نحن ويسوع والأبرص

نحن ويسوع والأبرص

الأرشمندريت توما بيطار

وفي الصبح باكراً جداً قام وخرج ومضى إلى موضع خلاء وكان يصلّي هناك. فتبعه سمعان والذين معه. ولمّا وجدوه قالوا له إنّ الجميع يطلبونك. فقال لهم لنذهب إلى القرى المجاورة لأكرز هناك أيضاً لأنّي لهذا خرجتُ. فكان يكرز في مجامعهم في كل الجليل ويُخرج الشياطين. فأتى إليه أبرص يطلب إليه جاثياً وقائلاً له إنْ أردتَ تقدر أن تُطهّرني. فتحنَّن يسوع ومدّ يده ولمسه وقال له أُريد فاطهر. فللوقت وهو يتكلّم ذهب عنه البرص وطَهَر. فانتهره وأرسله للوقت وقال له انظر لا تقل لأحد شيئاً بل اذهب أرِ نفسك للكاهن وقدِّم عن تطهيرك ما أمر به موسى شهادة لهم (مر 1: 35 – 44).

باسم الآب والإبن والروح القدس الإله الواحد آمين.

“وذهب يسوع إلى مكان قفر وكان يصلّي هناك”. كل شيء، يا إخوة، يبدأ بالصلاة. كل نهار يبدأ بالصلاة وكل عمل يبدأ بالصلاة وكل مشكلة نواجهها نبدأها بالصلاة. لأنّنا نلتمس وجه الله في كل أمر وفي كل حال، في كل ما يَطرأ وفي كل ما يَحتَجب. همُّنا الأول والأخير أن يكون يسوع هو الألف والياء في حياتنا. هناك أمور كثيرة لا نفهم لماذا تحدث لنا. وقد نعاني ونعاني كثيراً. الموضوع لا أن يفهم الواحد منّا بل أن يقبل مشيئة الله وأن يواجه كل ما يأتي عليه بروح الله.

إذاً، أوّل ما فَعَل يسوع أن خرج إلى مكان قفر وكان يصلّي هناك. كان يهمّه أن يتملأ من حضور الآب السماوي، كان يهمّه أن يتخطّى كل ما في العالم، لذلك كان يخرج إلى القفر. نحن، كل واحد منّا، في الحقيقة، بحاجة إلى القفر في نفسه. فكيف نقتني القفر ونحن في وسط العالم، ونحن في وسط الاهتمامات العالمية والضجيج العالمي؟ طبعاً ليس الأمر سهلاً أبداً أن يعزل الإنسان نفسه عن كل ما هو من حوله. لا شكّ أنّ ذلك يحتاج إلى مَراس كبير ويحتاج إلى نعمة خاصة من فوق. ولكنْ هناك أمرٌ يساعد وهو الألم. الربّ الإله يعطينا الألم بمثابة قفر، بمثابة صحراء. لأنّنا بالألم لا نعود نشعر بطعم شيء في هذه الدنيا، وفي آن معاً ندرك ضعفنا وتكون لنا فرصة طيِّبة أن نرفع عيوننا الداخلية إلى فوق. لهذا تكثر آلام الناس في العالم، وتكثر معاناة المؤمنين، لا بل بصورة خاصة. لأنّ المؤمنين يكونون حسّاسين لكل السلبيات التي تفعل في العالم. كل مَن يحبّ يعاني، وكل مَن يؤمن يعاني، وكل مَن يحبّ الصلاة يعاني، وكل مَن يحبّ الله يعاني. إذاً، لا بدّ للإنسان المؤمن من المعاناة. هذه المعاناة هي قفره، حتى لا يتمسّك بشيء، حتى لا يتعلّق بشيء في هذه الدنيا، وحتى يلتصق بمشيئة الله كما التصق يسوع بمشيئة أبيه السماوي حين قال: “عملي أن أُتمِّم مشيئة الآب الذي أرسلني”. وكان يصلّي هناك. في مثل هذا القفر يستمدد المؤمن قوّة تبدو ظروفه كأنّها مستحيلة بشرياً. رغم ذلك تعطيه الصلاة أن يَقوى.

وبعدما تملأ يسوع من الصلاة – ويسوع، في الحقيقة، كان دائماً في صلاة، ولكن كانت هناك دائماً فترات يقضيها في خلوة إلى أبيه السماوي، في صلاة إليه – بعدما تملأ، إذاً، من القفر والصلاة، جاءه سمعان ومَن معه. قالوا: الجميع يطلبونك. المؤمن كل العالم بحاجة إليه، الأقربون والأبعدون. لأنّ المؤمن يعكس وجه الله. والناس يشعرون دائماً في العالم بأنّهم متروكون، كأنّهم خراف لا راعي لها. والراعي الصالح هو واحد. لذلك المؤمن يعكس وجه الراعي الصالح حيثما حلَّ، يعكس هذا الحضور الإلهي، هذا الحنان الإلهي. لذلك، من حيث يدرون ولا يدرون، كل الناس في العالم يلتمسون عِشرة القدّيسين. قد يجدون في القداسة صعوبات جمّة لا يقدرون عليها، ومع ذلك يحبّون عِشرة القدّيسين ويَستأنِسون بها، يتَعزَّون بها. فقال لهم: لِنَسِر إلى القرى القريبة لأكرز هناك أيضاً لأنّي لهذا خرجْت. يسوع كان يعرف تماماً ماذا عليه أن يفعل، يذهب إلى القريب أو إلى البعيد، إلى فلان أو إلى فلان. كل شيء كان حاضراً أمامه، كل شيء كان واضحاً لديه وضوح الشمس. هكذا، في الحقيقة، مَن يقيم في حضرة الله، مَن يحبّ الصلاة، مَن يسلك في الأمانة لله، مَن يسعى إلى علاقة شفّافة مع الله. كل شيء في حينه يكون واضحاً أمام عينيه. يعرف في حينه أيّ طريق يأخذ. يعرف في حينه ماذا يقول. يعرف في حينه ماذا يفعل. الصلاة، في الحقيقة، تعلِّم كل شيء لأنّها تستحضر الله، وبنعمة الله تستبين الأمور بوضوح.

وكان يكرز في مجامعهم في كل الجليل ويخرج الشياطين. لاحِظوا هذَين العملَين اللذين كان يسوع يعملهما: الكرازة وإخراج الشياطين. الكلمة عند يسوع قوّة، والكلمة ليست تجريداً. نحن هنا نتكلّم، الكلام الذي يخرج من أفواهنا يكون كلاماً تجريدياً. أما عند الله فالكلمة قوّة. هكذا تكون كلمة الإنسان المؤمن الذي يصبح إيقونة لله. صلاة البار تقتدر كثيراً في فعلها. يسوع كان يتفوّه بالكلمة الإلهية. بصورة تلقائية، الكلمة الإلهية التي هي حضرة إلهية، كانت تقترن بإخراج الشياطين. الشياطين كانت تخرج. الشياطين تفعل في العالم حيث يكون الله غائباً أو مُغيَّباً. لذلك حيث يكون القدّيس، حيث يكون رجل الله، حيث يكون الإنسان المؤمن، هناك تتمركز قوّة إلهية موجبة تُبدِّد الكثير من الظلمات والكثير من الطاقات السلبية، كما تُبدِّد الشياطين في حضورهم وفي فعلهم.

إذاً، يسوع كان يتكلّم بكلام قوي، بكلام القوّة الإلهية. نحن إذا كنّا، في الحقيقة، نتكلّم بكلام الله دون أن يكون كلام الله فينا ومن حولنا قوياً، فهذا لأنّنا نحن لا نكون على نقاوة كافية. فإنّ نقاوة القلب هي التي تُفعِّل كلمة الله إلى أبعد الحدود. والكلمة التي تخرج من أفواهنا، إذ ذاك، تخرج كمن أتّون نار. تخرج ولا تعود فارغة.

“وجاء إلى يسوع أبرص وطلب إليه جاثياً وقائلاً: إنْ شئتَ فأنتَ قادر أن تطهِّرني”. ليسوع حكايات مع البُرص. هذا الأبرص جاء وطلب إليه جاثياً له. كان منكسراً. كل نفس، في الحقيقة، على شيء أو على الكثير من البَرَص. ولكنْ إذا لم يؤدِّ بها البَرَص إلى الإنكسار وتواضع القلب، إلى أن تجثو لدى الله، فإنّ بَرصها يذهب هباء. لا ينفعها في شيء. الله لا يسمح بشيء لنا إلاّ لمنفعتنا. حتى حين يسمح الربّ الإله للإنسان أن يخطئ إليه – وأحياناً لا يسمح الله للإنسان بأن يخطئ إليه – فإنّ ذلك يكون، في المدى، لخير الإنسان. طبعاً إذا تاب. إذا عرف أن يتأدّب بالخطيئة التي يرتكبها. لأنّ الخطيئة تحمل في طيّاتها شيئاً أو الكثير من التأديب. مثلاً، الإنسان الذي يكذب أو يزني أو يسرق، هذا يتعرّض لمضاعفات ويتعرّض لضيقات ويتعرّض لآلام. تضطرب علاقاتُه بالناس وتضطرب علاقته بنفسه. لا يعود لديه سلام في نفسه. الخطيئة دائماً مُقلِقة. تأتي بالاضطراب. وهذا تأديب كبير للإنسان. الخطيئة، في نهاية المطاف، يسمح بها الله لكي نتّضع. لأنّنا متى تألّمنا، عرفنا أنّ الآلام التي كابدناها أو نكابدها ما هي إلاّ للخطايا الكثيرة التي لا زلنا نحفظها في وعينا أو نسيناها. كل هذا يبقى تأثيره في هذه النفس. والخطيئة إذلال للإنسان، قلق للإنسان، شيء مخالِف للطبيعة في الإنسان. إذاً، الله يسمح بها لكي نتّضع. لأنّنا مستكبرون. لأنّنا دائماً ما نظنّ أنفسنا أكبر مما نحن. الخطيئة، إذ ذاك، تصبح أمراً لا بدّ منه. الخطيئة ناشئة، أصلاً، من الكبرياء. لكنْ الربّ الإله قَلَبها، حوَّلها، بالألم الذي سَمَح به، لتصير أداة للاتضاع ومجالاً للاتضاع.

إذاً، هذا الأبرص، ككل نفس برصاء، جاء متّضعاً منكسراً جاثياً ليسوع. قال له: “إن شئت فأنتَ قادر أن تُطهّرني”. هو لم يَعتبر أنّ له الحقّ على يسوع في أن يشفيه. الإنسان الخاطئ لا يعتبر نفسه أنّه مُحقّ في شيء وأنّ له الحقّ في شيء. الإنسان الخاطئ، في العمق، متى أدرك أنّه بالخطيئة يفقد امتيازه كابن الله وكأنسان قويم بين الناس، متى أدرك أنّ الخطيئة تشوِّهه، فإنّه يصبح شفافاً في تعامله مع الآخَرين، لا يعود يطلب إلاّ كمَن لا يستحقّ، “إنْ شئتَ”. كأنّه يقول له: أنتَ قادر على كل شيء، ولكن أنا إنسان أبرص وأنا إنسان غير مستأهل لأن أقف قدّامك ولأن أجثو لديك. ولكن إن شئتَ أنتَ. هذا الكلام فيه الكثير من الرقة. سبحان الله الذي يجعل الإنسان الخاطئ، إذا ما نما نموّاً سليماً، يبلغ مرحلة من الرقة والشفافية في التعامل لا مع الله وحسب بل مع الخليقة كلّها. “فأنتَ قادر أن تطهّرني”. الحقيقة أنّ الإنسان كلّما أدركَ ضعفه، كلّما أدركَ، في آن، أنّ الله قادر على كل شيء. هذان الأمران مرتبطان أحدهما بالآخَر. إذا عرفنا أنّنا لا شيء، إذا أدركنا كيانياً أنّنا لا شيء، إذ ذاك، في آن معاً، ندرك أنّ الله هو كل شيء. إذاً، أنتَ قادر أن تطهِّرني. الأبرص إلامَ يحتاج؟ يحتاج إلى التطهير. وهذا القلب المسكين، قلب كل واحد منّا، إلامَ يحتاج؟ يحتاج إلى تطهير، لأنّه نجس، لأنّه معاند. والعناد في هذا القلب المسكين يصبح طريقة حياة. الشرّير يوحي لنا، بطريقة أو بأخرى، أنّنا إن عاندنا، إذ ذاك نُثبت ذواتنا، إذ ذاك نصير آلهة. حين نرفض أن يفرض أحد علينا رأيه، إذ ذاك، في تصوّر الشيطان، نصير آلهة. ولكنْ هذه الألوهة هي عزلة كاملة عن كل الخليقة، عن الله. هي الموت. لأنّ الموت، في نهاية المطاف، هو هذه العزلة الكاملة. الشيطان يصوِّر لنا دائماً أنّ الحرية الحقّ هي أن يموت الإنسان، أن يعاند، أن يعبد نفسه، أن يواجه الجميع، أن يرفض الجميع.

إذاً، هذا القلب بحاجة إلى تطهير. حياتنا نحن، كل يوم، قيمتها من سعينا إلى أن نتطهَّر من خطايانا. إذا أعطانا الربّ الإله الألم فرصة لأن نتطهَّر، ولو من خطيئة صغيرة ارتكبناها، فهذا شيء عظيم. شيء عظيم ينمّ عن محبّة الله الكبيرة لنا. الحياة سلسلة فرَص يعطينا إيّاها الربّ الإله لكي نتطهَّر من البَرَص الداخلي الذي فينا. مثلاً، البارحة، إذا كنتُ أنا قد جرحتُ أحد إخوتي ولم أُبالِ، وتركته جريحاً في نفسه مني، ثمّ عدتُ أنا إلى ذاتي، فالفرصة مؤاتية جداً، اليوم، إذا أعطاني الربّ الإله أن أعي خطيئتي، الفرصة مؤاتية جداً لأن أقف قدّامه ولأن أضرب له مطانية وأقول له: سامحني، البارحة جَرحتُك، صَلِّ لأجلي. هذه تكون فرصة للتطهُّر. كم من فرصة للتطهُّر نضيِّعها كل يوم. نقع في موبقات كثيرة ونعي أنّ ما فعلناه لم يكن مقبولاً عند الله، ومع ذلك نغضّ الطرف ولا نبالي ولا نعود نسأل. ماذا يحدث إذ ذاك؟ تتراكم النجاسة في القلب وتصبح تنقية القلب أمراً عسيراً.

لذلك، ليعملنّ كل واحد منا، كل يوم، كل لحظة، إذا أمكن، على تنظيف ما في نفسه، على تنقية نواياه. ليس الآخَرون فقط هم الذين بحاجة إلى رحمة، أنا أيضاً أحتاج إلى رحمة. وليس الموضوع فقط أن أرحم الآخَرين، بل أنا إذا ما رحمتُ الآخَرين يرحمني الله. وأنا بحاجة إلى رحمة لأنّ خطاياي كثيرة، وهي توبّخني كل يوم. الحمد لله أنّها توبّخني وأنّي أشعر بأنّها توبّخني. الحمد لله أنّ الله يعطيني أن أشعر بخطاياي، أن أعي خطاياي. هذا إذا ما حَدَث لنا يكون شيئاً عظيماً جداً. لذلك، لا يضيِّعنَّ أحد منا الفرصة متى شعر بأنّه ارتكب هفوة أو خطيئة. ليبادر، في الصلاة وبالمبادرة الشخصية، ليبادر إلى التنقّي من هذه الخطيئة. هذا يكون عملاً إلهياً مبارَكاً جداً. ولأنّ هذا الأبرص وقف من يسوع هذا الموقف، تحنَّن عليه يسوع. هذا حنان يسوع علينا. يسوع حنان، ولكن نحن لا ننتفع من حنان الله إلاّ إذا سلكنا في توبة يومية، في سعي يومي إلى التنقّي من خطايانا. كلّما اتّضعنا كلّما انسكب علينا حنان الله. تحنّن عليه يسوع ومدّ يده ولمسه، مع أنّه أبرَص، وليس مناسباً، بحسب الشريعة، أن يلمس أحد الأبرص. ولكنْ يسوع هو ابن الإنسان والسبت جعله للإنسان لا الإنسان للسبت. الشريعة هي في خدمة التنقّي، في خدمة التطهّر، في خدمة القداسة. لذلك يسوع كان يتحرّك بحرية الروح. تخطّى قيود الشريعة ليبثّ في الجوّ من حوله حرية الروح وفعل الروح ونعمة الله. فمدّ يده ولمسه، كأنّه أراد أن يقول له: “أنا أحبّكَ، لا تخف، أنا لا أتخلى عنك، أنتَ عانيتَ كثيراً كأبرص، عانيتَ كثيراً من البَرَص، ولكن أنا معك”. حين لمسه الربّ يسوع، جعله على قلبه، في الحقيقة. جعله بمثابة يوحنا الحبيب. الله يتّخذ العالم كلّه بمثابة يوحنا الحبيب. “تعالوا إليّ يا جميع المتعَبين والثقيلي الأحمال وأنا أُريحكم”. فقال له: “قد شئتُ فاطهُر”. بكل تأكيد أنا أشاء أن تُشفى، أن تطهُر، فاطهُرْ. الموضوع ليس ما إذا كان الله يريدنا أن نطهر أم لا. الموضوع هو ما إذا كنّا نحن نريد أن نطهُر أم لا.

وفيما هو يكلّمه، للوقت، حالاً، فوراً، ذهب عنه البَرَص وطهُر. كل هذه المعاناة التي عاناها لسنوات، كل هذه الأوجاع، كل هذه الضيقات، صارت كأنّها لا شيء. كأنّه وُلِد من جديد. كأنّه خرج من رحم الله إلى النور الإلهي. ثمّ صرفه سريعاً. يسوع يتوارى دائماً. يعلّمنا التواري. يعلّمنا أن نقوم بعمل الله ونتوارى. الله ممجَّد دائماً، ولكن في السرّ الإلهي، في عمق القلب، في الكيان. انتهره. كأنّه قال له كلاماً قاسياً: اذهب عني! ولكن قالها بقلب محبّ جداً، حتى يتعلّم هذا الإنسان أن يخطو دائماً إلى الأمام، أن تكون قِبلته وجه الله، أن لا ينظر أبداً إلى ما يحدث له، لكي لا يظنّ نفسه أنّه شيء. ليس أحد منّا شيئاً، الله هو الكل في الكل. قال له: “انظر لا تقل لأحد شيئاً”. ليس المهم أن نخبر الناس بما فعله الله معنا، المهم أن نقول كلمة الله بين الناس، بين الإخوة، أن نكون إيقونات له، أن نحبّه فيهم، أن نمتدّ صوبهم، أن نبذل أنفسنا من أجلهم. أما ما يحدث لنا فهذا نبقيه طيّ الكتمان حتى لا نعطي إبليس فرصة أن يُفسد عمل الله فينا.

ثمّ قال له: “امضِ أرِ نفسك للكاهن وقدِّم عن تطهيرك ما أمر به موسى شهادة لهم”. في الظاهر لا بدّ للأمور أن تبقى، أن تسير. الله لم يأتِ لكي يدين العالم، يوم الدينونة لم يأتِ بعد. لذلك أبقى الربّ الإله على كل شيء. الأمور تسير كما هي، ولكنْ القلب يتغيّر. المهم أن يتغيّر قلبنا صوبه، أن نحبّه، أن نتمسّك بالطهارة لديه، حتى تكون لنعمته فينا موضع. إذاً نسلك بحسب القواعد والقوانين المرعيّة الإجراء، ولكنْ القلب يرفرف دائماً في أجواء النعمة، في أجواء الروح. هذا ما يحدث لمَن يطلب أن يتطهّر من برصه، لمَن يسأل يسوع أن يمسَّه بيمينه. كل شيء بعد ذلك يَهون، كل الآلام، كل الضيقات. كل شيء عانَيْناه ونعانيه ننساه لأنّ فرح الحضور الإلهي وعمل الله فينا يجعلنا نعتبر كل ما عانيناه كأنّه لا شيء. ولو كنّا الآن لِنَعي أنّ ما نعانيه هو لا شيء بالنسبة للتعزيات التي يدّخرها لنا روح الربّ، لكُنّا نقبل لا فقط أن نعاني ما نعانيه، بل كنّا نقبل أن نعاني ما نعانيه ألف مرّة. المهم دائماً أن يكون الذهن في يسوع، أن يكون القلب فيه، أن يكون كل الرجاء عليه، وبعد ذلك تصبح حياتنا فردوسيّة ولو كنّا في الجحيم.

فمَن له أذنان للسمع فليسمع.

عظة في السبت الثاني من الصوم 3 / 3 / 2007

Leave a comment