تقديس الجسد البشري

تقديس الجسد البشري

أثناسيوس ميتروبوليت ليماسول

نقلتها إلى العربية أسرة التراث الأرثوذكسي

الإنسان هو هيكل الله الحي. هذا تعليم رسولي في كنيستنا، ما يعني أنه كما تسكن نعمة الله، نعمة الروح القدس في الكنيسة، الأمر نفسه ينطبق على الجسد البشري ونحن هياكل الله الحي. نحن نسمي الله حيًا لأنه لم ينعزل في مكان ما في السماء ونحن ببساطة نؤمن به ونقبله، لأنه يقيم فينا ونحن هيكله. بطبيعة الحال، لا يعني القديس بولس أن جزءًا من الوجود هو هيكل الله، بل يعني أن الشخص كله مُقدَّر له أن يصبح هيكل الله وعندما يتحقق ذلك يصبح حقيقة. هذا هو السبب الذي يجعلنا نظهر احترامًا وشرفًا كبيرين للشخص البشري بأكمله

عندما نكرّم قديسي الكنيسة، الذين هم أناس أكّدوا أنهم حقاً هياكل للإله الحي، فحفظوا وصاياه ووجدوا الحق، فإننا لا نكرّم أرواحهم أو تعاليمهم ولا حتى عقلهم فقط. نحن نكرّم القديسين كبشر كاملين، أشخاص تقدّسوا في كامل أرواحهم وجسدهم. لهذا نبجّل ذخائر القديسين المقدسة في الكنيسة وعظامهم التي نالت نعمة الروح القدس وهي هياكل للإله الحي. هذا هو السبب في أننا نحن المسيحيين الأرثوذكسيين لا نكرّم الرفات ببساطة كما نكرّم أسلافنا، لكننا نحتضن بقايا القديسين واشياءهم والأيقونات المقدسة لأننا نؤمن حقًا أننا بهذه الطريقة نتواصل بنعمة الروح القدس الذي اقتناه هؤلاء القديسين. بطبيعة الحال، هم لم يقتنوه فقط في هذه الحياة بل هم ازدادوا به الآن، إذ يحيون في حضرة الله

يصعب على الناس في الغرب أن يفهموا التوقير الذي نشعر به نحن المسيحيون الأرثوذكسيون تجاه القديسين عندما نبجّل بقاياهم المقدسة. في المسيحية الأرثوذكسية، كل شيء حول وجه القديس، لأن التمجيد يعمل على كل الكائن البشري في القديسين ويحتضنهم بالكامل. لهذا السبب، من الناحية الطبيعية، ترتبط القداسة بالأخلاق والتمام الخارجيين، لكن هذا ليس كل شيء بحسب الكنيسة الأرثوذكسية

القديسون هم بالطبع أخلاقيون ومستقيمون، لكن نعمة الروح القدس تتخطى هذه السمات البشرية والدنيوية وهي قوة الله غير المخلوقة التي تغطي كيان الشخص بأكمله بحيث يتقدس ككل. كما هو مذكور في الإنجيل وأعمال الرسل القديسين – وهذا إجابة واضحة لشهود يهوه والبروتستانت – ذهبت المرأة التي تعاني من نزف الدم ولمست طرف ثوب المسيح وشُفيت على الفور. لذلك نسأل: هل من الممكن أن يكون الثوب قد صنع المعجزة؟ بالطبع لا. كان المسيح هو الفاعل وذلك من خلال إيمان المرأة. كما جاء في سفر أعمال الرسل، أنه بمجرد أن يسقط ظل الرسول بطرس على المرضى، كانوا يُشفون. حتى أن  عباءات الرسل استُخدمت لعمل المعجزات. بالإيمان ونعمة الروح القدس، كانت المعجزات تتم ولا تزال. من الطبيعي أن القديسين لا يصنعون المعجزات بأنفسهم: إنها نعمة الروح القدس الساكن فيهم وأشياءهم التي تعمل جنبًا إلى جنب مع إيمان الناس والتي تصنع المعجزات والعلاجات وجميع التأثيرات المألوفة الأخرى التي تؤديها الرفات المقدسة والأيقونات المقدسة من أجل كل الذين يقاربونها بإيمان

وعندما يتحدث القديس بولس عن خطايا الجسد، فذلك لأن من واجبنا أن نحافظ على أجسادنا طاهرة وخالية من أي دنس وأي خطيئة، لأن الجسد مصيره أن يتمجد، كلّ الجسد مصيره التألّه والتقديس

عندما نُعمّد، نعتمد بكاملنا، لأننا نتقدّس ككل موحد. لهذا السبب، يتمّ دائمًا احترام رفات المسيحيين الراقدين والحفاظ عليها جيدًا. وهذا هو السبب أيضًا في أن الكنيسة الأرثوذكسية لا تقبل حرق أجساد الموتى: ليس لأن المسيح سيجد صعوبة في إحياء الموتى الذين أُحرِقوا، بل لأن تجنيز جثث الموتى ودفنها هو تعبير عن إيماننا بأن الجسد مقدس ومصيره التقديس والتمجيد بانتظار قيامة الأموات

Source: St. Andrew Greek Orthodox Church