“اجعل يارب (جيشاً) حارساً لفمي وباباً حصيناً على شفتي” (مز140)

“اجعل يارب (جيشاً) حارساً لفمي وباباً حصيناً على شفتي” (مز140)

ماريَّا قبارة

يُحكى عن مدينة تدعى “مدينة الثرثرة” تُبهج الأنظار من الخارج بأبنيتها العالية الجذابة وأشجارها الوافرة الخلابة، وهذه المدينة قائمة على تلّة “الضلال”، وتحكمها امرأة جميلة جداً تدعى “الإشاعات”، وإن أردت السفر إليها فما عليك إلاّ بقطار “الكسل”، وهناك عندما تصل وتسْحرك الأبنية والمناظر الخارجية لا تستطيع أن تمشي إلاّ في شارع “الأفكار الشريرة” الذي يتفرع منه شارع “الكلام البطّال” أما ساحة المدينة الرئيسية فتقع في شارع يسمى “….:إنّهم يقولون”. وبعد المسير طويلاً فيها ستعطش وتشرب من بئر “سمعنا من…”، وإن بحثت عن اللهو في مطعم أولشرب النرجيلة مثلاً فما عليك إلاّ بمطعم “الرشيد للنميمة” الواقع قرب بحيرة “المجد الباطل”. وترى أيضاً في المدينة أناسٌ مثقفون جداً لتتساير وتتجاذب أطراف الحديث معهم، فقاضي المدينة المشهور هو “سوء الظن” ويسكن في شارع “عدم الاكتراث”، ويوقع تحت اسم “تشويه السُمعة”. وفي وقت مضى كان تسكن عائلة شريفة ولكن للأسف قضي عليها وكانت مؤلفة من الرجل”الضمير” وزوجته “الأمانة” وقد اكتشفوا هوية القاتل فيما بعد وكان “الكبرياء” الذي قتلهم بسمّ “الحسد وحبّ المال”

وستسأل أين “العدل والسلام” في المدينة!!، وستعرف أنّهم قد هربوا وفرّوا منها لأنّ جيوش “التشويه والافتراء والمحاباة” قد حلّت مكانهم

يسكن في هذه المدينة أيضاً من هم أعضاء في الكنيسة الذين لا يقاربون فكر المسيح ولا روحه القدّوس، بل هم مشبعون بفكر المدينة وثرثرتها، فللأسف المجال للكل مفتوح للسكن فيها، ولكن هل الثمن بخسْ؟

ومن يريد أن يعيش سالماً معافى فعليه مغادرة هذه المدينة، فهو يحتاج إلى “الانضباط” هذه الكلمة التي نحبّها أحياناً ونتجنبها كثيراً. فعليك أن تكون منضبطاً في كلّ شيء، ففي الأقوال عليك ألاّ تتكلم بكل ما يخطر ببالك، ولتعلم أنّ الأحمق يضع قلبه على لسانه أمّا المنضبط فهو الذي يضع لسانه على قلبه. وعليك أيضاً ألاّ تقبل الأفكار الخاطئة وألا تتساهل معها وألاّ تتنقلّها بل أن تشغل نفسك بالأفكار الصالحة. وإن كنت منضبطاً في أفعالك تفعل كلّ ما يحلو لك وهذه الحريّة الشخصية تعطي الاعتداد بالنفس لوناً يختلف عن لون عدم الاكتراث أو عدم الطاعة للقوانين، وتحضر الديمقراطية كمبدأ شخصي وطريقة تعامل مع الآخر، فالروحاني يعيش فيها حياة الانضباط كالنهر الذي يجري بحرية لكن بين شاطئين لا يعتديان على حريته بل يضبطانه حتّى لا يفيض ويتحوّل إلى مستنقعات.

فما أخطر أن نجلس في مجلس المستهزئين “فالمعاشرات الرديئة تٌفسد الأخلاق الجيدة” (1كور33:15)، فتدريجياً ستفتر محبتنا ويكثر ضعفنا ويصير الواحد منّا يفكر مثلهم ويتصرف مثلهم، و بدلاً من أن نعلّم الآخرين الأغاني الروحية العذبة نتعلّم منهم نغمات المدينة المؤذية للنفس والضارّة للروح، وليس أمامنا وهذه الحالة إلاّ أن نعود إلى شركة المؤمنين إلى المدينة المنيرة؛كنيستنا، لنلتهب من جديد.

هذه المدينة “مدينة الثرثرة” هي مجتمعنا الذي نعيش فيه ، وإن لم يكن من مناص أن تسكنها فما عليك إلاّ بالصلاة الدائمة: “اجعل يارب (جيشاً) حارساً لفمي (وأبواباً) حصينة على شفتيّ” (مز140)

Leave a comment