ما هو الإنسان الجسدي العتيق والروحي الجديد

في عيد ارتفاع صليب السيد الكريم المحيي

ما هو الإنسان الجسدي العتيق والروحي الجديد

للقديس تيخن الزادونسكي

عن كتاب منهج الواعظ، ترجمة أبيفانيوس مطران عكار وتوابعها.

لقد قال السيد يسوع المسيح في إنجيله الشريف ماذا ينبغي لنا أن نعمل حتى نخلص وأن ما علّمه المخلّص بالقول أثبته بالفعل. علّم الوداعة واتضع. علم الصبر وكان صبوراً في كل حياته على الأرض. علّم المحبة للأعداء وأحبّنا نحن أعداءه. أجل أحبّنا هكذا حتى أنه لم يرفض الموت من أجلنا. فمَن أراد أن يكون مسيحياً ويشترك مع السيد في ملكوته الدائم يجب علبه أن يتبعه في كل أمر وأن ينزع الإنسان العتيق، أي الإنسان الجسدي، ويتّشح بالجديد أي الروحي.

كما أن الجسد يختلف عن الروح كذلك أعمال الإنسان الروحي تختلف كل الاختلاف عن أعمال الإنسان الجسدي. الإنسان الجسدي يندفع وراء الحصول على الملذات الوقتية، أمّا الروحي فيندفع للحصول على الأبدية. الأول يفتش عن الجائزة في الحياة الحاضرة أمّا الروحي فينتظرها في الآتية. الإنسان الجسدي يفتخر أمام الجميع ويحتقر الكل، أما الروحي فيتواضع أمام الناس. الإنسان الجسدي يشتم الشاتم، ويوبخ الموبخ، ويقدح القادح، ويبغض المبغض. أمّا الروحي فإذا شُتم يتعزى، وإذا اضطُهِد يصبر، يبارك لاعنيه، ويعمل الخير لعدوه. الإنسان الجسدي يحقد لأقل إهانة، ويبحث عن طريق الانتقام. أمّا الروحي فيصلّي من أجل الذي يريد سلب حياته قائلاً: “يا سيد لا تكتب عملهم هذا خطيئة لهم”. الإنسان الجسدي يختلس مال الغير، أمّا الروحي فيتمسّك بالطهارة والعفاف. الإنسان الجسدي يضرّ بالهيئة الاجتماعية، أمّا الروحي فينفعها. الإنسان الجسدي لا يكترث بالخطيئة، أمّا الروحي فيهرب من أقل زلة كما من الأفعى. الإنسان الجسدي يعلّق آماله على الخيرات البالية وعلى المناصرين الأرضيين، أمّا الروحي فيتّكل على مساعدة الرحيم الوهّاب وعلى القديسين سكّان السماء. الإنسان الجسدي لا يريد أن يفارق جسده الفاني، أمّا الروحي فيرغب في الانفكاك عنه بطيبة خاطر.

فمِن أعمال كل منهما يظهر لنا أن الخطيئة تسكن في الأول وتستولي عليه. أمّا النعمة الإلهية فتسكن في الثاني. ومن هذا يتبيّن لنا أن الله يسخط على الأول ويرحم الثاني. أعمال الإنسان الجسدي وحياته تختلف عن أعمال الإنسان الروحي وحياته. كما أن حالة كل منهما مختلفة بعد الموت. قد يكون موت الجسدي قاسياً، أمّا الروحي فيكون بسلام. الأول يحزنه الموت، والثاني يبهجه. الإنسان الجسدي بموته الوقتي يموت إلى الأبد، أمّا الروحي فينتقل إلى الحياة الأبدية بواسطة الموت. الإنسان الجسدي ينتقل من الأتعاب والمصائب والأحزان إلى أعظم منها، أمّا الروحي فينتقل من الحزن إلى الفرح، ومن الكآبة إلى التعزية، ومن المصائب إلى السعادة، ومن الأتعاب إلى الراحة الأبدية. وهكذا يسكن الإنسان الجسدي النار الأبدية مع الشيطان وجنوده، والروحي يكون في الفرح الدائم مع المسيح، لأن كلاً ينال ما يستحق حسب أعماله.

هذا هو الإنسان الجسدي والإنسان الروحي. وهذه هي أعمالها. فالعطاء يكون بموجب الأعمال. ومما ذُكر تقدر أيها المسيحي أن تفكر في أمر نفسك إن كنتَ جسدياً أو روحياً. فإن كنت تعمل بموجب شريعة الروح وتبحث عن الأمور الروحية، فأنت إنسان روحي. وإن كنت تعيش بموجب الجسد وتبحث عن الأمور الجسدية فأنت إنسان جسدي. إن شئتَ أن تخلص فلا بد لك من ترك الأمور الجسدية والأخذ في البحث عن الأمور الروحية. يمكنك بنعمة الرب أن تتبدل من الإنسان العتيق إلى الإنسان الجديد ومن الجسدي إلى الروحي. لا بد للجسد أن يثور عليك برغائبه وشهواته ويتغلّب عليك. فقاومْه حينئذ بسلاح الروح.

إن ثار عليك الجسد بالكبرياء فتسلّح بسلاح الوداعة متذكراً أنك من التراب وإلى التراب تعود. وإن ثار عليك بشهوة الزنى داعياً إياك إلى الفساد فتسلّح بروح الطهارة والعفاف، أو ثار عليك بحب الكسب فقاومه بالقناعة. أو برغبة الإفراط في اللذة فقاومه بروح التقشف والعفة، أو بالرغبة في السرقة والاختلاس فقاومه بروح السخاء والرحمة. أو بحب الانتقام، فقاومه بروح المسامحة. وهكذا دعْ الروح يتغلّب على الجسد مستعيناً بالسيد يسوع المسيح الذي تحمل اسمه. إن هذا الجهاد ضد الجسد لا يُطلَب من الرهبان فحسب كما يظن أبناء عصرنا بل من المسيحيين كافةً: يطلَب من الملوك والأمراء والسادة والأشراف وقواد الجيش والحكام والضباط والجنود والأحرار والعبيد والأغنياء والمساكين والرجال والنساء والشيوخ والشبان والأصحاء والسقماء والتعساء. وبالاختصار يطلَب هذا الجهاد من جميع الراغبين في الخلاص والمستدعين معونة الله لأجل إتمام ذلك. إن هذا الجهاد صعب جداً لأن التغلب على الشر الفطري يقتضي تعباً عظيماً. كثيرون دوخوا ممالك كبيرة وفتحوا مدناً حصينة وهم أسرى للشهوة الجسدية. أجل إن هذا الجهاد صعب جداً لكنه ضروري. الطريق الذي يؤدي وحده إلى الحياة الأبدية ضيق محزن. لا يوجد أحد من سكان السماء لم يسلك هذا الطريق. لقد جاهد سكان السماء القديسون، وأنت تقدر أن تجاهد. وغلبوا الصعوبات وأنت تقدر أن تتغلب عليها. لأنه كما ساعدهم المجاهد العظيم السيد يسوع المسيح في جهادهم كذلك يساعدك أنت. يساعدنا المسيح المخلص عندما ينوّر أعيننا الداخلية بكلمته كما يهددنا بالعذاب الدائم إن عصيناه ويعدنا بالخيرات إن أطعناه. يساعدنا عندما يدعونا إلى التوبة بواسطة خدامه أو بواسطة المصائب التي تنزل بنا. إننا نشعر بالمساعدة العلوية عندما نفكر بذكر الموت في نفوسنا وبخوف الجحيم. إننا نشعر بمساعدة الضابط الكل عندما يستولي علينا الحزن والكآبة من أجل الخطيئة، وبالراحة والسرور من أجل الفضيلة. إننا نشعر بنعمة المساعدة عندما يعزينا ضميرنا أثناء المصائب والأحزان، وعندما نرغب في الحصول على النعم السماوية. إننا نشعر بالمساعدة السماوية إذ نسمع في داخلنا ذلك الصوت الأبوي: “تعالوا إلي يا جميع المتعَبين والمثقَلين وأنا أريحكم” (متى 28:11).

Leave a comment