من وحي أسبوع الصلاة من أجل الوحدة

من وحي أسبوع الصلاة من أجل الوحدة

الأب أنطوان ملكي

(عن نشرة الكرمة)


لقد عرف القرن المنصرم اهتماماً كبيراً بالعمل المسكوني شارك فيه الكثيرون من المخلِصين الذين يؤلمهم أن لا يكون كل الذين يعلنون المسيح إلهاً لهم مجتمعين في كنيسة واحدة. ومع هذا فقد كان هناك ذئاب بين الخراف يسعون إلى تسخير هذه الوحدة لمآرب عالمية بغض النظر عن إن كانت وحدة في المسيح أو بدونه. نسمع اليوم أصواتاً في الغرب تستعجل الوحدة لأن الألفية الثالثة حلّت. التواريخ والأزمنة لا تحدد مصير الحوار المسيحي. الانشقاق بحد ذاته كارثة ليس أكبر منها إلا وحدة من دون المسيح.

نعرف اليوم أصواتاً كثيرة في الغرب تدعو إلى تغيير مفهوم العمل المسكوني من عمل يسعى إلى الوحدة المسيحية إلى عمل هدفه وحدة الأديان جميعاً وهذا بالضبط ما يسمى دين العصر الجديد New Age. نحن لا بد محاورون لكل الخليقة ساعين إلى تبيان وجه ربنا في كل صنائع يديه، لكن الحوار شيء والوحدة شيء آخر.

تختلف المواقف اليوم في الكنيسة الأرثوذكسية من الحوار المسكوني وجهود الوحدة المسيحية. البعض ينفر من الميوعة والعاطفية في محاولات التقارب لأنها تؤدي إلى أخطاء في التعبير ويخشى أن تتطور فتصبح خطأ في الممارسة أو في العقيدة. البعض الآخر لا يرى في الحوار إلا الكلام الفارغ يتبادله المندوبون في مؤتمرات عقيمة. ويصل الأمر في البعض إلى إبسال محاولات الوحدة استناداً إلى بعض القوانين الكنسية.

أكبر خطأ يقع فيه المؤمن الأرثوذكسي هو أن يظن أن بإمكانه عدم الحوار. لكن مشاركته في الحوار، أياً كان شكله، لا تكون مبنية على أي حسابات غير السعي الحقيقي نحو وحدة حقيقية في المسيح. يُحكى عن حوار المحبة، لكن لا محبة بدون حق لأن المسيح هو المحبة والمسيح هو الحق. من هنا أهمية المشاركة الأرثوذكسية الواعية من أجل عدم استبدال الوحدة الحقيقية بصورة أو كاريكاتور لها. هناك مؤتمرات لا تنتج إلا صوراً في الجرائد، وهناك اجتماعات تُسمّى اجتماعات صلاة لا تنتج إلا دعايات تصوّر الوحدة بمظهر فارغ كاذب. الوحدة المسيحية لبها المسيح والوصول إليها صعب. أمام هذه الوحدة درب جلجلة طويل من الحوار اللاهوتي على المسيحيين أن يسلكوه حتى يصلوا إلى المصلوب.

ليس الحوار خياراً أمام الأرثوذكسي إنه واجب ناتج من دور الكنيسة في هذا العالم. ليست الكنيسة الأرثوذكسية طائفة، إنها عروس المسيح. إنها الكنيسة التي يعلن إيمانه بها كل يوم. من هنا أن محركه إلى الوحدة هو المحبة الحقيقية. خوف المسيحيين من العزلة ليس دافعاً إلى الوحدة. سواء كثر المسيحيون في بعض بقاع الأرض أو قلّوا، أو قل اندثروا، هذا لا يغيّر من بهاء العروس.

قلة من الأرثوذكسيين، أو قل من المسيحيين، تتعاطى بجدية مع أسبوع الصلاة من أجل وحدة الكنائس لأن الكل ينتظر الوحدة كقرار يُتخذ. هذا ليس تقليد كنيستنا. ميزان الحق في كنيستنا هو أعضاؤها مجتمعين: المجمع والكهنة والمؤمنين. وجدان الكنيسة ينطق في كل فرد منهم. من هنا أننا إن قررنا المشاركة في أسبوع الصلاة من أجل الوحدة فلنصلي. سواء شاركنا في صلوات مشتركة -وهذا أمر لا يستسيغه كثيرون- أو لم نشارك، المهم ان نصلي من أجل الوحدة الحقيقية وليس من أجل صورتها. وأن نصلي أيضاً من أجل القائمين في هذا الحوار وحامليه، حتى يتمسكوا بالرجاء ويكملوا في المحبة ويثبتوا في الإيمان الذي ثبت فيه الآباء؛ فلا ينطقوا إلا بما يمليه الروح عليهم، متعالين عن العواطف والانفعال، فلا يستعجلوا ما هو آتٍ ولا يؤجلوا ما هو ملح.


Leave a comment