صديقي… حياتي

صديقي… حياتي

ماريَّـا قبارة

“إن أخطأ إليك أخوك فاذهب وعاتبه…” (متى15:18)

صديقتي:

تلقيت رسالتك التي اخترقت فؤادي وغرزت فيه طعنة مؤلمة، لم تقتلني ولكنها أبقت فيّ جراحات دامية (…كيف هي أمورك، ألا زلت تذكرينني أم أنني الآن من قصص النسيان؟)، تلك العبارة التي ألجمتني، أيبست حروفي، أذهلتني، أوجعتني…

كيف لي أن أجيب على سؤالك هذا وقد ملكت فؤادي وأشعلت شموع قلبي، ألا تري قلباً مشتاقاً وروحاً متلهفة لسماع أخبارك ومعرفة أحوالك! كيف لا أذكرك وأنت ظلي وإن كنت بعيدة عنّي؟ كيف لا أذكرك وأنت يا صديقي رفيقة دربي وملهمة عباراتي؟ كيف أنسى وفاءك حين خان الآخرون؟ كيف أنسى قلبك الكبير الذي رغم البعد لم يتغير، هل يعقل أن تكوني هواء رئتي ونسيم نفسي فأنساك

صديقتي: إنّي ألتمس لك العذر حين تعاتبي فقد أسرفتِ في البعد وأكثرتِ من الهجر، ولكن… تمهلي قليلاً فقد أكون معذورة أيضاً، ربَّ أمرٍ أبعدني ربَّ شيء قيدني، فلا تقسّي قلبك.

عزيزتي: الصداقة كنز يصعب إيجاده لكنّه عطر يطيب استنشاقه، صداقتي لك عميقة عمق الزمن، ثابتة راسخة لا يبدلها شيء، فلا جفاء يكسرها ولا أمر يبعدها.

صديقتي: هاكِ يدي تحمل باقة صدق وإخلاص أقدمها عربوناً لعهد قادم زاهر أنت سراجه الذي يزهر وأنت قمره الذي يبهر فلا تغضبي ولا تزجري ولكن ابقي واصبري لعلّنا يوماً في الودّ نبحر.

وكان الجواب من صديقتي “…قمة الحبّ أن يجبرك الصمت على الكلام فيعجز الكلام عن التعبير فتصمت، ولنا لقاء قريب جداً…”

هكذا هي الصداقة… “فإن أخطأ إليك أخوك فاذهب وعاتبه بينك وبينه. إن سمع منك فقد ربحت أخاك”(متى15:18)، أليس هذا ما أوصى به الرب يسوع، أم أنك تفضل الإساءة أو أخذ الثأر أو إذاعة الإشاعات الكاذبة انتقاماً من الشخص المخطئ إليك؟؟

إنّ العتاب يا إخوتي حوار بين طرفين مختلفين معاً حول نقطة الخلاف بقصد التودد والإصلاح، وليس إثبات من هو المخطئ. والعتاب بين الأحباب والأصدقاء يجدد عهد الصداقة والودّ، والحل الأفضل من المظلوم والمهان، فعليك ألاّ تتجاهل الأخطاء المرتكبة بحقك. فإن أساء إليك مرة فهو المخطئ أما إن أساء إليك مرة ثانية فأنت المخطئ لأنك لم تهتم به لتقوده إلى التوبة.

ومن الشخص الذي أعاتبه؟

أعاتب أخي وقريبي. فالذي يقوم ويذهب للآخر ليس بالضرورة الذي أخطأ، ولكن الأكثر وعياً وحباً وتواضعاً. فمحبة أخي تحرّكني للعتاب، وقبل هذا عليّ بالغفران.

فما أجمل العتاب عندما يعيد الصفاء والسلام ويجدد روح المحبّة والوفاء، ولكن الأجمل أن نملك المفردات لنريق حبر أقلامنا ومشاعرنا وننثر بديع محبتنا لنعبّر عن مشاعرنا التي نكتنزها للحظات اللقاء والعتاب، فتبدو بريقاً بأعيننا وبسمات على شفاهنا ونحن نردد “ما أجمل الصداقة والصديق”

ومن المقولة المتداولة بين الناس أنّ “العتاب صابون القلوب” وبها علينا أن نتعظ بألاّ نختم يومنا إلاّ بمحاسبة دقيقة نجريها مع ذواتنا، فلا نخلد للنوم إلاّ بغسل قلوبنا ونفوسنا من كلّ حسد وحقد وضغينة وكره للقريب مهما كان حجمه، فهذا لا يليق بنا كقلوب مؤمنة. العتاب يا إخوتي يبدّد الضيق بين الأصدقاء والأحباب ويقرّب القلوب ويفرحها

Leave a comment