عن الحسد

عن الحسد

إعداد راهبات دير مار يعقوب – دده

ورد في تاريخ اليونان أنّ ملكاً من الملوك أراد أن يجرّب طبع الحسود والبخيل. فأمر واستحضر لديه رجلين أحدهما حسود والآخر بخيل. وقال لهما فليطلبْ أحدكما منّي ما يشاء لأعطيه بفرح ولكن على شرط أن يأخذ الثّاني منكما ما يطلبه الأوّل مضاعَفاً. فتحاورا كثيراً ولم يتّفقا على شيء، إذ لم يرتضِ أحدهما أن يطلب شيئاً أوّلاً كي لا يأخذه الثّاني مضاعَفاً. حينئذ أمر الملك أن يطلب الحسود أوّلاً، فطلب أن يقلع عينه وذلك لكي تُقلع عينا رفيقه الاثنتين. فمن حسده فضّل الضّرر لنفسه على طلب الإنعام من الملك كي لا يحصل عليه رفيقه مضاعَفاً.

أرأيت إلى أيّة درجة من العمى والرّداءة يصل إليها الحسود. فاهرب أيّها الإنسان من هذا الوحش القتّال، وصلِّ إلى الله من أجل من تحسده، واثنِ عليه أمام النّاس، وإن أمكنك أحسنْ إليه ولو قسراً عنك، لأنّك بقسر إرادتك هذه تحظى على موهبة المحبّة، فتنجو من هوى الحسد المضر الذي لا فائدة لك منه أصلاً.

* تعرّض راهب وديع متواضع لحسد بعض الإخوة له وكان هو يصبر ويحتمل. ولمّا تزايدت المضايقات عليه كتب ورقة يحثّ فيها ذاته على الصّبر قائلاً: من أجل محبّة الرّب يسوع سأصبر وأتحمّل كلّ شيء حتّى النّهاية. فشاهده مرّة أحد الإخوة فاتّهمه لدى الأب الرّئيس بالسّحر. ولمّا حقّق الرّئيس معه واكتشف حقيقة أمره قال له: لقد غلبت الشّيطان بتواضعك ومحبّتك يا بني.

اكتشف نفسك هل أنت حسود؟

1- هل في قلبك حسد أو غيرة؟

2- هل تحبّ القريب لأنّه على صورة الله؟

3- هل تسعى لهدم النّاجحين لأنّهم تفوّقوا عليك؟

4- هل تحتقر أفكار القريب، كلامه، وجوده، لأنّك تظنّ أنّك أنت محور كلّ شيء؟

5- هل تشجّع من يعمل معك، تحطّمه، تتضايق من نجاحه؟

6- هل تتلذّذ بالإيقاع بالآخرين، تشمت بهم؟

7- لماذا تحسد؟ هل لأنّ الآخر أفضل منك روحيّاً، ماديّاً؟

8- هل تُظهر حسدك للآخر أم يبقى داخل نفسك؟

9- كيف تُظهر حسدك، بالحواس، بالكلام، بالتّصرف (ازدراء، انتقام، كراهية..)؟

10-هل تتمنى الشّرّ للقريب؟

11-هل اعترفت برذيلة الحسد؟

12-كيف تداوي هذه الرّذيلة؟ بالتّجاهل، بأعمال المحبّة التي تضادّها، بالصّلاة من أجل من تحسد…

13- هل أنت في تقدّم أم في تأخّر؟

 

أقوال بعض الآباء عن الحسد

القدّيس يوحنّا الدّمشقي

* الحسد هو حزن الإنسان وتوجّعه من خير قريبه حاسباً ذلك الخير ضرراً لنفسه.

 

القدّيس اسحق السّرياني

* من يصدّق أنّ من شرارة صغيرة تشتعل ناراً كبيرة، فليحذر لئلا يجمع داخله نار الحسد، لأنّ الحسد يُعدم الإنسان سلامته ويصيّره كئيباً ومضطرباً وثائراً على قريبه.

* من اقتنى الحسد فقد اقتنى الشّيطان.

* تكلّم بانتباه أمام المتكبّر الحسود لأنّه سيأخذ كلامك ويؤوّله حسب مشتهى قلبه، فيستخرج من أقوالك البريئة مادة يُعثر بها الآخرين، ويحوّل كلامك في ذهنه بحسب مرضه.

 

القدّيس أفرام السّرياني

* شقي هو من جرحه الحسد والغيرة لأنّه شريك الشّيطان الذي دخل به الموت إلى العالم. الحسود يعاند الجميع ولا يؤثر أن يعلو عليه أحد. يستخفّ بالنّجباء وينصب المعاثر في طريق السّالكين حسناً. الحسود لا يفرح أبداً بنجاح رفيقه. إن رأى متوانياً لا يحثّه على العمل بل يحضّه على التّمادي في الشّر. إن رأى أخاً مرتاحاً يثلبه. تبّاً للحسود فإنّ قلبه سقيم بالغموم كلّ حين، ولون وجهه ممتقع، وقوّته خائرة…. هو شرس مع الجميع وعدوّهم. يرائي الكلّ، ويبتكر أصناف الغش، ويحابي بالوجوه. يعاهد اليوم فلاناً وغداً آخر. يتقلّب في علاقته بالجميع، ويطاوع كلّ واحد في رأيه. ثم بعد قليل يذمّ الجماعة ويفتن بين النّاس. الحسد والغيرة سمّ زعاف. اهربوا من الحسد يا جنود السّيرة السّماويّة، واقصوا عنكم الغيرة والحسد لئلا تدانوا مع المحال.

 

القدّيس كبريانوس

* الحسد شرارة صغيرة يحتقرها الكثيرون بينما هي خسارة فادحة للنّفس. إنّه جرح خفي يزدري به الإنسان فيفسد جسمه كلّه.

 

الشّيخ الرّوحاني

* الحسد يُضعف القوى ويُنحل الجسم ويضغط القلب ويسلب العافية. وأخيراً يفني الإنسان بجملته. وكما أنّ السّوس أو العثّ يفني الثّياب الثّمينة هكذا الحسد يفني الحاسد.

 

القدّيس يوحنّا الذّهبي الفم

* انظر كيف أنّ الحاسد يُهمل شروره ويبحث عن خيرات الآخرين ولا يجني من ذلك سوى التّمزق والاضطراب. فلماذا تحسد؟ أخبرني ألأنّه قد مُدح قريبك من الآخرين؟ كان عليك أن تفرح. ومع هذا من أعلمك أنّ مدحهم حقيقي؟ فهل تحزن لأنّه مُدح رغم كونه غير مستحق للإعجاب والمديح؟ أشفق عليه إذن وصلّ له. لماذا تتمرمر؟ لماذا تبرز سيفك على نفسك؟ هل لأنّك تطلب إعجاب النّاس بك؟ ولكنّ الذين يعيشون اليوم قد لا يوجدون غداً. هل تّسَّر بالمجد؟ أخبرني أي مجد تريد؟ ذلك المجد الذي يقول عنه النّبي أنّه كزهر العشب. هل تحسد الآخرين لأنّك لا تحمل حملاً من العشب كأحمالهم؟ فإن بدا لك أنّك مستعدّ أن تحسدهم لأجل هذا، فلماذا لا تحسد الحطّاب الذي يحمل الحطب كلّ يوم؟ فإنّ ذاك الحِمل أو المجد ليس أفضل من هذا الحطب بل بالحري أردأ منه. فحَملُ الحطب مؤلم جسدياً أمّا حملّ المجد فغالباً ما يضرّ النّفس ويسبّب الهلاك أكثر من السّرور. وحقّاً قال سليمان الحكيم: يا بني حياة الجسد هدوء القلب، ونخر العظام الحسد.

* إن كنت تجترح العجائب أو حافظاً للبتوليّة أو صوّاماً أو تنام على الحضيض وكان فيك الحسد فأنّك شرّ من جميع الخطأة وأغباهم وأردأهم.

* الحسد أشدّ الخطايا وأشنعها لأنّ الحاسد يشبه الشّيطان الذي يُسرُّ بهلاك ومضرّة البشر.

Leave a comment