المناولة المقدسة: دواء الخلود وترياق الموت

المناولة المقدسة: دواء الخلود وترياق الموت

هيئة اتحاد اللاهوتيين اليونانيين*

نقلتها إلى العربية أسرة التراث الأرثوذكسي

“أيّها الانسان ارعدْ عند نظرك الدم المؤلـّـِه لانه جمرة تحرق غير المستحقين. إن جسد الله يؤلِّـــهني ويُغذيني. يؤلِّـــه الروح ويغذّي العقل على منوال غريب.”

إذا عزمنا على المناولة المقدسة في اليوم التالي، فإننا نُدرِج في صلاة المساء السابق خدمة المطالبسي التي تتضمن الكلمات المذكورة أعلاه. إذا فهمنا حقًا ما نقرأه، فإننا ندرك كم هو ثمين السرّ العجيب والرهيب. تساعدنا المناولة المقدسة على بلوغ كمالنا وتمجيدنا بالنعمة. إنه جسد المسيح ودمه، الذي عندما نشترك به يوحّدنا مع ربنا الإله الإنسان (مرقس 22:14-23؛ متى 26:26-28؛ يوحنا 53:6-56؛ 1كورنثوس 27:11) ـ

المناولة المقدسة هي شركة حقيقية وليست رمزية. إنها اتحاد المسيحيين مع مخلصنا يسوع المسيح على وجه التحديد، إذ بحسب إيماننا الأرثوذكسي يتحوّل الخبز والخمر بقوة الروح القدس الإلهية إلى جسد ودم يسوع المسيح. الخبز والخمر في القربان المقدس ليسا رمزين، كما يعتقد البروتستانت، لكنهما في الواقع جسد ودم المسيح الحقيقيان

في هذا السر العظيم والرائع، عندما نشترك في جسد ودم المسيح، فإننا نشترك في ربنا الإله الإنسان نفسه، لأن طبيعته البشرية ولحمه ودمه متحدان أقنومياً مع لاهوته. ويترتب على ذلك أنه عندما يشترك المؤمنون في جسده الطاهر ودمه الكريم، نشترك أيضًا في طبيعة الرب الإلهية ونصبح بالنعمة آلهة بالحقيقة

وبما أن العلماء ومنهم أطباء يعارضون اليوم هذا السرّ العظيم الذي منحه الله لنا والذي يجعلنا نحن المسيحيين آلهة، وهم يحرّكون شبح التدنيس والوقاحة بالمعلومات الخاطئة التي تشير إلى أن من المحتمل جدًا أن تنتشر الفيروسات والجراثيم القاتلة عِبر المناولة المقدسة، فمن الضروري الرد على هذه الإهانة والافتراء الفاضح ضد إيماننا ورفضهما

كما ذكرنا، الإفخارستيا المقدسة هي مشاركة المؤمنين في جسد المسيح ودمه. يؤكد اللاهوت الأرثوذكسي أنه بسبب اتحاد المسيح لطبيعتيه الإلهية والبشرية في شخص واحد، فإن الطبيعة الإلهية تعطي أو “تمرر” مميزاتها (“كمالاتها”) إلى طبيعتنا البشرية وهي التحرر من الأهواء والخلود والبَرَكة وكل الخاصيّات الإلهية الأخرى. وعلى المنوال نفسه، عندما نشترك نحن المسيحيين في جسد الرب ودمه، فإننا حقًا نصير آلهة بالنعمة ونشترك في الكمالات الإلهية، دون أن نتوقف لحظةً عن كوننا بشرًا. فكيف هذا السر الأسمى، الذي يجعلنا آلهة، الذي يحيينا، وبنعمته نصير خالدين، يمكن أن ينشر أيضًا فيروسات قاتلة؟ الملحدون أو الهراطقة، ومنهم البروتستانت، هم وحدهم من ينكرون تحول القرابين الإفخارستية إلى جسد ودم المسيح ويسمحون لهذا الفكر المعاكس والتدنيسي بالتسلل إلى أذهانهم

بالحقيقة، يمكن أن تؤذينا المناولة المقدسة لأنها “نار تحرق غير المستحقين”، أي الخطأة غير التائبين. مع ذلك، هذا الأذى ليس بسبب الجراثيم والفيروسات بل بسبب تقدّمنا من السر العظيم دون أن نتوب ونحصل على مغفرة خطايانا من معرّفِنا. في هذه الحالة، بدلاً من أن تكون الإفخارستيا الإلهية عاملاً للحياة الأبدية الخالدة، تصبح مصدراً للأمراض وربما لموت الجسد، كما يؤكد لنا القديس بولس بشكل لا يقبل الجدل (1 كورنثوس  27:11-30). لذا من الواضح أن سبب أي ضرر محتمل هو افتقارنا للندامة وعنادنا الروحي وانعدام الحس لدينا وليس أي جراثيم.

يقيم كهنتنا الإفخارستيّا الإلهيّة (القداس الإلهيّ) وجميع الأسرار المسيحيّة داخل الكنائس المقدّسة، بحضورٍ ومشاركة المؤمنين شخصيّاً. لا يمكن بأي شكل من الأشكال استبدال القداس الإلهي بالصلاة الفردية في المنزل، والتي على ضروريتها، ليست بديلاً عن القداس الإلهي. لهذا السبب، في أوقات اضطهاد الكنيسة القاسي (زمان الإمبراطورية الرومانية، الحكم التركي، أو الشيوعية الملحدة)، كان المسيحيون يذهبون سراً إلى سراديب الموتى أو إلى الكنائس القليلة التي ظلت مفتوحة، بما في ذلك من الخطر على حياتهم، للاشتراك في القداس الإلهي وتناول الأسرار الطاهرة

إن الإفخارستيا الإلهية هي السر المركزي لكنيستنا التي تشكّل جسد المسيح لأنها توحّدنا به وتجعلنا “مشاركين في الطبيعة الإلهية” (2 بطرس الثانية4:1). كما أنها تجعلنا كيانًا واحدًا فيما بيننا، في جسد المسيح الفائق القداسة، أي الكنيسة، وتكمّلنا كأقرباء حقيقيين لبعضنا البعض في المسيح. في الكنيسة الأرثوذكسية، علاقتنا مع الله ليست فقط روحية – نسكية – فردية، كما هو الحال مع الصلاة، بل هي أيضًا مرئية وجسدية من خلال اجتماع جميع المؤمنين معًا، في القداس الإلهي والمناولة المقدسة. لهذا السبب، بدون القربان المقدس والأسرار المقدسة الأخرى، لا تحقق الكنيسة مهمتها في تقديسنا وجعلنا آلهة بالنعمة

في كل زمن، نذهب نحن المسيحيين إلى الكنيسة بالاستعداد المناسب لنشترك في العشاء الأخير للرب أي القداس الإلهي. نحن نقوم بذلك بشكل خاص في وضعنا الحالي، بالرغم من تدخّل بعض موظفي الدولة والعاملين في وسائل الإعلام محاولين نشر الخوف البشري بيننا بالادّعاء بأن المشاركة في المناولة المقدسة تحمل معها خطر الإصابة بفيروس كورونا. إن الذين يقبلون ويحتضنون هذه الدعاية الخبيثة ضد كأس المناولة الإلهية المقدسة يقوّضون حياتهم الروحية ومستقبلهم الأبدي. هذا لأنهم، بعدم طاعتهم للمسيح، الذي طلب منا إقامة القداس الإلهي والمناولة، يغلقون باب الحياة الأبدية الذي فتحه لنا يسوع المسيح. إنهم يخشون من أنهم، بدلاً من الحصول على موهبة التقديس والخلود من خلال جسد الرب الثمين ودمه،  يتعرضون للعدوى والموت

أما موظفو الدولة، فنطلب منهم عدم إغلاق كنائسنا مرة أخرى. إذا كانوا لا يريدون احترام تقاليدنا المقدسة، فعلى الأقل فليحترموا الدستور الذي أقسموا على دعمه وهو ينظّم العلاقة بين الكنيسة والدولة بوضوح كبير: بحسب الطابع البطريركي لعام 1850، والذي تم دمجه في الدستور باعتباره المادة 3 ، فإن “السلطة الكنسية العليا أي المجمع المقدس لكنيسة اليونان يدير الشؤون الكنسية وفقًا للشرائع الإلهية المقدسة، بحرية ودون عوائق بأي تدخل علماني”

لذلك ندعو كل  الذين يرغبون في اختبار استمرار حياة قديسي كنيستنا إلى الحضور إلى كنائسنا بخوف الله وإيمان ومحبة، وبجرأة على التغلب على مخاوف البشر. وكما نقول في صلاة المناولة: “إقبلني اليوم شريكًا لعشائك السريّ يا ابن الله. لأني لن اقول سرّك لأعدائك. ولا أُقبّلك قُبلة غاشّة مثل يهوذا. لكن كاللص اعترفُ لك هاتفاً: أذكرني يا ربّ في ملكوتك.”

* تأسس اتحاد اللاهوتيين اليونانيين عام 1950 لتوحيد وتنظيم وتنسيق النشاط العام لخريجي المدارس اللاهوتية في اليونان، ومنهم إكليروس من كافة الرتب وعلمانيين. كان قد سبق قيام الاتحاد محاولات منها “الجمعية اللاهوتية الأرثوذكسية” إلا أنها لم تلقَ الاستجابة المناسبة. والاتحاد هو بمثابة هيئة نقابية علمية تحرص على العمل على نشر الإيمان على أساس اللاهوت الصحيح حفاظاً على الفضاء الروحي في البلاد. يضم الاتحاد في صفوفه العدد الأكبر من اللاهوتيين الأرثوذكس اليونان ويواصل نشاطه منذ تأسيسه. للاتحاد عدد من النشرات وهو ينظّم مؤتمرات مختصة دورياً ويصدر بيانات تعليمية باستمرار