نحن والمرأة الزانية

نحن والمرأة الزانية

الأرشمندريت توما بيطار

باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين.

يا إخوة، اليوم تَذْكر الكنيسة المقدّسة المرأة الزانية، هذه المرأة التي قال عنها الربّ يسوع إنّها أحبّت كثيراً لذلك يُغفَر لها كثيراً.

ما هو الدافع إلى الزنى؟ قلّة من الناس يختارون سيرة الزنى طوعاً كما فعلت القدّيسة مريم المصريّة قبل أن تتوب إلى ربّها. كانت عاشقة نجاسة وهاوية زنى. ولكنْ هذه حالة قصوى. حتى هذه الحالة القصوى، كما استبان من توبة مريم المصريّة، لها عند الله فرصة هداية. في العادة، الناس يسلكون في الزنى لأنّ ظروفهم وأحوالهم الإجتماعية والإقتصادية تدفعهم إلى ذلك. وقد يبدأ الزاني أو الزانية سيرتَه بزلّة يرتكبها، ولكنْ الزلّة تستدعي الزلّة، والزلّة بعد الزلّة تصبح عادة. والمشكلة أنّ الإنسان، متى اعتادَ الخطيئة اعتادت الخطيئة عليه. تجذّرت فيه. والخطيئة، في الحقيقة، لا سيما الزنى، لها جاذبيّتها. لهذا السبب، الزنى يَعِد بالفرح ولا يقدِّم، في الواقع، إلاّ لحظةً عابرة من المتعة يتبعها فراغ ويتبعها جوع. الخطيئة تَعِد بالكثير ولا تعطي إلاّ الأقل من القليل. ثمّ إنْ عرف الناس بأمر الزاني أو الزانية، فإنّ الزانية تصبح أسيرة فكرة الناس عنها. حتى لو رغبتْ في أن تغيّر سيرتها استمرّ الناس يعاملونها باعتبارها زانية. لهذا السبب يجد الزاني نفسه أسيراً في مجتمعه. والمجتمع، في الحقيقة، لا يقدِّر كثيراً ظروف الناس ولا يشجِّع الناس على التوبة. كثيرون منا، حتى لا نتحدّث عن أحدٍ بعيد أو غريب، إذا كوَّنوا فكرة عن إنسان فإنّهم، ولو بعد سنين طويلة، متى التقَوه، عاملوه باعتبار هذه الفكرة التي رسخَتْ في أذهانهم عنه. أكثرنا، في الحقيقة، لا يعطي الآخرين فرصة لكي يتغيّروا. ونحن، بسبب ذلك نظلم الناس، يظلم بعضنا بعضاً ظلماً كبيراً. ماذا يمنع أن يكون السارق سارقاً اليوم ثمّ يتوب غداً، ما الذي يمنع من ذلك؟ ما الذي يمنع أن يكون الزاني سالكاً في الضلال، وربما لسنوات طويلة، ثمّ فجأة يتغيّر؟ ليس ما يمنع من ذلك على الإطلاق. الإنسان قابل لأن يتغيّر. فإذا كان أمثال القدّيسة مريم المصريّة وموسى الأسود الذي كان قاتلاً وسارقاً ورئيس عصابة، إذا كان أمثال هذَين القدّيسَين قد تغيّروا بعد سيرة سوداء، فليس ما يمنع، على الإطلاق، أن يتغيّر أيّ واحد منا مهما كان مغرِقاً في خطاياه. لهذا ممنوع علينا أن نحكم على الآخرين بناء لأحكام مسبقَة. ممنوع علينا أن نصنِّف الناس في فئات. ممنوع علينا، أصلاً، أن يدين أحدُنا الآخر. “مَن أنت يا مَن تدين عبد غيرك، هو لمولاه يثبُت أو يسقط والله قادر أن يثبِّته”. الربّ يريد الخلاص لكل إنسان، وهو قادر أن يخلّصه. وكل خطيئة، مهما كانت جسيمة، لها عند الله مغفرة، ولكنْ فقط إذا تاب صاحبها. الإنسان قابل للتوبة في كل لحظة. إذا تاب فهو، في لحظة واحدة، قادر، أن يتحوّل، عند الله، من خاطئ كبير إلى بارّ كبير، من إنسان شرير إلى إنسان صدّيق. الإنسان، بالتوبة، قادر، في لحظة واحدة، أن ينتقل من الجحيم إلى الفردوس. أليس هذا ما حدَث للصّ اليمين؟ اللصّ الذي صُلِب إلى يمين السيّد كان صاحب سجِلّ أسود، ومع ذلك في لحظة اتّضع ورأى خطاياه واعترف بها وتاب عنها. التفتَ إلى الربّ يسوع بانكسار قلب وقال له: “أذكرني يا ربّ متى أتيت في ملكوتك”، فجاءه الجواب فوراً: “اليوم تكون معي في الفردوس”.

الإنسان، في الحقيقة، لا يحتاج إلى أعمال بطولية ليقتني ملكوت السموات. يحتاج إلى قلب خاشع متواضع. والقلب الخاشع المتواضع هذا لا يرذله الله. لهذا، فرصة التوبة مُتاحة لكل واحد منا، لا حقّ لنا أن يدين بعضنا بعضاً. إذا كنّا نأسف على إنسان بسبب سيرته فلنذكره أمام الله، فلنصلِّ من أجله، فلنَسْتر عليه حتى يستر الربّ الإله علينا. أليس أنّه قيل: “بالكيل الذي به تكيلون يُكال لكم”، وقيل أيضاً: “أُريد رحمة لا ذبيحة”؟ كل واحد بحاجة إلى رحمة. مَن كان منكم بلا خطيئة فليتجرّأ أن يرمي الخاطئ بحجر. في لحظات الضمير، إذا ما عاد الإنسان إلى نفسه، اكتشف أنّه ليس أفضل من غيره على الإطلاق. البعض منا خطاياه مكشوفة وأكثرنا خطاياه مخفيّة. ولكنْ ما هو مخفيّ للناس مكشوف لعيني الله. فإذا تمكنّا نحن من أن نبرّر أنفسنا أمام الناس مدّعين الصلاح، فلا يمكننا أن نفعل ذلك أمام عيني الله لأنّ الله علاّم القلوب.

لهذا، هذه الزانية اليوم أحبّت كثيراً فغُفِر لها كثيراً، لنتعلّم، ليتعلّم كل واحد منا أن يحبّ الله كثيراً حتى يغفر له الربّ الإله كثيراً. الزنى الحقيقي هو الخباثة. الزنى الحقيقي هو إدانة الناس. الزنى الحقيقي هو أنانية الإنسان، هو كبرياء الإنسان، هو الكذب، هو الخداع. لهذا السبب قال الربّ يسوع للفرّيسيّين، الذين كانوا مرائين كذّابين ويتظاهرون بالصدق وهم خدّاعون: “الزواني والعشّارون يسبقونكم إلى ملكوت السماوات”. فمَن يكون، إذ ذاك، الزاني في عين الله؟ الزاني، في عين الله، هو الذي يقيم في الكذب، في الخداع في الخطيئة المخفيّة ويحاول دائماً أن يتظاهر بأنّه صالح، ولا يريد أن يتوب. هذا هو الزاني الحقيقي في عين الله. أما الناس الذين شردوا، في وقت من الأوقات، الذين ضُلّوا بسبب ظروف حياتهم وظروف مجتمعاتهم، فهؤلاء هم أحبّة الله. والربّ الإله جاء “ليخلِّص الخطأة الذين أنا أوّلهم”.

فلنفهم، إذاً، أنّ الربّ الإله يريد أن يبرِّرنا جميعاً. المهم أن نتوب إليه. المهم أن يرحم بعضنا بعضاً. فإنْ رحمْنا أحدنا الآخر يرحمنا الله. مهما كانت خطايانا، إذ ذاك، تُغفَر لنا. والذي قال: “بالكيل الذي به تكيلون يُكال لكم”، إذا ما نحن رحمْنا الناس فلا بدّ أن يرحمنا، وهو راحمنا جميعاً. المهم أن ننتفع من أقوال الله. المهم أن نسلك في أقوال الله، حتى نتحرّر لا فقط من الزنى الجسدي الذي هو بَشِع، ولكنْ من الزنى الروحي الذي هو أبشع.

فمَن له أذنان للسمع فليسمع.

عظة في الثلاثاء العظيم 18 نيسان 2006، حول يو 12: 17 – 50

Leave a comment