اليوم أوان خلاص

اليوم أوان خلاص

ماريا قبارة


“ها أنذا اليوم أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الأمم” (متى10:2)

والسؤال هل تتغير نوعية العلاقة مع اللّه جوهريًا بتغيّر نوعية التعليم اللاهوتي باستخدام التقنيات الحديثة؟ وهل البشارة التي بشّرنا بها الرسول توافق هذا اليوم؟

إنّ اللّه لا يتغيّر، “هو هو أمس واليوم وإلى الأبد” (عبرانيين 8:13). فالعلاقة مع اللّه جهاد مستمر نحو القداسة، لا تتغير ولو أنّها قابلة للارتقاء والتنوع. وغاية البشارة الدعوة إلى التوبة، هذا ما دعا إليه الصوت الصارخ في البريّة “توبوا فقد اقترب ملكوت السموات” (مت2:3 ). ولنا في البشارة بيسوع المسيح القدّيس الرسول بولس الذي استعمل كلّ الوسائل الممكنة لينشر الكلام الإلهي بين الأمم. “صرت للكلّ كلّ شيء لأخلّص على كلّ حال قومًا” (1كور 19:9-22). ونعلم أنّه استخدم تمثالاً لإله مجهول في الآيوس باغوس (تل كان يجتمع على قمته مجلس مدينة أثينا) (أعمال 17)

ونحن خير من يعلم أنّ آباء الكنيسة بعد أن تطهّروا وتقدّسوا في حياة البريّة وأتقنوا جميع علوم عصرهم من وعظ وشعر وفلك وفلسفة وسائر العلوم، عمّدوها واستخدموها لصياغة هذا الكشف الإلهي “السرّ المكتوم منذ الدهور ومنذ الأجيال لكنّه الآن قد أظهر لقدّيسيه” (كولوسي 26:1) ومن أجل الدفاع عنه، أقاموا نقاط ارتباط بعصرهم وانطلقوا منها لتقديم الحياة المسيحيّة بطريقة يفهمها الناس آنذاك. فاستخدام الحداثة في الحديث اللاهوتي اليوم لا يعني تهديدًا لماهية هذا الكلام ولا على العلاقة باللّه، بل هو أمر ضروري ومطلوب، أمرٌ تقليدي نقتدي به بالآباء القدّيسين الذين حاكوا عصرهم في نشر البشارة. ويعطينا هذا شرعية أكبر لمبدأ الحداثة في تطوير وسائل البشارة، وينزع غطاء الخوف ويحرر من الاستكانة ويدرّع الكنيسة ويحميها، ويحرر الرئاسات من السطوة والتسلط، ويحرّر ويحرّر…، فتزيد معرفتنا للحق يسوع المسيح.

إنّ تجاهل الكنيسة لهذه الوسائل يعني ترك الساحة للغير، لمعتقدات غريبة لا تمتّ للمسيحية بأي صلة. وهذا التجاهل يعني سقم واحتضار، يعني فقدان كلّ ماعشناه حتّى الآن ككنيسة راعية خلاص المؤمنين. فواجبنا أن نواكب هذا التطور لنستوعبه ونسخره للبشارة بيسوع المسيح. وهنا يأتي دور معهدنا اللاهوتي في البلمند الذي يجب أن يصبو إلى تخريج كوادر من خدّام المسيح وعلمانيين معلمين ومثقفين يدمجون في شخصيّتهم خبرة حياة الصلاة مع المعرفة اللاهوتية المنهجية، ومعرفة كلّ التقنيات الحديثة الإعلامية والمعلوماتية. فآن الأوان لعلمية معهد اللاهوت أن ترتقي ليكون حجًا لكلّ طالب وطالبة علم في العالم وخاصة في مجال اللاهوت “ولنا مواهب تختلف باختلاف ما أُعطينا من النعمة: من له موهبة الخدمة فليخدم، ومن له التعليم فليعلِّم، ومن له الوعظ فليعظ..” (رومية6:12). ويساعدنا هذا على إنشاء مؤسسات إعلامية تتحدّى عالم الشهوة والعنف، وإعداد مواقع شاملة للمعلوماتية تعرض المسيرة الأرثوذكسية الصحيحة وتسمح للمهتمين إن يصلوا إلى تراثنا الذي بُني على مرّ العصور.

إنّ عالمنا محفوف بالمخاطر، لكن “أستطيع كلّ شيء بالمسيح الذي يقويّني”، فمغامرة الصليب أصلاً هي توغل في الخطر أدى إلى الموت… ثمّ القيامة

Leave a comment