثيرين إلى الكهنوت. أمّا الراهبان أغابيوس ونيقوديموس فقد اشتكيا من أنك لم تراعِ ما كتباه: “كل الكهنة يجب أن يختاروا المعدّ للسيامة ويوافقوا على سيامته. وبعد أن يجري الأسقف الفحص ويعلن موافقته تتم سيامة المنتَخَب في وسط الكنيسة باشتراك الكهنة وحضور الشعب شهوداً. ولا يجوز أن تتمّ سيامة بصورة خفيّة”. فقد قال كاتبا البيذاليون أنّك أقمت سيامة سراً ولم تدعُ إليها الشعب والكهنة.
عندها تقدّم الملاك الذي كان يبدو عليه الضجر وسجد للسيد وقال: “أيها الرب، طالما أنكم تعرفون كل هذه الأمور بشهادة القديسين، فلماذا لا تصدرون الحكم وننتهي من هذه الجلسة. لقد أرسلتَ ابنك الذي أنشأ كنيسته وائتمنه ومساعديه عليها، فكما أن ابنك في مثل الكرّامين قال أنّهم طُردوا، اطرده هو ومساعديه وكلّ كهنته المتعللين بعلل الخطايا، ولننتهي من تكرار الأخطاء التي تعثِر أبناءك”. فأجاب السيد: “لست أريد موت الخاطئ إلى أن يتوب، لذا حكمي الآن هو أن يعود الأسقف إلى الأرض. لقد سمع ما قلنا، وما أخبرنا به القديسون”. عندها تدخّل داود الملك قائلاً: “لكنه كان يعرف هذه الأمور منذ حداثته، ومع ذلك عملها”. فأجاب السيد: “لم آتِ لأدعو أصحاء بل مرضى. أعيدوه إلى فراشه ولنرَ توبته غداً”. فإذا بملاكه الحارس يحمله ويخرجه من ذلك المجمع.
في الصباح استيقظ الأسقف. ما أن فتح عينيه حتى قفز حلمه إلى فكره. تأمّل به قليلاً، ثم قال “لطالما رأيت هذا الحلم وما زال حلماً، لنمضينّ إلى أعمالنا”.

Published
Categorized as قصة

Leave a comment