رؤيا عجائبية

رؤيا عجائبية

قصة قصيرة

نقلها إلى العربية الأب اثناسيوس بركات

 

كان هناك رجلٌ له أولاد وخَدَم وثروة كبيرة، وكان شكوراً ومضيافاً للغاية. ذات مساء، بعد العشاء، نام. لكنه، في الصباح، وُجِدَ مطروحاً على الأرض بارداً وغائباً عن الوعي كما لو أنه ميْت. حمله أهُله إلى السرير مقدمين له الإسعافات الأولية ومحاولين تدفئتَه ليعود إلى وعيه. بعد عدة أيام، شُفي، فسأله أهلُه أن يُخبرهم ما الذي حدث له، وأين كان موجوداً حين كان ميْتاً لعدة أيام. لم يُجِب، بل كان يبكي كمن لا عزاء له وبدون توقف، و لم يُخبرْ أحداً بما جرى حتى ساعة موته. عندما اقتربت ساعة رقاده، طلب رؤية أكبر أولاده، وأمام الجميع، قال له التالي:
يا ولدي العزيز، إني أوصيكَ هذه الوصية الأخيرةَ وآمرك أن تحفظها بصرامة على قدر ما تستطيع. كن محسناً للفقراء وليكن عندك العطف على الغرباء والمسافرين. اعتنِ بهم في بيتك واخدمهم بكل محبة وعن طيب خاطر، وتصدّق عليهم بدون حساب على قدر ما يحتاجون، كما رأيتني أفعل حتى هذه اللحظة. فإن الضيافة هي أكثر الفضائل ترحيباً من قِبل الله، وهي تؤدي بفاعلها إلى تلقّي مكافآت عظيمة في ملكوت السماوات. ولكي أحرّك قلبك أنتَ وكلّ أقربائي إلى هذا العمل المُرضي لله من الحنان على الغرباء والفقراء والتعاطف معهم، أروي لك هذه الرؤيا العجيبة التي كانت لي يوم وجدتموني ملقىً على الأرض كميت قبل عدة سنوات.
إعلمْ أنني منذ صباي كنت أقدّم بالغَ التوقير لسيدتنا والدة الإله الفائقة القداسة، وفي كل يوم كنت أتلو لها المديح والتبريكات. بسبب هذا الشوق والمحبة، اللذين كان يفيض بهما قلبي من أعماقه، باركََني السيدُ، (المسيح) بشفاعاتها، وجعل لي نِعَماً وعطايا جزيلة، وخاصة بسبب تحنني على الفقراء والغرباء، كما تعلم، واستقبالي للجميع بمحبة، وعطائي بدون حساب لمن كان في عَوَز.
في تلك الليلة التي حدثت معي الرؤيا، سمعت صوتاً يناديني باسمي قائلاً: “انهض من السرير واتبعني”. عندما نهضت، أمسكني، الذي ناداني، بيدي بقوة، ومضى بي إلى وادٍ. اختفى، حينها، وتركني وحيداً في حيرة من أمري. فجأةً، سمعتُ من ورائي أصواتاً وشَغَباً. التفتُّ ورائي فرأيت جمهوراً عظيماً من الشياطين يهرعون نحوي كالوحوش لتقييدي. حالما شاهدتُ ذلك، شرعتُ بالركض بأسرع ما يمكنني، وقد تملكني خوفٌ شديد، حتى وصلتُ إلى منزل فدخلته وأغلقت الباب. إلا أنهم كسروا الباب ودخلوا لتقييدي.
لكي تفهم أفضل، أصغِ لهذا: كانت قد مرّت ثلاث سنوات منذ استقبالي غريباً في بيتي، في عشية عيد جميع القديسين، من أجل خدمته كما هي العادة. عند وصولي إلى البيت، قابلتُ غريباً آخر كانت أمُّك قد استقبلته بناء على طلبي منها بأن تستقبل وتستضيف كلّ إنسان كما لو أنه ملاكُ الرب، وسرعان ما كان أخوك قد جلب غريباً آخراً. لقد اختبرتُ، حينها، فرحاً عظيماً لهذه البركة باستقبالنا واستضافتنا في بيتنا لهؤلاء الغرباء الثلاثة الأمر الذي يشبه (نموذج) الثالوث القدوس. لقد قدمتُ لهم ضيافة غنية، على قدر ما أستطيع، بحسب عادتي.
عندما عدت إلى رؤياي، كان الشياطين قد دخلوا، فبدأت أصرخ إلى الله لكي يرحمني بشفاعة والدته الفائقة القداسة. رأيت، حينها، ثلاثة رجال ذوي طلعة بهية، فقالوا لي: “لا تخف، فقد أتينا لمساعدتك”. بعد أن طردوا الشياطين، سألوني إن كنت أعرفهم. أجبتهم: “لا، يا سيدي، لا أعرفكم”. فقالوا، عندها: “نحن الغرباءُ الثلاثة الذين استقبلتَ واستضفت بروح ابراهيمية وقد أرسلَنا سيدُنا لمساعدتك، لنكافئكَ على كل هذه المحبة التي أظهرت تجاهنا، وها قد أُنقِذْتَ من أيدي الشياطين”. وبعد أن قالوا ذلك، اختفَوا.
شكرت الله، وخوفاً من أن يزعجوني خارجاً، بقيتُ في البيت لفترة. بعد قليل، رسمتُ على نفسي إشارةَ الصليب وخرجت واضعاً اتكالي على الله. بعد أن مشيتُ قليلاً، رأيت الشياطين يركضون خلفي قائلين: “لنركض فنمسكه، في حال هرب”. انتابني الخوف، وصرت أركض بسرعة أكبر. صرخت إلى والدة الإله: “أيتها الفائقة القداسة خلصيني”. وهكذا ركضتُ، فأدركتُ نهراً من النار مليئاً بالأفاعي ووحوش الجحيم. كانت أجسادهم مغمورة ، كلّياً، بالنار وأفواههم، فقط، خارجها وهي مفتوحة كما لو كانوا في جوعٍ يبتغون أن يأكلوا. كان الشياطين الذين طاردوني يصرخون بي حتى أرتمي في النهر، أو أنهم يريدون أن يفعلوا ذلك بي بأنفسهم. حينها، تفحّصتُ المكان علَّني أجد مخرجاً. فرأيتُ جسراً ضيّقاً بالغَ الطول بدا كما لو أنه يصل إلى السماء. لم أعرف ما الذي ينبغي أن أنتقي من هذه الخيارات الثلاثة: الارتماء في النهر حيث الأفاعي والوحوش، أو الخضوع لسلطان الشياطين وهو أمر أسوأ من سابقه، أو تسلّقُ الجسر. اخترتُ الأمرَ الثالث. فتسلّقتُ الدرجات واحدة فواحدة فيما كان ينتابني خوف عظيم خشية الوقوع في النار. تبعتني الشياطينُ الماكرة وهي تصيح وتهددني. في بلوغي أعلى الجسر، أدركتني، فصرخت إلى والدة الإله: “أيتها الفائق قدسها خلصيني”. حينها، ظهرت أمامي أمُّ المراحم ومدت إلي يدَها اليمنى قائلةً: “لا تخف يا خادمي الحبيب، كنتَ تصلي وتقيم لي خدمة المديح وتحب الفقراء الإخوة الصغار لابني وملكي، لهذا أتيتُ لأُعينك”. في قولها ذلك، أمسكتني بيدي، ويا للعجب! في لحظة، أعادتني إلى البيت، ورجعَتْ روحي إلى جسدي، فقد كنت ميْتاً كما تعلمون.
لذا، لا تهمل خدمتَك لوالدة الإله الفائقة القداسة. بل، في كل ساعة، رتِّلْ لها ومجّدها بحسب الواجب كما فعلتُ أنا والدَك. بهذه الطريقة تعتمدها لك معينة في كل ما تحتاجه. هذه وصيتي الأولى لك. والثانية هي ما قد ذكرتُه لك سابقاً، أن أرغِم نفسَك، بقدر ما تستطيع، على محبة الغرباء والفقراء والأرامل واليتامى، إذا كنت ترغب بالتمتع، في هذا العالم، بكل شيء صالح، وبأن ترث الحياة الأبدية.
بعد أن تفوَّه ذلك الرجل المبارَك، أمام الحاضرين، عن أمر تكريمه والدةَ الإله ومساعدته للفقراء، أسلم روحه إلى يدي خالقِه. عاش ابنُه، الذي كان يتذكر حياته وكلَّ نصائحه الأبوية، حياةَ فضيلة. وفي نهاية حياته الأرضية، وُجِدَ أهلاً للملكوت السماوي.

Published
Categorized as قصة

Leave a comment