الشيطان وكيفية مواجهته – 3

الشيطان وكيفية مواجهته – 3

الأرشمندريت باسيليوس باكويانيس

نقله إلى العربية الأب أنطوان ملكي

2-5 الأسلحة ضد الشيطان

– الصوم والصلاة

قال الرب: “هذا الجنس لا يخرج إلا بالصلاة والصوم”. الصوم للجسد والصلاة للنفس. لذا، كوننا نملك جسداً ونفساً، يعني أن على الإنسان بكماله أن يكون ضد الشيطان.

الصوم

تكمن قوة الشيطان في البطن. بتعبير آخر، استسلام الناس للأكل والشرب من دون ضوابط، يصير بيد الشيطان سلاحاً يستعمله ضدهم. لذا، الصوم يجرّد الشيطان من السلاح. هذا يؤكده لنا كاتب الصلوات “ولا حتّى إهانات الأبالسة المستهترة تجرؤ على الصائمين” (التريودي، غروب الإثنين من أسبوع مرفع الجبن). الكثير من الحوادث في سير القديسين تظهر أن الشيطان يُطرَد بالصوم.

الصلاة

لنتذكّر كيف يرتعب الشيطان من اسم يسوع. الوسيط، بالرغم من كونه في “غشية” قفز من كرسيه ثم وقع في إغماءة عميقة. مما يميّز الممسوسين هو عجزهم الفعلي عن ذكر اسم “المسيح”. عندما يتحدّثون عن السيّد يقولون “هو” أو “ذاك الذي”، لكنّهم لا يذكرون المسيح بالمطلَق. اطلبوا من ممسوس أن يقول كلمة “المسيح” وبالتأكيد سوف يرفض. لهذا، صلاة يسوع “يا ربي يسوع المسيح…” تجلب الذعر والارتعاد للشياطين.

شرب الماء المقدّس

عندما يقيم الكاهن خدمة تقديس الماء، يصير الماء الذي تمّ تقديسه وعاءً للنعمة الإلهية، وعليه يصير ناراً تحرق إبليس. في سنة 1925، زار أحد الممسوسين دير ديونيسيّو في الجبل المقدّس. أعطاه الأب بيساريون، وهو أحد آباء الدير، قنينة ماء قد أضاف إليها سرياً بعض الماء المقدّس، وقال له: “خذْ بعض الماء لتكسر به عطشَك””. ما أن لامس الماء شفتي الممسوس حتى صرخ “لقد أحرقتني أيّها الراهب”، وبصق الماء الذي في فيه. أخبرني أحد الأشخاص أنّه رشّ أحد الممسوسين بالماء المقدس فراح الأخير يصرخ “لقد أحرقتني!”

معاينة الوثني التيبيتي

في سنة 1970، زار أثينا أحد المشعوذين آتياً من التيبت. أثناء سيره في الشارع، رأى بتدبير إلهي، الأبالسة يتعلّقون بالناس: أحدهم على الرقبة، الآخر على الأذنين، آخر عند الأنف، واحد عند الفم، إلخ. لكن ما شغل تفكيره أكثر من ذلك هو أن الأبالسة كانوا عاجزين عن الاقتراب من الكهنة، فكانوا يحومون حولهم وكأنّهم يبحثون عن فتحة دون أن يجدوا. فسأل “مَن هم هؤلاء الرجال ذوي اللحى والثياب السود؟”، فأُجيب “إنهم كهنة الكنيسة”. ثم قال له أحدهم: “إن أردتَ أن ترى الكثير منهم، لكن الجيّدين، اذهبْ إلى الجبل المقدّس”. فمضى إلى الجبل المقدس حيث أرسله الرهبان إلى الشيخ باييسيوس، وبالنتيجة، تعلّم أموراً عديدة. تاب، تعمّد وصار مسيحياً يحمل اسم ثيوذور. لماذا عجز الشيطان عن التعلّق بالكهنة؟ لأنهم ينتمون لكهنوت المسيح، وبهذا الانتماء يقيمون الأسرار التي، كما سوف نرى، ترعب الشيطان.

“أخشى ثلاثة أشياء”

حارب آباؤنا القديسون الشيطان وجهاً لوجه. غالباً ما تحدّثوا إليه وعرفوا “أسراره”. في إحدى المناقشات اضطر الشيطان لأن يعترف لأحد النسّاك: “هناك ثلاثة أشياء أخشاها: الأول، ما يعلّقه المسيحيون في أعناقهم (الصليب)، الثاني، هو الاغتسال الذي يقومون به في الكنيسة (الاعتراف)، والثالث هو ما يأكلون ويشربون في الكنيسة (المناولة)”. لاحظوا التالي: إنه يخاف من الصليب والاعتراف والمناولة حتّى أنّه لا يشير إليها مباشرة. وأضاف الشيطان: “أكثر ما أخشاه من بينها هو ما يأكلون ويشربون خاصةً إذا أكلوا وشربوا بضمير نقي”.

يقول القديس يوحنا الذهبي الفم أننا نكون مثل أسود تنفث النار بالنسبة للشياطين عندما نتناول: “كمثل أسود تنفث النار، هكذا نرحل عن تلك المائدة، وقد أصبحنا مرعبين للشياطين”.

تعليق

“أخشى ثلاثة أشياء”، قال الشيطان. لكن هذه الأشياء الثلاثة تخصّ المسيحية، وكأنّه يقول أن من بين كل الأديان هو يخشى المسيحية فقط لأن المسيحيين وحدهم يملكون الأسلحة المناسبة لمحاربته. هذا يعني: وحدهم المسيحيون يقيّدون الشيطان. مع الآخرين عنده حرية العمل “لأن كل آلهة الأمم شياطين أما الرب فقد صنع السماوات”، و”إنهم يذبحون للشياطين وليس لله”.

2-6 الاستقسامات

الاستقسامات هي سلاح آخر مهم ضد الشيطان

أ. عند المعمودية

بحسب الآباء القديسين، الشيطان هو عند مركز نفس الولد غير المعمَّد. بالاستقسامات يُطرَد من من القلب ويتحرر الشخص. “أخرِج منه كل روح شرير مخفي ومعشش في قلبه”. الاستقسامات هي خبرة بغيضة للشيطان، إذ تتحداه ليخرج من ضحيته، وسواء أعجبه ذلك أو لا عليه أن يخرج. ولكون الاستقسامات في المعمودية تهدف إلى خلاصنا، ينصح القديس سمعان التسالونيكي بأن تُقال بصوت عالٍ ولأكثر من مرة واحدة. وإلا فالشيطان يوجِد طرقاً لإزعاج المسيحي.

في كنيسة القرون الأولى، كانت صلوات الاستقسامات طقساً مستقلاّ ومؤثّراً فكانت تُقام من كهنة خاصّين يتلون الصلوات وكانت تُقرأ مرات عديدة. يلحّ القديس كيرللس الأورشليمي على الموعوظين بأن “أغرقوا أنفسكم في صلوات الاستقسامات”. كان الموعوظون يغطّون أعينهم ووجوههم حتى لا يتشتت انتباههم، على غرار ما يحصل اليوم عند سيامة الشماس إذ يغطّي رأسه ووجهه بمنشفة.

ب. من أجل “اللعنات” والممسوسين

تستعمل كنيستنا صلوات الاستقسامات التي كتبها القديسان باسيليوس الكبير ويوحنا الذهبي الفم، فتُقرَأ فوق المتألّمين من المسّ أو اللعنة. الأب برفيريوس السابق رقادُه الذي عرف الكثير عن الشياطين، اعتاد القول عن صلوات الاستقسام أنها:

– لا ينبغي قراءتها من دون سبب جديّ ومحدد

– ينبغي قراءتها بصمت من دون أن يسمعها الحاضرون

– كان يوبّخ الكهنة الذين يعيّنون أنفسهم كطاردي أرواح أو الذين يقرؤون الصلوات علناً

– عندما تُتلى الصلوات حيث يجب عدم قراءتها وبغير ما ينبغي أن تُقرأ، يَغِير الشيطان بعنف على الضحية وعلى الكاهن وعلى الحضور.

الشيطان المغتاظ

عندما تُتلى صلوات الاستقسامات على إنسان لم يعتمد بعد، يغتاظ الشيطان. كذلك الأمر عندما تُتلى على إنسان ممسوس. الشيطان الذي “يتفجّر” من الصلوات، يُدفَع إلى الرحيل عن الضحية. أي أنّه مُطالَب بعمل شيء يكرهه لذا يتفجر غضباً.

الضحية

يركّز الشيطان على ضحيته للانتقام! فهو يعذّبه بقسوة ويؤلمه حتى يتلوّى.

2-7 طرد الأرواح

الكاهن – طارد الأرواح

في كانون الأول 1996، ذهبت إحدى السيدات إلى كنيسة في مدينة باترا وطلبت من الكاهن، الذي روى القصة لاحقاً، بأن يقرأ عليها استقسامات القديس باسيليوس الكبير. فحقق الكاهن طلبها وتلا تلك الصلوات. وفي طريق عودته للبيت، تعرّض لرمي حجارة حوله. تطلّع خلفه فلم يجد أحداً. من ثمّ، عند منتصف الليل، جرى أمر فظيع، إذ راح المنزل بأكمله يهتّز، الصحون والزجاج في المطبخ راح يسقط ويتكسّر، فيما راحت الخزانات تهوي إلى الأرض. ركض الكاهن وارتدى غمبازه وما أن بدأ بالصلاة “تبارك الرب…” حتى توقّف الشر. واضح جداً، أن الشياطين اغتاظت من صلوات الاستقسامات فهاجمت “المجرِم”.

المتفرّجون

في زمان القديس يوحنا الذهبي الفم، كان الممسوسون يجلَبون إلى القداس الإلهي. كان بعض المسيحيين الذين يصادف حضورهم في إحدى هذه الخِدَم لا يعيرون انتباهاً ويتوشوشون في ما بينهم. القديس يوحنا، الذي كان خبيراً بخداع الشيطان، قال لرعيته: “ألا تهتمون في ما أنتم تصدرون هذا الضجيج، أن يثِب أحد هذه الشياطين فيجد نفسَكم خاوية، كمثل بيت من غير باب، فيدخل فيها؟ فإذا لم تهتمّوا لأمر إخوتكم الممسوسين، أشفقوا على نفوسكم. أغلِقوا أبواب نفسكم في وجه الشيطان”. لذا، عندما يشترك الإنسان في صلوات الاستقسامات من غير انتباه، يمكن أن يصير ممسوساً.

التواضع

تعلّمنا خبرة آبائنا القديسين أن ما يُخرِج الشياطين من الناس هو التواضع. كان لأحد الرجال ابنة ممسوسة. أخذها إلى ناسك ليعيد لها صحتها. ما أن رأت الناسك حتى صفعته. من جهته، لم يرد، لا بل بحسب تعليم السيد أدار لها الخد الآخر. هذا الموقف المتواضع كان صفعة للشيطان الذي راح يصرخ “أنا أُطرَد بوصية الرب”. عندها تعافت الفتاة ومجّد الشيوخ الله قائلين: “لا شيء يمحق تكبّر الشيطان بقدر التواضع”.

قصد أحد الممسوسين شيخاً طلباً للشفاء. الشيخ اعتبر نفسه غير مستحق ورفض. عند إصرار أقرباء المريض، لانَ وقال للشيطان: “اخرج من خليقة الله”. فأجاب الشيطان: “سوف أخرج، لكن أخبرني مَن هم الخراف ومَن هم الجداء؟”. فأجاب الشيخ بانكسار: “أنا الجداء، أمّا الخراف فالله يعرفهم”. فولول الممسوس “تواضعك يطردني”، ومن ثمّ تعافى.

حملوا مرة أحد الممسوسين للقديس أنطونيوس الكبير الذي اعتبر نفسه غير مستحق لطرد الشياطين. لذا أرسل الممسوس إلى تلميذه الأب بولس البسيط. وفيما كان يصلّي عليه الاستقسامات، خرج الروح الشرير منه وهو يصيح: “تواضع أنطونيوس الكبير يطردني”.

Leave a comment