خطيئة آدم وافتداء المسيح لنا

خطيئة آدم وافتداء المسيح لنا

القديس سمعان اللاهوتي الحديث

نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي

1.  مما تكوّنت خطيئة آدم؟

آدم أول الخليقة، كونه كان في الفردوس، سقط في الغرور بخديعة الحية. ولأنه حلم بأن يكون إلهاً على ما أخبره الشرير، تذوّق الشجرة التي منها أمره الرب بالاّ يأكل. لهذا سُلّم إلى تأديبات عظيمة: الفساد والموت وتذليل زهوه. لكن يعط حكماً عندما يدين الرب لسبب ما، وحكمه صار الأعمال والعقاب الأبد، ولم يعد هناك أي إمكانية لإبطال هذا الحكم الصادر عن قضاء الله.

لكن افتكروا الآن: أخطأ آدم خطيئة كبيرة إذ لم يؤمن بكلمات الله، لكنه صدّق أقوال الحية. قارنوا الله بالحية، وسوف ترون كم هي عظيمة خطيئة آدم الحكيم. في حكمته العظيمة أعطى أسماء لكل الحيوانات (تكوين 19:2-20). ولكن بكل وحه صدّق الحية وليس الله، فتخلت عنه النعمة الإلهية التي كانت قد استراحت عليه. ظن آدم أن الله يحسده وأنه لا يرغب له بأن يعرف الخير والشر، وافتكر أن الله أوصاه بعدم تذوق ثمرة شجرة معرفة الخير والشر حتى لا يصبح هو بدرره إلهاً مثل الله الذي خلقه. فتذوّق، وعرف مباشرة عريه، وبدل أن يصبح إلهاً أصبح قابلاً للفساد، وكفاسد صار قابلاً للموت.

2.  كيف صار كل الناس، بسبب خطيئته، قابلين للفساد والموت؟

ولاحظوا كما ترون، حكم الله يبقى إلى الأبد كعقاب أبدي. وكلنا نحن البشر أصبحنا قابلين للفساد والموت، وليس هناك ما يزيح هذا الحكم العظيم المرعب. وإذ ليس هناك إمكانية لرفع هذا الحكم، فما هي الفائدة في الحكمة أو الثروة أو السلطة أو حتى في العالم كله؟ لهذا السبب، ابن الله ذو القدرة الكليّة، الرب يسوع المسيح، واضع نفسه في مكان آدم. وبالحقيقة قد واضع نفسه حتى إلى موت الصليب. كلمة الصليب، كما يقول الكتاب المقدّس، هي “ملعون كلّ مَن عُلّق على خشبة” (غلاطية 13:3).

أخذ آدم من ثمرة الشجرة بدون أن يكون محتاجًا لها، وهي الشجرة التي أوصاه الله بألاّ يذوقها، منذراً إياه بأن يموت إذا تذوقها. لقد تذوّق ومات. علنا أن نعرف بما أنّ للإنسان جسد ونفس، فعنده موتان: موت النفس وموت الجسد. وعلى المنوال نفسه، هناك أيضًا بقاءان: بقاء النفس وبقاء الجسد، بالرغم من أنهما في إنسان واحد، لأن النفس والجسد هما إنسان واحد.

وهكذا، آدم مات بالروح مباشرة ما أن تذوّق. ولاحقًا، بعد تسعمئة وثلاثين سنة مات بالجسد. فكما أنّ موت الجسد هو افتراق النفس عنه، كذلك موت النفس هو افتراقها عن الروح القدس الذي به خلق الله الإنسان وسرّ بأن يظلله حتى يعيش كالملائكة مستنيراً دائماً بالروح القدس ويبقى صامدًا في وجه الشر. لاحقاً، لهذا السبب، صار كل الجنس البشري قابلاً للموت في الجسد والنفس، تمامًا كما صار آدم الأب الأوّل. لم يعد الإنسان كما خلقه الله. ولم يعد هناك أي إمكانية لأن يصبح أيّ مخلوق كما كان آدم قبل عصيانه الوصية. لكنه كان ضرورياً أن يوجد إنسان مثل هذا.

3. كيف حرّر الإله المحب البشر الجنس البشري من الفساد والموت بواسطة تدبير التجسد؟

وهكذا الله، رغبةً منه في أن يكون الإنسان مثل آدم عند خلقه في البدء، أرسل إلى الأرض في الزمان الأخير ابنه الوحيد. فأتى وتجسّد وقبل بشرية كاملة، حتى يكون إلهًا كاملاً وإنسانًا كاملاً، وهكذا يكون للألوهة إنسان مستحق لها.

وانظروا إلى هذا الإنسان! لم يكن ولا يوجد اليوم ولن يكون مثله. ولكن لماذا صار المسيح هذا الإنسان؟ لكي يحفظ الشريعة والوصايا، وهكذا ليدخل في معركة مع الشرير ويغلبه. كلاهما، الإنسان والإله كانا فيه. إذ لو كان المسيح الإله فقط، أي الذي أعطى الوصايا والشريعة، فكيف له ألاّ يحفظ ما أعطاه بنفسه؟ وإذا كان هو الله، كما هو بالحقيقة، فكيف يمكن له أن يُخدَع أو يُضلّل بتحايل الشيطان؟ فالشيطان على الأكيد، كونه أعمى وأحمقًا، قام مصارعًا المسيح. لكن هذا كان حتى يتمّ سر عظيم مهيب، أي حتى أنّ المسيح البريء من الخطأ يتألّم، وعبر هذا الألم يحصل آدم الذي أخطأ على الغفران. لهذا أيضًا كان الصليب بدل شجرة المعرفة، وبدل حركة قدمي الجدّين الأولين نحو الشجرة المحرّمة، وبدل مدهما ليديهما لأخذ ثمرة الشجرة، علّقت يدا ورجلا المسيح البريء، وبدل تذوّق الثمرة، كان طعم المرّ والخل، وبدل موت آدم كان موت المسيح.

ثم ماذا جرى؟ رقد المسيح في القبر لثلاثة أيام، من أجل سرّ الثالوث الأقدس، ولكي يُظهر أنّ التدبير هو عمل الثالوث  كله حتى ولو كان الوحيد الذي تجسّد وتألّم.

وممّا يتكوّن هذا التدبير؟ أحد أقانيم الثالوث القدّوس، أي إبن الله وكلمته، في تجسده قدّم نفسه بالجسد كضحية لألوهة لله وألوهة الابن وألوهة الروح القدس، حتى يُغفّر عصيان آدم الأول خيرياً بسبب هذا العمل العظيم المهيب أي بسبب الضحية المسيح ولكي تتمّ بقوتها ولادة جديدة وإعادة خلق للإنسان بالمعمودية حيث نتطهّر بالماء الممزوج بالروح القدس. منذ ذلك الحين، يعتمد الناس بالماء ويغطَّسون فيه ويُنتَشَلون ثلاث مرات على صورة دفن السيد الثلاثي الأيام، وبعد أن يموتوا فيه عن هذا العالم الشرير، في النشلة الثالثة هم أحياء وكأنهم أُقيموا من الأموات أي أن نفوسهم قد أتت إلى الحياة مجدداً وحصلت على نعمة الروح القدس كما كانت عند آدم قبل الخطيئة. ومن ثمّ يُدهَنون بالميرون المقدّس وبه يُمسَحون مع يسوع المسيح، ويشعّون بطريقة تفوق الطبيعة. وكونهم بهذا صاروا مستحقين لأن يكونوا مشاركين مع الله، فهم يتذوّقون جسده ويشربون دمه، ومن خلال الخبز والخمر المقدَّسين يصيرون من نفس جسد ودم الله الذي تجسّد وقدّم نفسه كضحية.

بعد هذا لا يهود ممكناً للخطيئة أن تتسلّط عليهم أو أن تستبد بهم، لأنهم آلهة بالنعمة. بما أنّ آدم سقط تحت اللعنة وعِبره كل البشر المتحدّرين منه، إذًا حكم الله المتعلّق بهذا لا يمكن إبطاله، وبالتالي المسيح كان لعنة لنا من خلال تعليفه على شجرة الصليب لكي يقدّم نفسه ضحية لأبيه، كما قيل، ولكي يبطِل حكم الله بقيمة الضحية الكبيرة. إذ ما هو الأعظم من الله، كما أنه لا يوجد في الخليقة المنظورة ما هو أعظم من الإنسان (لأن كل شيء خُلق من أجله)، كذلك الله هو أعلى من اكل المخلوقات بشكل لا يٌقارَن ولا يستطيع أي شيء أن يقارَن به، لا الخليقة المنظورة ولا غي المنظورة.

وهكذا، الله، الأعلى بكل لا يُقارن من كل خليقة منظورة وغير منظورة، قبل الطبيعة البشرية الأرفع من كل الخليقة المنظورة وقدّمها كضحية إلى ربّه وأبيه. ولأن أراد أن يشرف هذه الضحية، لم يتركها بيد الموت. لذلك أبطل حكمه وأقام أولاً من الموت ذاك الذي قدّم نفسه ضحية للفداء وكبديل عن البشر الذين هم من سلالته، وهم سوف يقيم أيضاً كل البشر في اليوم الأخير عند نهاية هذا العالم. وإلى هذا، نفوس الذين يؤمنون بيسوع المسيح ابن الله، بهذه الضحية العظيمة الرهيبة، يقيمها الله في الحياة الحاضرة. ونعمة التي يعطيها الروح القدس التي يمنحها لكل مسيحي وكأنها نفس جديدة هي إشارة إلى هذه القيامة. إن نفس المسيحي هذه تسمّى “جديرة بالثقة” أو مؤمنة، لأنها مؤتمنة على الروح القدس الذي من الله وهي مقبولة منه. فروح الله هو الحياة الأبدية، لأن الروح القدس هو الله الأزلي المنبثق من الله الآب.

4. ممّا يتكوّن سر ودفن ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح؟

وهكذا إذاً أصبح الصليب وكأنه مذبح هذه الضحية الرهيبة – إذ على الصليب مات ابن الله بسبب سقوط الإنسان – فلذلك يوقّر الصليب بحق ويكرّم ويصوّر كرمز القيامة العامة لكل البشر، حتى يتحرر الذين يسجدون خشبة أمام الصليب من لعنة آدم ويحصلون على بركة الله ونعمته لعمل كل الصالحات. عند المسيحيين، الصليب هو تمجيد وبهاء وقوة: لأن كل قوتنا هي في قوة المسيح المصلوب، وكل قابلية الخطيئة عندنا أميتت بموت المسيح على الصليب، وكل رفعتنا ومجدنا هي في اتضاع الله الذي تنازل إلى درجة أن يُسرّ بالموت حتى بين الأشرار واللصوص. لهذا السبب بالذات، المسيحيون الذين يؤمنون بالمسيح، يرسمون إشارة الصليب لا بشكل مجرد ولا كما يتفق ولا بقلة اهتمام، بل بكل انتباه وخوف ورعدة وبوقار مفرط. هذا لأن صورة الصليب تظهر المصالحة والصداقة التي دخل فيها الإنسان مع الله.

لهذا تخشى الشياطين صورة الصليب ولا يجرؤون على النظر إلى إشارته مصورة حتى ولا في الهواء، بل هم يهربون منها مباشرة عارفين أن الصليب هو إشارة المودة بين الله والبشر وبأنهم، كمرتدين عن الله وأعداء له مبعدين عن وجهه الإلهي، ليس لديهم الحرية للاقتراب من الذين تصالحوا معه واتحدوا به، ولا هم يستطيعون أن يجربوهم. وإذا بدا وكأنهم يجربون بعض المسيحيين، فليعلم الجميع أنهم يحاربون الذين لم يفهموا سر الصليب الرفيع بشكل مناسب.

أمّا الذين فهموا هذا السر واختبروا بالحقيقة سلطة الصيب وقوته على الشياطين، هم فهموا أيضاً أن الصليب يعطي النفس القوة والقدرة والحكمة الإلهية. هؤلاء يصرخون بفرح عظيم: ” ” (غلاطية 14:6). وهكذا، بقدر ما هي إشارة الصليب عظيمة ومرهوبة، على كل مسيحي أن يرسمها بخوف ورعدة، بتوقير وانتباه، لا بشكل مجرد ولا كما يتفق، لمجرد العادة وبلا انتباه، إذ بحسب درجة التوقير التي يظهرها المرء للصليب، يتلقّى هذا المرء قوة مناسبة ومعونة من عند الله، له المجد والسلطان إلى الأبد. آمين.

Leave a comment