أي عصًا أنت؟

أي عصًا أنت؟

الشماس ثيوذوروس الغندور

انشقّ عود من عن أمه الشجرة وسقط أرضًا فبدأ يحلم فيما هو مستلقٍ. هذه سلسلة أحلامه وكوابيسه التي رآها في تلك الأيام.

مرّ من أمام العود والدٌ يصرخ في وجه ولده الذي قد يكون أخطأ. فما كان بالأب إلا أن أقلق نوم العود فأمسكه وانهال بواسطته ضربًا على ابنه. فامتزجت دموع العود بدماء الصبي المتألم الذي كان يصرخ شاجبًا ومستنكراً قول المثل القائل:”العصا لمن عصى”. واستمر الحلم الى أن جففت الشمس دموع العود فاستفاق من جديد مرتعبًا مما شاهد.

وفي الليلة التالية، وقع العود بيد معلّم مدرسة، فحمله ليشير بواسطته الى الأسطر المكتوبة على اللوح الأخضر ملقنًا التلاميذ ما تيسّر له من علوم ومفاهيم. وفجأةً، ضرب الطاولة بالعود الذي في يده، محاولاً فرض الهدوء على الصفّ الذي ضاق خلق طلابه من التكرار والحشو والتلقين. وأخذت ضربات العود تنتقل من على يدِ هذا إلى رِجلِ ذاك فكتفِ آخرٍ من التلاميذ، إلى أن قُرع الجرس وخرج التلاميذ. وأراح المعلّم العود رامياً إياه على الطاولة ومنها إلى الأرض التي وجد نفسه عليها حين استفاق مذعوراً مما حدث معه في تلك الليلة.

وفي نومه، إذا برجل يدوس طرفه. فشبّ العود واقفاً ليستَقبله رجل بين يديه ويروح يعتذر منه معللاً السبب بظلام العيون الذي يعاني منه، وعرض على العود صداقة يكون فيها العود بمثابة النور لعيني الأعمى، يهديه في السبيل ويُبعد عنه خطر الانزلاق أو الاصطدام بأي حاجز قد يعترضه في الطريق التي كانت مظلمة قبل صداقتهما لكلَيهما، الواحد بإرادته والآخر بغير إرادة منه. وهكذا أوصل العود صديقه الى منزله. وجعل الصديقُ العودَ يستلقي إلى جانبه في سرير ينعم فيه بدفء الأغطية ونعومتها.

وفي اليوم التالي، مرّ من أمام العود ناسك. هذا رأى في العود سنداً له في مسيرته نحو منسكه الواقع في أعالي الجبل، في مغارة منحوتة لا بيد إنسان بل بيد الخالق. رافق العود الناسك وقد أرهقه المسير وترضرضت أضلعه من التعكّز والتخبط بصخر ووعر وتراب، الى أن بلغ الناسك مأواه فتأمّل العود بأنه سينعم بقسط من الراحة. ولكن سرعان ما باشر الناسك صلاته وكان العود سنده أيضاً للبقاء صامداً، راكعاً في حضرة الله، مصليًا للعالم وسائلاً الله رحمة ورأفة به ولنفسه ملتمسًا مغفرة الزلات. وباسترسال الناسك بالصلاة، ألِفَت آذان العود هذه الصلاة، فنسي التعب الذي كان مسيطراً عليه وأخذ يردد كلمات الناسك حتى شعر بنفسه تصلي. ولكنه ما أن شعر بهذا الفرح من جراء الصلاة، حتى غلب النعاس الناسك، فأراد أن ينام. وحين همَّ بترك العود، إذا به يأبى ويقاوم نعاس الناسك لكي لا يدعه ينام. إذ إن العود بعد صحوته لم يعد يريد النوم.

أجل، أحب العود الحياةَ مع الناسك وبقي برفقته وتحوّل مع الوقت الى عصا الرعاية، بعدما انتشرت المناسك حول منسك الناسك الحبيب، إذ أنّ شذا مثاله الصالح وحسن سيرته فاح، فتتلمذ له كثيرون، وأصبح مرشداً لأولئك الذين يحبون السكنى بجوار الله في مغاور أو في كهوف. وأضحى العود، عصا الرعاية، يحملها أبٌ لا يؤدب بواسطتها ابنه، ومعلّم لا يهدىء بواسطتها صخب تلاميذه. وعرف العود ان تلك كانت المكافأة للذي صادق الأعمى وأعطاه من ذاته ما قد افتقده، بدون تململ أو تذمّر، وتحمّل تجارب التعكّز والتخبّط والارتطام مع الناسك الحبيب. نعم، استحق العود أن يكون عصا رعاية في يد راعٍ صالحٍ.

أما أنت يا أخي القارىء، أي عصاً تودُّ أن تكون وأنت نائم؟ بالاسترخاء يقودك الآخرون الى حيث لا تريد أما باليقظة فتستطيع أن تقود الناس الى حيث ربُّك يريد. هذا إذا كنت أنت نفسُك تريد.

Leave a comment