صوتُ صارخ في البريّة

صوتُ صارخ في البريّة

(لوقا4:3)

ماريَّـا قبارة

كلّ يوم يمرّ وأنا أرى مدى تراجع وتراخي مستوى “مدارس الأحد” ومن المؤسف أن هذا التراجع يشمل بعض الفروع والمراكز، ويا ليته كان محصوراً بناحية معينة فقط، بل هو على الصعيد الإرشادي والرعائي وبمستوى متدني من النشاطات الروحية والعامة وغير ذلك من الأمور.

وما أطلبه اليوم “تفسيراً؟” ولو كان هذا التفسير عبارة عن كلمة بسيطة واحدة. لست بموقع أن أحلّل أو أدرس الوضع ولا أريد أن أتفلسف أو أنظّر، بل بكلّ بساطة أعتبر نفسي جزء من مدارس الأحد مترعرعة فيها وناشئة بمواهب الروح فيها، لهدف تعلمّناه منها أن يكون لنا فكر المسيح”فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح أيضاً” (فيلبي5:2)، والعمل به في هذا العالم، ولست الأولى ولا الأخيرة بهذا الفكر والروح.

أمّا اليوم فلا نسمع في الأوساط إلاّ كلمة “نشتاق إلى أيام زمان” –أيام الحركة القديمة-، وأسأل الذين يشتاقون: ما هي أيام زمان غير ما أسستموه وتابعتموه وتطوّر إلى ما نحن عليه اليوم؟ ألا تعرفون كيف وصلتم إلى ما هي عليه مدارس الأحد (الحركة) اليوم؟

مجرد نظرة بسيطة إلى السنوات الفائتة نلاحظ أنّه لم يكن لديهم ربع ما لدينا بكافة الأوجه –على الصعيد البشري المواهبي أو على الصعيد المؤسساتي- أمّا الأشخاص الحركيين الذين عملوا قبلاً يعمل البعض منهم اليوم، فلماذا الاستغراب ولماذا الاجتماعات والمؤتمرات؟؟؟ لا عجب من ذلك فهؤلاء الأشخاص هم أنفسهم تغيّرت نظرتهم الحركية وعملهم ونلاحظ منهم تطلعات ماديّة اقتصادية ويعتبرون مدراس الأحد اليوم صفقة بالنسبة لهم، وأيّة صفقة! كثرت الحفلات والكرامس وموائد المحبّة في مناسبات عديدة وباسم الأعياد الرسمية وفي الأصوام الكبيرة بلافتات ولوحات في كلّ مكان، وأكثر من هذا يسألون من الباب الملوكي للتبرع من أجل الحجر وليس من أجل البشر، ناسين أنّ: “أوثان الأمم فضةٌ وذهبٌ صنع أيدي البشر”، لماذا؟؟ من أجل دعم المركز والمؤسسات الحجرية، ولكن لا أعني بكلامي أنّهم لا يهتمون للفقراء والمحتاجين ولكن بجهود ضعيفة تجاه النشاطات العامّة.

هل يستغلون مواهب الشباب إلى أبعد الحدود؟ أو أنّ هذا ليس عمل مدارس الأحد!

لا أريد أن أنكر بعض إنجازات واهتمام بعض الحركيين الآن ولكن لا يشكلّون شيئاً أمام الأكثرية، ولا أقلّل من قدر أحدٍ، حاشا! لكنّي أكتب بتطلّعٍ عنيدٍ أن نعيد حساباتنا وتوجهاتنا وهدفنا الذي كان يسوع المسيح ونمشي سائرين إليه، وهذا هو معنى الحركة، لعمري ما سمعت حركة تسعى إلى الوراء كما الآن! بل أن نسير إلى الصليب لنفرح بالقيامة ونأخذ الروح بالعنصرة فنرسم رسلاً للمسيح من أجل البشارة المتجددة كلّ يوم وفي كلّ زمان وعصر، للبشارة بكلمة الرب؛ الإله الحي، وليس بإله المال (سيّد العالم) فنحن “لسنا من هذا العالم” (يوحنا 19:15). وأنا وغيري لا ننسى مقدار المحبّة التي تلقيناها من مدراس الأحد، وأذكر معكم أيام زمان بغيرةٍ أن تعود بهدفها وأصالتها، وأن يعود شعارها: “السعي للخدمة وتملّك فكر المسيح تجاه كلّ قريب لنا محتاج، ملتئمين حول المائدة المقدّسة بالصلاة والشكر وآخذين جسد المسيح ودمه الكريمين هبةً وثمناً عن أعمالنا” بدلاً من الشعار المرفوع اليوم “البحث عن مشروع وعنوان ملفت يدرّ لمركزنا المال؛ إله وسيّد العالم” فنسمع عن هذا صوت الرب يقول: “يا أولاد الأفاعي من أراكم سبيل الهرب من الغضب الآتي؟” (لوقا7:3)

لست متشائمة ولا أنظر إلى الكأس الفارغة، بل هذا واقعٌ ملموس، نعيشه جميعنا، ومن يهمّه الأمر ويتحسسه فليسعَ في ملء هذه الكأس “بالروح الحقّ” وإبعاد ذئب هذا العالم الفارغ الدهري عن حظيرة الكنيسة وبهذا نكون رعاة صالحين “الراعي الصالح يبذل نفسه في سبيل الخراف وأمّا الأجير وهو ليس براعٍ وليست الخراف له فإذا رأى الذئب مقبلاً ترك الخراف وهرب فيخطف الذئب الخراف ويبددها” (يوحنا11:10-13)، وأن لا نخسر أيضاً ما خسرناه قبلاً فيفرغ الكأس على الأخير، ولا نستحق أن نقدّم الجواب الحسن لدى منبر المسيح المرهوب:”إنّي قد مجّدتك في الأرض فأتممتُ العملَ الذي أوكلت إليَّ أن أعمله” (يوحنا4:17)

Leave a comment