“يا غبي، في هذه الليلة تُسترد نفسُك منك”

“يا غبي، في هذه الليلة تُسترد نفسُك منك”

(لوقا20:12)

ماريَّا قبارة

يروى عن أبو جعفر المنصور الخليفة العباسي أنّه سمع بمهارة أحد الأطباء المسيحيين بعمله فأولاه الخليفة ومن باب الثقة أمرَ المسيحيين في بغداد، ولكنَّ الأخير ساءَ استخدام منصبه بكبريائه وشرّه، وذهبت الحماسةُ بالمتطببِ المتغطرس إلى حدّ سجن الجاسليق، وعندئذٍ خلا له الجوّ بعد أن سلطه المنصور على أهل ملّته وأطلقَ يدهُ فيهم، فأصدرَ أوامره إلى الأساقفة بتسليم أموال الكنائس وعزل أولئك الذين رفضوا الانصياع لأوامره، وتقبّل الرشوة وشجعها، وكدّس الأموال. ومرّت السنون و”عفيف” يصول ويجول في بغداد والأساقفة والشعب يتحملون الأذى بسببه، والخليفة مشغول بأمورِ الدولة لا يستمع إلى المظالم، ولأنّ اللّه لا يقبل الظلم، وتدابيره عادلة ويسمع صراخ المستغيثين؛ فإنّ الظالم عاجلاً أم آجلاً يلقى جزاء أعماله. وهذا ما حدث لعفيف الغشيم، ففي ذروة غطرسته وبعد أن استولى على أموال الكنائس كتب إلى أحد المطارنة في إحدى المدن الغنية آمراً إيّاه أن يتوجه إليه في الحال حاملاً معه الأموال والأدوات الثمينة مهدداً له بالويل في حال عدم الخضوع له، لأنّّ أوامره ما هي إلاّ أوامر الخليفة.

قرأ الأسقف الكتاب وأعاد القراءة فاستعظم قول الطبيب المتكبر: “هاهي فرصة للإيقاع به والتخلّص من ظلمه”؛ لذا فكّر بطريقة يوصل فيها الكتاب إلى وزير المنصور، فحمّل            الكتاب مع جماعة من الأساقفة وقدّمه للوزير الذي انتهز الفرصة للتخلّص من عفيف إذ كان متبرماً من تصرفاته، وفي الحال اطلع الخليفة على فحوى الكتاب وغضب جداً وأمر بإحضار الطبيب وقرأه أمامه فأنكر الطبيب ولكن ثبت عليه بالشهادة العادلة، فصاح المنصور في وجهه بحدّة: “فوضتُ إليك أمرَ القومِ لتصلحهم أم لتصادرهم؟”. فوضع يديه على أملاكه وأمواله ونفاه وزوجته إلى الهند ولم يسمع له خبر من بعد، وهذا هو ثمر الشرّ.

كانت هذه قصة وعبرة من واقعنا اليوم تدعونا إلى تجنّب الكبرياء والتجبّر بالغير فهل نعتبر؟؟

وأنتهز الفرصة بهذا لأن أنّوه بأنّ مال الولاية والرعية ليست لها بل للّه وأبناء اللّه، أيّ للمحتاج والمسكين والفقير وللكاهن الذي يسير بك إلى اللّه، أمّا أن يشعرك المال بالسلطة وبالكرسي والمنصب ويجعلك تغمّس يدك بأقذار وأوساخ العالم فهذا لأنّك غير مسيحي، فنحن وإن كنّا على هذه الأرض لكن لنا فلسفة أخرى لا يفهمها أهل العالم وهي فلسفة المحبة التي علينا أن نعيشها ونختبرها ويكملها الإيمان لمعارج القداسة. ومن هنا علينا نحن الأرثوذكسيين أن نعتمد على بعضنا البعض فالأوقات عصيبة، لا على أصحاب الأموال أو الأوقاف التي ليست إلاّ لفئة معينة منّا، فلنحمل بعضنا أثقال بعض وبهذا نتمم شريعة المسيح، فعمران النفوس أولى من المشاريع العمرانية، والعطاء مشاركة وروح وأخيراً قيامة من الكونسروة العالمية.

Leave a comment