إعمل لأولادك أكثر مما تعمل لصورتك!

إعمل لأولادك أكثر مما تعمل لصورتك!

الشماس ثيوذوروس الغندور

 

الإنسان اليوم تهمه صورته التي تجعله يركض خلف مسيرة الحياة المتسارعة، جاداً في طلب كل ما يخدم تحسين صورته. لا فرق عنده ماذا يعمل ومع مَن يعمل وفي أي وقت يعمل فالمهم عنده كيف يصل الى مركز مرموق أو منصب رفيع أو حتى مكانة إجتماعية هامة. يتكلم، يحاجج، يكتب، يؤلف، يخطط، يصمم، ويعمل بكل ما أُعطي من مواهب ليبهر من بيدهم الحلّ والربط والهدف كما ذكرت الصورة اللامعة.

والذي يصل لا تظننّ أنه يرتاح ويجلس على كرسيه غير معتال همّ أو مسؤولية، فهو يبدأ بالتفكير بمن سيخلفه أو بمن سيأتي بعده. طبعاً أحد أفراد العائلة، الولد أو الأخ أو أحد المقربين المحظوظين. وكل هذا كي لا تضيع الصورة، وهذه المرة صورة العائلة التي إذا ضاعت بعده لا أحد سيذكره ولن يكون له خلوداً. مع العلم أن أصحاب المقامات الرفيعة يهتمون بخلودهم، إذ يجعلون مقابرهم آيات وتحف فنية ضخمة البناء، جميلة التصميم. حتى التاريخ يكتبونه قبل رحيلهم، فنرى تاريخ الأمم هو تاريخ ملوكها ورؤساءها.

“باطل الأباطيل كل شيء باطل” هذا القول الوارد في الكتاب المقدّس في سفر الجامعة (جا 2:1) يصح في هذه الحال. فالله سوف يدينك على كل أعمالك، أخيراً كانت أم شراً. فلا نفع لما تعمله ما دمت سوف تموت. فكل خير أو شرّ تعمله لنفسك تقع عليه صفة البطلان، فالله يدعوك لعمل الخير مع الآخر. فالصورة الضرورية والهامة ليست المركز أو المنصب بحدّ ذاته، إنما كيف يستخدم صاحب السلطة مركزه في خدمة الخير العام. فبدل أن يكون عبداً للسلطة فليستعبدها هو بأعماله الخيّرة. هكذا بعد رحيله سيخلّد ذكره لا على حجار قبر مرصوفة بشكل هرم أو مسلّة أو تحفة فنية تجسّد شكل الراقد في داخله، بل في ذاكرة الناس وفي ضمير الأجيال وفي قلوب مواطنيه. وهكذا أيضًا لا خوف عنده من دينونة الله كونه عمل الصالحات وكثّر الوزنات فاستحق قول الربّ : نعمّ أيها العبد الصالح كنت أمينًا على القليل فسأقيمك على الكثير” (متى 25:21).

أسرع وعدّ الى رشدك وصوابك، تذكّر أنك لست خالداً، قبل فوات الأوان. تذكّر مهما علا شأنك أن عظماء كُثر مرّوا على التاريخ وبعد رحيلهم نسيهم الناس وحتى الشمس بقيت تُشرق من بعدهم. تذكّر أنك فيما تعمل لصورتك قد أهملت أولادك الذين لا شكّ يفتقدون أشياء كثيرة نتيجة إنشغالك بتلميع صورتك، على رغم الرفاه الذي يتنعمون به. ما ينقصهم هو صورة الأب التي لن يجدوها في سواك. فقد تتكلم في إطلالاتك الإعلامية عن أهمية العائلة والمجتمع، فيما عائلتك محتاجة الى تطبيق كلامك. كان الأيسر لك أن لا تقول شيئاً من مثل هذا القبيل، طالما أنك لن تفعل بحسب ما تقول. إفتح أذنيك ولو مرة بدل فمك، فتسمع صوت العلي يناديك صارخًا: “اعمل لأولادك أكثر مما تعمل لصورتك”.

Leave a comment