الحياة المسيحية

الحياة المسيحية

من رسائل القديس ثيوفان الحبيس

ترجمة الأب أنطوان ملكي

هل تبدأ الحياة المسيحية، عند كل الناس، بهذا التمزّق المصوّر في الحرب ضد الخطيئة؟ وهل الأمر حقيقة هكذا، أي أنّ كل مَن لم يختبر هذا التمزق لم يبدأ بعد حياته كمسيحي؟

لا، هذه ليست حالة الجميع. إن الذين حفظوا نعمة المعمودية في كل طهارتها لا يختبرون هذا التمزق، إذ يجب أن يأتي وقت فيه يعتبرون طريقة الحياة التي عرفوها منذ طفولتهم أساسية لأنفسهم. وهذه الطريقة هم اتبعوها لأن أهلهم اختاروها وبسبب من التقليد والعادة. في هذه الحالات لا يكون هناك تمزق مؤلم لأنهم في وصولهم إلى القناعة بأن من الجيّد لهم أن يكونوا مسيحيين، وفي اتخاذهم هذا القرار، يجدون أنفسهم مهيئين، داخلياً وشكلياً، لكل ما هو مطلوب لعيش حياة مسيحية، أي: أفكارهم، أحاسيسهم، نزعاتهم وعلى المنوال نفسه، كل نظام حياتهم وأخلاقهم وقوانينهم تكون مصقولة بحسب روح المسيح. في هذه الحالة، لا شيء جديد يُضاف. إنهم ببساطة يبدؤن الآن يدركون بشكل واعٍ أن من واجبهم المسيحي هو القيام بكل ما كانوا يقومون به عن طريق العادة والتقليد إلى تلك الساعة. مباركة هي هذه النفوس!

ولكن كَم هم نادرون! إن أغلب الذين يتوصلون إلى فهم أنهم بحاجة للخلاص، يكتشفون في ذواتهم وفي طريقة عيشهم مقداراً كبيراً يقودهم لا إلى الخلاص بل إلى الهلاك: مفاهيم خاطئة أو مشاعر ونزعات قاسية، أو عادات شهوانية، أو علاقات غير طاهرة أو غيرها. عندما يتخذ هؤلاء الأشخاص القرار بعيش الحياة المسيحية، لا يستطيعون تلافي التمزق المؤلم لأنهم لا يستطيعون إلاّ ان يقتلعوا أنفسهم من الذي كان إلى تلكىاسلاعة يعطيهم المتعة، وأن يوجهوا قلوبهم نحو ما كان يبدو لهم بغيضاً. بقدر ما للإنسان عادات وأحاسيس شهوانية، بقدر ما يكون قد قضى متعايشاً معها، وبهذا القدر تعترض نفسه آلام وصعوبات في عملية التحول إلى الله. إن عبارة “الحرب ضد الخطيئة” تحدد بجدارة تحوّل الخاطئ الكبير.

وهناك أيضاً فئة ثالثة من الناس: الذين يظهرون كمسيحيين نموذجيين ولكن في داخلهم قصة مختلفو بالكليّة. إنهم لا يملكون أي فكرة عن الحاجة لتغيير أنفسهم وهم يبقون على ما هم عليه. في غضون ذلك، إنهم في حالة مريعة. إنهم العذارى الجاهلات.  فخارجياً معهم مصابيح لكنها فارغة بدون زيت ولا فتيل. فليحفظنا الله من هذه الحالةّ وهؤلاء لم يختبروا التمزق المؤلم، ويعتبرون أنفسهم بين المسيحيين الذين يرضون الله. لكن بينهم وبين الفئة الأولى فرق كبير. فأفراد الفئة الأولى لا يزالوا يتذكرون الوقت الذي فيه وضعوا على أنفسهم نير المسيح المبارك، لا بل هم يعتبرون أن ما حافظوا عليه عن طريق العادة لا غتى لهم عنه، ولا يستطيعون أن ينسوا معنى ذلك. أما الآخيرون فليس لهم هذه الخبرة ولا يتذكرون هكذا أمر. إنهم يحيون ببساطة كما تعوّدوا. هذا قد لا يكون سيئاً جداً، أما المأساوي هو أنهم لا يتخطون المظاهر الخارجية للحياة المسيحية التي تخلّص النفوس. إنهم يسمحون لكل أنواع البذاءة والفجور بأن تنشأ هناك. إنهم متجمدون في الأمور الخارجية. والأخطر، في اعتبارهم أنفسهم أبراراً، أنهم يضعون كل شخص آخر في رتبة الخاطئين، خاصةً الذين لا يقدّمون لهم الاحترام اللائق بما يعتبرونه “قداسة” في نفوسهم. أما الشك الذي ينتج عن هذا والثرثرة اللذين ينتشران بحرية من اعتدادهم بأنفسهم، فهما مرضهم الأساسي. فليحفظْنا الله من الوقوع في هذه النزوة!

جيد أنك تجد لذة في البقاء بالبيت، والأفضل أن تكثر من هذا. المتع الخارجية، حتى البريئة منها، نادراً ما تقود إلى أي خير: بالأحرى، إنها أول الأبواب المؤدئة إلى الشر. إنها تضعف النفس وتخرجها من مقدِسها الداخلي. وبعد اختبار هذه المتع، لا يبقى المرء هو نفسه بل هو مثل رجل مكسور. عندما يقع شخص فجأة وينجرح، يحس الناس بالأسى من أجله. أما عندما يرمي نفسه ليرتطم بالأرض من دون أي حذر فيكسر كل عظتمه، لا أحد يشفق عليه. على العكس، يوبخه الجميع. لماذا نجلب الأذى لأنفسنا؟ أكل التفاحة، مع كونه عملاً جميلاً وشهياً، لم يكن أبداً عملاً بطولياً عظيماً. بعده، على أي حال، اضطر ابن الله أن يُصلب لكي يقوّم الأمور على نحو صحيح.

ما هو نوع الموسيقى التي تنوي الاستمتاع بها؟ في أغلبها، عروضنا الموسيقية هي هراء: إنها تدغدغ الأذن ولا تقدّم شيئاً. انا لست أربطك، لكن أن تذهب هو أمر مثير للشفقة: انت فقط سوف تخسر تركيزك وتحس بالإحباط. الاستماع إلى الموسيقى العالمية سوف يتلف موسيقاك الداخلية. “لا تحبوا العالم ولا أشياء العالم”. هل سوف تكون مع الله هناك؟ بصعوبة، إذ أي نوع من الشركة سوف تجد هناك؟ عالم الفن حسي وحتى لحمي. من الصعب أن نقول “لا”. أنا أصدّق ذلك. لكن أن تكون مع الرب يتطلب صلب الذات، وصلباً للذات حقيقياً وليس ماورائياً. متى يتمّ هذا؟ كن غيوراً لذلك، إذ عندها سوف يطفح قلبك بهذه التعزيات كما سوف تطفئ كل عطش لأي نوع آخر من التعزية.

المجد للهّ انت قد هدأت. فليساعدك الرب على ألاّ تؤذي نفسك. لكن لتكن مشيئة الله. إن النَفَس النتن الذي لروح التملق الناشط في أبناء المعصية قادر على إتلاف أكثر الناس براءةً.

إن كسلك في ما يتعلّق بالأمور الروحية ينشأ من كونك مستغرقاً بلإفراط في عملك. لا تحملنّك هذه الأمور معها وإلا فرأسك يصبح ضبابياً وبعدها يعاني قلبك من التأثير نفسه.

Leave a comment