إجهاد الكهنة: جواب نفسي – روحي

إجهاد الكهنة: جواب نفسي – روحي


الأب جورج موريللي

نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي

“أيها الطبيب طبّب نفسك” (لوقا 23:4)

نظرة عامّة مختصرة للإجهاد

في تعابير علم النفس، الإجهاد هو أيّ نتيجة أو حَدَث يهدد (أو يُنظَر إليه وكأنّه يهدد) عمل المرء العادي المتكيّف أو يكمن وراء قدرات المواجهة الملحوظة. من وجهة النظر الروحية، الإجهاد هو تهديد لصحّة المرء الروحية وهو يتضمّن: وقف الصلوات، شعور بفقدان محبة الله واهتمامه، ونقص في الثقة بالله وبكنيسته.

بوجه عام، ينقسم الإجهاد إلى فئتين رئيسيتين: 1) الإجهاد الحادّ المؤلِم، و2) الإجهاد المزمِن. يُعَرَّف الإجهاد الحادّ المؤلِم بأنّه ردّة فعل على صدمة أو أمر ضاغط. إنه فئة من التشخيص العلاجي مؤلّفة من خلل ما بعد الصدمة (PTSD) أو اضطراب التوتر الحاد (ASD) وتغطّي أحداث التعرّض لجرح عميق والموت في الحوادث والحروب والكوارث، التعرّض لاعتداء جسدي، الاعتداء الجنسي، مخيمات الاعتقال والسجن الإفرادي. ردّة الفعل تكون عادةً الخوف، الشعور بعدم الأمان، الرعب، الغضب، أو إعادة الاختبار الحسي للحدث والاضطراب المتزايد والاستثارة. لا يهتمّ هذا المقال بهذه الفئة.

الإجهاد المزمن سببه الأحداث اليومية التي تصير ضاغطة بسبب تكرارها. التكرار المستمر لهذه الأحداث ولفترة طويلة يوعّي نظام التفاعل مع الإجهاد في الجسد، ويجعل الجسد أكثر قابلية لتوليد ردة فعل إجهادية. تشمل هذه الأحداث الخبرات اليومية وغيرها من الهموم العامة والتجارب واضطرابات الحياة. بين هذه الأحداث الشائعة المشاكل العائلية، الشؤون الصحية، زحمة السير، توقف السيارة عن العمل، التخلّف عن المواعيد، والتأخّر. هذا النوع من الإجهاد في حياة الكاهن هو موضوع التركيز في هذا المقال.

يواجه الكهنة الأرثوذكسيون نفس الأحداث المجهِدة التي يواجهها الآخرون. إلى هذا، عندهم الأحداث الشائعة في كنيسة هرمية: أسقفية (من فوق)، ومجلس الرعية (من تحت)، وغالباً ما تفترض كل من الفئتين، الأسقف ومجلس الرعية، أنّها تتحكّم بالكاهن. ظاهرياً قد تبدو هذه الأمور الشائعة حميدة، لكن متى تكررت مواجهتها يوماً يعد يوم لفترات طويلة تميل نحو تكديس مفعولها. بالواقع، إنها تؤدّي إلى نفس التأثيرات الجسدية، النفسية والروحية التي تنتج عن خلل ما بعد الصدمة والتوتر الحاد المذكورَين سابقاً.

العوامل الكثيرة الداعمة للإجهاد

إن العوامل التي تحدد ردة فعل الناس على الإجهاد كثيرة ومتنوعة منها: الجسدية (نظام ردة الفعل على الإجهاد عند الجسد)، معرفية (التقدير)، عاطفية (الإحباط)، شخصية (تفاؤلية)، اجتماعية – ثقافية (انتماء إلى خلفية إثنية محددة) وسلوكية (استرتيجيات المواجهة).

يؤثّر الإجهاد على الجسد بطرق عديدة. للجهاز العصبي مكوّنان أساسيان: الجهاز المركزي المؤلّف من الدماغ والنخاع الشوكي، والجهاز الطَرَفي الذي يضمّ ما هو خارج الجسد والعقل النخاع الشوكي، وهو ينقسم إلى الجهاز العصبي الجسدي كالأعصاب التي تمتدّ إلى اليدين والرجلين وغيرها، والجهاز العصبي التلقائي الذي يتألّف بدوره من عنصرين: النظام الودّي والنظام نظير الودّي. الجهاز العصبي التلقائي حاسم في فهم نظام تفاعل الجسم مع الإجهاد. فهو يتّصل بمجاري الدم، المثانة، جهاز التنفس، الجهاز الهضمي، الغدد والقلب.

عندما يسترخي الجسد ويعمل طبيعياً، يعمل النظام نظير الودي. هرمون الأسيتيلكولين هو أحد أهمّ قنوات نقل المعلومات. عندما يكون بؤبؤ العين ضيقاً، واللعاب طبيعياً، والتنفس منتظماً، ونبض القلب نظامياً، وعمليات الهضم فاعلة، والمثانة قادرة على ضبط المحتوى، يكون الإنسان مسترخياً وطبيعياً. عندما يكون الجسم مجهَداً، يعمل النظام الودي. هورمونات الأدرينالين أو الآبيتارفين أو الكوتيزول تكوّن قنوات نقل المعلومات. في حالة إحساس الإنسان بالتوتر، يتّسع بؤبؤ العين، ينشف الفم، يتسارع التنّفس ونبض القلب، تُكبَح عمليات الهضم، ترتفع نسبة التعرّق، ويجري بعض التسرّب من محتوى المثانة….

تأثيرات الإجهاد ماكرة: نمو العدائية، الاستسلام، سوء استعمال الأشياء، ضعف في الإنجاز، إنهاك جسدي وفكري وعاطفي، تعاسة، اضطرابات وقلق، وإحباط. إلى هذا، الإجهاد، كعامل نفسي، يزيد من حدّة بعض الأمراض النفس-جسدية ذات الأسباب الجسدية أو الوراثية، مثل الربو، الأكزيما، مرض القلب، البثور، التوتر، الصداع وألم الرأس، الاضطرابات الجلدية والقروح.

عوامل ذات تأثير خاصّ على الإجهاد

السيطرة والدعم

بدأت، في جامعة لندن منذ 1967، دراسات ما تزال مستمرّة حول تأثير التحكّم في العمل أو الوظيفة على الإجهاد. وقد ظهر استنتاجان واضحان: 1) ضعف السيطرة في العمل يقدّم مساهمة مهمّة من التحدّر الاجتماعي في المرض العقلي والجسدي، و2) وجه آخر من جو العمل الذي قد يكون مجهِداً هو النقص في الدعم من المدراء أو المسؤولين (كالزملاء والمراقبين المباشرين) خاصةً عندما لا يتلقّى العامل معلومات واضحة ودقيقة من المشرِفين عليه. المشكلة الثانية ترتبط بخطر متنامٍ ثنائي على الصحة العقلية عموماً. التوقّع المضخَّم

لقد ميّزتُ في مقالة سابقة بين الكمالية (perfectionism) ووصية المسيح بأن “كونوا كاملين كما أن اباكم السماوي كامل” (متى 48:5). إن اتّباع دعوة المسيح إلى الكمال هي الاعتراف بأنّ الكمال بالمطلَق لا يأتي من الإنسان بل من الله. “وَإِلهُ كُلِّ نِعْمَةٍ الَّذِي دَعَانَا إِلَى مَجْدِهِ الأَبَدِيِّ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، بَعْدَمَا تَأَلَّمْتُمْ يَسِيرًا، هُوَ يُكَمِّلُكُمْ، وَيُثَبِّتُكُمْ، وَيُقَوِّيكُمْ، وَيُمَكِّنُكُمْ” (1بطرس 10:5). وقد ذكرتُ أن الثقة والصبر هما عمودا رحلتنا نحو الكمال. في تعبير علم النفس، يُبلَغ إلى الصبر بالتخلّي عن التوقّعات المتطلّبة المستعجلة غير الواقعية وبعدم استبدال الحقيقة بل قبولها كما هي. إنّ الثقة بالله وبحكمته الإلهية هي التقنية الفعّالة لتحدي الضرورات التي نعتبرها ملّحة، كما أنّها تساعد على علاج داء الكمالية.

لكن عالماً من الاختلاف يكمن بين السعي إلى الكمال بالمعنى الروحي والكمالية. إن الخوف من الفشل والحسّ بالواجب هما ما يحرّك الذين يعانون من هذا الداء. فهم يجاهدون لأن يكونوا في المركز الأول في كلّ مساعيهم دون أن ترضيهم إنجازاتهم. إنهم يؤمنون بأنّ هناك جودة خاصّة لاكتساب الكمال؛ فالطريقة الوحيدة لاكتساب احترام الذات وتحقيق حسّ الفرادة هي في التعبير عن بعض الصفات، كالذكاء مثلاً، بطريقة تخلو من العيب أو بتطبيق بعض المهارات بطريقة تخلو من الخطأ. يشير ألان (2003): “تصير الكمالية مستبدة (إجهاداً) عندما تقترن المعايير (التوقعات) العالية بالقلق”.

قد يتاثّر أيٌّ كان بهذه المتغيّرات التي تشكّل عوامل ترفع من خطر الإجهاد. لذا، أصحاب الوظائف ذات المراتب الدنيا التي تخضع لإشرافٍ ملتبِس أو متناقض هم عرضة للتأثّر بنفس المستوى من السهولة كما الأشخاص الذين في مراتب عالية أو في جو متطلّب. وعلى المنوال نفسه هم أصحاب التوقعات الكمالية.

الإكليروس الأرثوذكسي كحالة خاصة

أنجزتُ حلقات دراسية عديدة حول إجهاد الإكليروس في مختلف الأبرشيات، تمّ خلالها تبيان ثلاث عوامل إجهاد بشكل ثابت: 1) الوقوع تحت إشراف أحد الرؤساء أو عدم تفهمه؛ 2) المعاملة كموظف من قِبَل مجلس الرعية الذي هو صاحب الكلمة الأخيرة في الشؤون الإدارية (وقد يبلغ التحكّم في بعض الأوقات حدّ التدخّل في وظيفة الكاهن الليتورجية)؛ و3) المتطلبات الناجمة عن كون الكاهن زوجاً ووالداً، بالنسبة للكهنة أرباب العائلات. غيرُ الإكليروس قد لا يعتبرون هذه الحالة خاصة. فتحمّل المشرِفين وعدم تفهمهم، وضغوطات العائلة أمور يواجهها الكثيرون في الحياة اليومية. يكمن الفرق في طبيعة الكهنوت بحدّ ذاته، وفي نظرة الكاهن لنفسه ككاهن.

شيء من التأمّل في نصائح القديس يوحنا كرونشتادت في الكهنوت يبرهن طبيعة الكهنوت المسيحي ومسؤوليته: “… الكاهن المستحقّ، يكون مثل السارافيم، يحترق أمام الله بالمحبة والمديح والامتنان لعجائب رحمته وحكمته… كما النور والحرارة لا ينفصلان عن الشمس، كذلك القداسة والغيرة على التعليم ومحبة الجميع والحنو عليهم، ينبغي ألا تنفصل عن شخص الكاهن. إذ لمَن هذا الجلال الذي يحمله؟ إنّه جلال المسيح… الله نفسه… ما أنا بذاتي شيء، لكن بنعمة الكهنوت أصير وسيلة الشفاء. من خلالي نعمة الروح القدس تعطي حياة جديدة؛ جسد المسيح ودمه للمؤمنين… متحدة إياهم مع الله”.

قال القديس يوحنا للكهنة: “عليكم أن تمجّدوا الله وتشكروه من دون انقطاع. عليكم دائماً أن تسعوا إلى القداسة، بصوم وتقشّف، باتّضاع فكر وصبر”.

ما الذي يمكن اعتباره أكثر الأمور إجهاداً للكهنة؟ يجيب القديس يوحنا بالتحذير الذي أورده الرب في إنجيل الرسول لوقا: “فَكُلُّ مَنْ أُعْطِيَ كَثِيرًا يُطْلَبُ مِنْهُ كَثِيرٌ، وَمَنْ يُودِعُونَهُ كَثِيرًا يُطَالِبُونَهُ بِأَكْثَرَ” (لوقا 48:12). ينبغي إيراد كلام القديس يوحنا كاملاً: “إن لمْ يتعلّم الكاهن أن يكون لطيفاً، متواضعاً وكريماً، وأن يتخطّى الشر بالخير، فإن الحساب الذي يُطلَب منه أكثر صرامةً مما يُطلَب من العلماني. فالكاهن في سيامته أُعطي قوة أكبر للتقوى، وإن لم يسلك بحسبها ويتممها، يحكم على نفسه بإهماله وعدم توبته. يا الله اغفر لي خطاياي، وعلّمني أن أعمل إرادتك”.

التعامل مع الرؤساء

على الكهنة أن يطيعوا أساقفتهم وكأنهم يسوع المسيح. “أطِيعُوا مُرْشِدِيكُمْ وَاخْضَعُوا، لأَنَّهُمْ يَسْهَرُونَ لأَجْلِ نُفُوسِكُمْ كَأَنَّهُمْ سَوْفَ يُعْطُونَ حِسَابًا، لِكَيْ يَفْعَلُوا ذلِكَ بِفَرَحٍ، لاَ آنِّينَ، لأَنَّ هذَا غَيْرُ نَافِعٍ لَكُمْ” (عبرانيين 17:13). القديس إغناطيوس الأنطاكي، منذ بدايات تاريخ الكنيسة قال للكهنة (وللعلمانيين) أن يكونوا: “… خاضعين للأسقف كما ليسوع المسيح… وأيضاً للرعاة كما للرسل… وأن يحترموا الشمامسة… إذ من دونهم لا يمكن تمييز أيّ كنيسة”. لهذا، إذا أراد الكهنة أن يكونوا غيورين وصادقين في كهنوتهم فالإخلاص والخضوع للأساقفة سيشكّل ضغطاً عظيماً عليهم. هذا أمر إلهي وفوق النضال البشري.

الهدف بمقابل خبرة الكهنة

يعطينا الرسول بولس الهدف المتوقّع من أصحاب الرتب المقدسة، من الأسقف إلى الشمّاس: “صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ: إِنِ ابْتَغَى أَحَدٌ الأُسْقُفِيَّةَ، فَيَشْتَهِي عَمَلاً صَالِحًا. فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الأُسْقُفُ بِلاَ لَوْمٍ، بَعْلَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، صَاحِيًا، عَاقِلاً، مُحْتَشِمًا، مُضِيفًا لِلْغُرَبَاءِ، صَالِحًا لِلتَّعْلِيمِ، غَيْرَ مُدْمِنِ الْخَمْرِ، وَلاَ ضَرَّابٍ، وَلاَ طَامِعٍ بِالرِّبْحِ الْقَبِيحِ، بَلْ حَلِيمًا، غَيْرَ مُخَاصِمٍ، وَلاَ مُحِبٍّ لِلْمَالِ، 4يُدَبِّرُ بَيْتَهُ حَسَنًا، لَهُ أَوْلاَدٌ فِي الْخُضُوعِ بِكُلِّ وَقَارٍ. وَإِنَّمَا إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَعْرِفُ أَنْ يُدَبِّرَ بَيْتَهُ، فَكَيْفَ يَعْتَنِي بِكَنِيسَةِ اللهِ؟ غَيْرَ حَدِيثِ الإِيمَانِ لِئَلاَّ يَتَصَلَّفَ فَيَسْقُطَ فِي دَيْنُونَةِ إِبْلِيسَ. وَيَجِبُ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ لَهُ شَهَادَةٌ حَسَنَةٌ مِنَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ، لِئَلاَّ يَسْقُطَ فِي تَعْيِيرٍ وَفَخِّ إِبْلِيسَ. كَذلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الشَّمَامِسَةُ ذَوِي وَقَارٍ، لاَ ذَوِي لِسَانَيْنِ، غَيْرَ مُولَعِينَ بِالْخَمْرِ الْكَثِيرِ، وَلاَ طَامِعِينَ بِالرِّبْحِ الْقَبِيحِ، وَلَهُمْ سِرُّ الإِيمَانِ بِضَمِيرٍ طَاهِرٍ. وَإِنَّمَا هؤُلاَءِ أَيْضًا لِيُخْتَبَرُوا أَوَّلاً، ثُمَّ يَتَشَمَّسُوا إِنْ كَانُوا بِلاَ لَوْمٍ. كَذلِكَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ النِّسَاءُ ذَوَاتِ وَقَارٍ، غَيْرَ ثَالِبَاتٍ، صَاحِيَاتٍ، أَمِينَاتٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ. لِيَكُنِ الشَّمَامِسَةُ كُلٌ بَعْلَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، مُدَبِّرِينَ أَوْلاَدَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ حَسَنًا، لأَنَّ الَّذِينَ تَشَمَّسُوا حَسَنًا، يَقْتَنُونَ لأَنْفُسِهِمْ دَرَجَةً حَسَنَةً وَثِقَةً كَثِيرَةً فِي الإِيمَانِ الَّذِي بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ” (1تيموثاوس 1:3-7).

من بين صفات الشخصية التي يوردها الرسول بولس: الوقار، اللسان الواحد، عدم الولع بالخمر، عدم الطمع، عدم المخاصمة، والحُلُم. كلامه يعني أن هذه الصفات تصير مطلوبة أكثر مع علو الرتبة.

بحسب ما سمعتُه من الكهنة الذين شاركوا في الحلقات الدراسية التي أدرتُها، ما هو الشيء الأكثر تسبباً في إجهادهم؟ الأول هو التناقض والتعارض بين المثال الذي ينبغي أن يكون الأساقفة (والكهنة والشمامسة) عليه ويتبعونه في التصرّف والعمل. بعض الأمثلة:

– اتّصل أحد أبناء الرعية بالأسقف ليشتكي من أمر ما. دعاني الأسقف وراح يصيح من دون أن يتحقق من الكلام أو يسألني عن روايتي.

– كتب أحد الأغنياء من أعضاء مجلس الرعية إلى الأسقف واتّهمني بما لا علم لي به مطلقاً. أنّبني الأسقف من دون الاستماع لي.

– طلب الأسقف من كل الرعايا في أبرشيته أن يقوموا بخدمة ليتورجية ما. عندما قمتُ بها اشتكى بعض أبناء الرعية إلى الأسقف الذي أعطاهم الحقّ من دون أن يدعمني بالمطلق.

– وفي إحدى المرّات، قال لي مجلس الرعية بأني أعمل عندهم وأني موظفهم… فهم لا يأبهون بما يقول الأسقف أو أنا. فما من علاقة بين إدارة الرعية ويسوع المسيح، إنها أعمال ليس إلاّ.

– كان من المتوَقّع أن يأتي الأسقف لخدمة ليتورجية لكنّه وصل متأخراً ساعات، فيما كلّ الرعية تنتظر. لم يعتذر. لاحقاً عرفتُ أنّه كان في أحد النشاطات الرياضية يصحبه أحد أعضاء مجلس الرعية.

– وبّخني الأسقف بلهجة وضيعة وقاسية خلال الليتورجيا أمام كل أبناء رعيتي. كيف أقوم بعملي من دون دعم الأسقف؟

– تنتظر الأبرشية مساهمة الرعية. عليّ أن أدفعها، أو أُنفى إلى سيبيريا. لا يريد مجلس الرعية أن يؤدّيها لذا أنا أدفعها من جيبي. أنا بالكاد أطعم عائلتي وأدفع فواتيري.

الاضطراب الروحي

كيف على الكاهن أن يتعامل مع الإساءة التي تصدر عن أحد أبناء الرعية اللئيمين أو الرئيس المتبلّد، في غياب النهضة الروحية؟ النقطة الأولى هي الإشارة إلى إنجيل المسيح. سوء المعاملة، ينبغي تحمّله أحياناً فيما لا ينبغي تبريره مطلقاً. الكاهن الذي يرمي التناقضات والرياء عند قدمي المسيح ينمو في محبته.

في العظة على الجبل، قال يسوع: ” طُوبَى لِلْمَطْرُودِينَ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. 11طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ، مِنْ أَجْلِي، كَاذِبِينَ” (متى 10:5-11). يحذّر يسوع تلاميذه ألاّ يتوقّعوا أفضل مما كان له: “اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ، وَلاَ رَسُولٌ أَعْظَمَ مِنْ مُرْسِلِهِ. 17إِنْ عَلِمْتُمْ هذَا فَطُوبَاكُمْ إِنْ عَمِلْتُمُوهُ” (يوحنا 16:13-17).

الكاهن الذي يحمل محبة المسيح في قلبه، تصير له هذه التجارب وسيلة ينمو بها المسيح في داخله بشكل أكثر تماماً. محبة الكاهن للآخرين تنمو أيضاً. ومع ذلك، ينبغي أن نشير إلى أن هذه التجارب يمكن أن تسبب قلقاً عظيماً وضغطاً يمكن أن يؤدّيا إلى نتائج مؤذية للكاهن وعائلته. إلى هذا، إمكانية النمو الروحي لا تبرّر الإقدام على عمل المحظور ولا الرياء ولا سوء الإدارة التي تولّد التجارب.

قبول الأحداث اليومية كَمِن ضمن مشيئة الله

يمكن أن يواجه الكاهن الإهانات التي تطرأ بين الفينة والأخرى بالاعتراف بأنّ هذه الحوادث اليومية هي وسائل للنمو في النعمة. كتب القديس ثيوفان الحبيس: “الله حدّد أعمال الحياة اليومية التي يقوم عليها أساس البيت والمجتمع، والقيام بهذه الأعمال ليس هجراناً إلى عالم الإثم، بل متابعة لأمور الله”. تابع القديس ثيوفان تعليم الكاهن عن كيف يتمّ هذا: “من الضروري لك أن تعيد تفسير كلّ ما يمرّ أمام ناظريك بتفسير روحي… إذا قمتَ بهذا، كل الأمور تصير مثل كتاب مقدّس أو مقال في كتاب إلهي… من ثمّ كلّ أمر يقودك إلى التفكير بالله… سوف تصحو في وسط العالم الحسّي وكأنّك في العالم الروحي. كل شيء سوف يكلّمك عن الله ويحفظ انتباهك مثبّتاً عليه”.

خبرة الصحراء

يشتمل قانون القديس ثيوفان الروحي الاعتزال في الأماكن الهادئة في القلب، الصحراء الداخلية. خبرة الصحراء مركزية في الروحانية الشرقية. تعود أصولها إلى رهبان القرن الثالث الأوائل الذين هرعوا إلى صحارى النوبة والإسقيط وسيناء ليهربوا من جري العالم وهيجانه فيتقرّبوا من المسيح. يُعتَبَر القديس أنطونيوس (251-356) مؤسس طريقة العيش الرهبانية لكنّه ليس أوّل مَن ذهب إلى الصحراء بحثاً عن الله. يذكر الإنجيلي متى أنّ القديس يوحنا المعمدان كان من أوائل سكّان الصحراء: “وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ جَاءَ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ يَكْرِزُ فِي بَرِّيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ قَائِلاً: «تُوبُوا، لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ. فَإِنَّ هذَا هُوَ الَّذِي قِيلَ عَنْهُ بِإِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ الْقَائِلِ: صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ. اصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً». وَيُوحَنَّا هذَا كَانَ لِبَاسُهُ مِنْ وَبَرِ الإِبِلِ، وَعَلَى حَقْوَيْهِ مِنْطَقَةٌ مِنْ جِلْدٍ. وَكَانَ طَعَامُهُ جَرَادًا وَعَسَلاً بَرِّيًّا” (متى 1:3-4). انتبهوا أيضاً أنّ ربّنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح بدأ حياته العلنية في الصحراء وغالباً ما رجع إليها طلباً للغذاء الروحي. يكتب الرسول متى: “ثُمَّ أُصْعِدَ يَسُوعُ إِلَى الْبَرِّيَّةِ مِنَ الرُّوحِ لِيُجَرَّبَ مِنْ إِبْلِيسَ. 2فَبَعْدَ مَا صَامَ أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، جَاعَ أَخِيرًا” (متى 1:4-2). كما يكتب الرسول لوقا: “ذَاعَ الْخَبَرُ عَنْهُ أَكْثَرَ. فَاجْتَمَعَ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ لِكَيْ يَسْمَعُوا وَيُشْفَوْا بِهِ مِنْ أَمْرَاضِهِمْ. وَأَمَّا هُوَ فَكَانَ يَعْتَزِلُ فِي الْبَرَارِي وَيُصَلِّي” (لوقا 15:5-16).

الصحراء في المدينة

ليست الصحراء بالضرورة القفار الجافّة في سيناء أو النوبة. كثيرون من الكتّاب الروحيين علّموا أنّ الصحراء يمكن أن تكون في أيّ مكان، حتّى في وسط الحضارة المدنية. يشير كارلو كاريتو في كتابه “الصحراء في المدينة (Desert in the City)” (1979) إلى أنّ الصحراء يمكن إيجادها في أعماق المنزل أو مكان العمل. قضاء بعض الدقائق منسحباً من الضجيج وهيجان العمل يمكن أن يقود الإنسان إلى الوحدة التأملية. يكتب كاريتو: “إنْ عَجِز المرء عن الذهاب إلى الصحراء، فيمكن أن تأتي الصحراء إليه أو إليها. لهذا السبب نحكي عن خلق الصحراء في المدينة”. إنّه يصف هذه الصحراء مثل “… مكان للانسحاب حتى نجد الله في الصمت والصلاة… مكان نستجمع فيه الشجاعة ونعلن كلمات الحقيقة متذكّرين أن الله هو الحقيقة… مكان ننقّي فيه أنفسنا ونهيئها للعمل وكأنّها لامست الجمرة المحرِقة التي وضعها الملاك على شفتي النبي”.

الصحراء مكان وحدة لا مكان انعزال. لا تكتمل خبرة الصحراء بمعزل عن الشركة مع الكنيسة والمساهمة في الأسرار الإلهية والصلوات والعبادة. حتى النسّاك، أي المسيحيون الذين يعيشون اليوم التوحّد في الصحراء والكهوف، هم أعضاء في أخويات رهبانية ويخضعون لنظام ديرهم وممارساته. فكّروا في القديسة مريم المصرية. لقد عاشت وحيدة تقريباً كلّ حياتها في صحراء سيناء بعد توبتها، لكنها كانت تتلقّى المناولة والاعتراف من الأب زوسيما (الذي كتب لاحقاً سيرة هذه المرأة المميّزة)، الذي أجلّته كأبيها الروحي.

المساعِدات النفسية

لنتذكّر تعليم القديس مكسيموس المعترف: “نعمة الروح القدس لا تَمنَح الحكمة للقديسين من دون أن يتقبّلها عقلهم الطبيعي كقدرة”. الخير والحكمة يُمنَحا للإنسان بمَلَكة الإرادة. الله ليس قمعياً ولا يهب عطاياه للذين يرفضون تقبّلها. هذا يشير إلى الحرية الأصليّة التي يملكها الإنسان. إذاً، عندما يطيع الإنسانُ اللهَ بحرية، يمكنه أن يستعمل عقله ويكتسب المعرفة بطرق تتيح لإرادة الله بأن تعمل بشكل أكثر فعالية في حياته. لهذا السبب، معرفة المساعِدات النفسية في إدارة الإجهاد لا يمكن أن تُعتَبَر كبديل عن السلام والحكمة وغيرها من الصفات الممنوحة من الروح القدس، ولكن كوسيلة من خلالها يفعّل الروح القدس السلام لينظّم حياة المؤمنين.

إجراءات علاج الإجهاد

من حيث المبدأ، يمكن تقسيم الإجراءات النفسية لإدارة الإجهاد إلى التبدّل المعرفي وإدارة الحافز-الاستجابة. يتضمّن التبدّل المعرفي تغيير طريقة إدراكنا لما نقوم به من المهمات. الفهم الخاطئ للمهمة هو بالحقيقة افتراض معرفي غير مثبَت؛ افتراضات غير محكية تبنيّناها وهي تقود إجاباتنا تلقائياً. مثلاً، نحن نبني لذواتنا توقعات مضخّمة ونعلّي من معايير فعاليتنا، فتكون معايير نجاح العمل عالية بشكل غير واقعي وكلّ ما لا يبلغها يتمّ التعامل معه كفشل.

التوقعات المضخّمة تحفّز الكماليّة وتعدد المهمّات. إلى هذا، الكماليّة تخذل الأداء الجيّد لأنها تطلِق الإجهاد والقلق الذي يشوّش على الأداء نفسه. التحريفات المعرفية تحرّض الكماليّة المؤذية وينبغي تفنيدها.

تعدد المهمات

تعدد المهمات هو القيام بأكثر من عمل معقّد في نفس الوقت، ويقود إلى الأداء المؤذي. ترتفع تأثيرات الإجهاد مع تكاثر المهمات وارتفاع درجة تعقيدها.

إدارة الوقت

وضع لائحة بالمهمات وأولوياتها هو طريقة مهمّة لتخفيف الإجهاد. ما لا شكّ فيه هو أنّ بعض المهمات ذات أهمية أكثر من غيرها. لهذا، الإدارة الفعّالة للوقت ليست مجرّد الانتقال من الأعلى إلى ما هو دون من المهمات واحدة فواحدة. العمل الأكمل يعني التنقل بين المهمات ذات الأولويات المختلفة في فترات متنوعة. أظهر البحث أن الناس يعملون على دورات زمنية مختلفة. بعض هذه الدورات يتمّ في أقلّ من يوم واحد، وبعضها الآخر يومياً، وغيرها فصلياً. تشمل إدارة الوقت دمج هذه المهمات في هذه الدورات لتحقيق الفعالية القصوى.

يتطلّب هذا الدمج التعقّل والحكم الصحيح والتمييز. وقد يكون من الحسن البدء مع لائحة من المهمات بأولويات مصنّفة بحسب الفئة كالرعية، العائلة، والفئات الخاصة. الكهنة الذين يكرّسون كلّ وقتهم لنشاطات الرعية مثلاً، يسيئون الحكم. للكاهن عائلة عليه الاهتمام بها دون إهمال حاجاته الشخصية للاستجمام والراحة والتمرين. ينبغي موازنة كلّ يوم على هذه الفئات الثلاثة لكي يمتلك الإكليريكي حسّاً من الخير والاتّزان. “لِكُلِّ شَيْءٍ زَمَانٌ، وَلِكُلِّ أَمْرٍ تَحْتَ السَّمَاوَاتِ وَقْتٌ” (جامعة 1:3).

التأجيل

عندما يتَحدّث باحثو علم النفس المعاصرون عن الرباط المعرفي – العاطفي في التأجيل، هم يؤكّدون ما علّمه يسوع: “سِرَاجُ الْجَسَدِ هُوَ الْعَيْنُ، فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ بَسِيطَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ نَيِّرًا، وَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ شِرِّيرَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ مُظْلِمًا، فَإِنْ كَانَ النُّورُ الَّذِي فِيكَ ظَلاَمًا فَالظَّلاَمُ كَمْ يَكُونُ!” (متى 22:6-23). لاحظ آباء الكنيسة أنّ الأفكار تثير المشاعر والطريقة الأفضل قي إدارة المشاعر هي في تمييز المحفِّز العقلي (الخارجي) الذي يثير الأفكار. نوعان من الأحاسيس يهزّان الاطمئنان الداخلي والتناغم (ويقودان إلى فقدان التركيز الروحي) هما الغضب والشهوة الجسدية. ينصح القديس مكسيموس المعترف: “لا تلوّث فكرك بالتشبّث بأفكار ملأى بالغضب أو الشهوة الجسدية، وإلا ستخسر قدرتك على الصلاة النقية وتقع ضحية شيطان الفتور”. تقنيات التدخّل الأوليّة تشمل إزالة الارتباكات، اختيار مهمات واقعية، اعتراض الأهداف الجائرة، وتحديد تقييمات واقعية للفعالية.

امتحان التحريف

إذا كان يُنتَظَر من أحد الكهنة أن يقوم بمهمات ليس من المعقول تنفيذها، ينبغي تفنيد هذه المهمة من دون إبطاء. بالتأكيد، بعض الأعمال يتطلّب مستوى عالٍ من العمل ويستدعي درجة عالية من الإنتاج. قد يكون الفرق كبيراً بين رغبة المشرِف في تنفيذ مهمة ما وبين ما تتطلبه هذه المهمة فعلياً.

في خبرتي الرعائية والاستشارية، وجدت أن أفضل الطرق لتفنيد وامتحان هذه التوقعات المضخّمة هو استعمال تقنية “الحقائق تحكي عن ذاتها”. مثلاً، إذا طلب الأسقف أو أي مشرِف آخر أن تُنهى مهمة ما في فترة أسبوع واحد، فيما هي منطقياً تتطلّب أسبوعين أو أكثر، يمبغي مناقشة الطلب غير الواقعي مباشرةً. الطلب غير المنطقي يخلق قدراً عظيماً من الإجهاد. إلى هذا، إذا أصرّ المشرِف على الطلب بالرغم من وجود إثبات على أنه غير منطقي، فهو يلامس خط الإيذاء النفسي. على الكاهن أن يورد بإيجاز الحقائق، أي الخطوات المطلوبة لإنهاء المهمة، ومن ثم أن يطلب من المشرِف تعليمات إضافية. هذه النصيحة تفترض، طبعاً، أن الكاهن بالأصل يعمل بجدّ، من غير تراخٍ في المسؤوليات ولا كسل ولا مثل ذلك.

ينبغي أن نتذكّر أن الناس يتصرّفون بالطريقة التي يرغبون، وليس بالطريقة التي نفضّل. بعض الناس لا يتجاوبون مع عرض للوقائع بالرغم من الدليل المقدَّم للبرهان. هذه الحالات قد تؤدّي إلى مواجهة مع نتائج غير سارّة، كإنهاء وظيفة أو خسائر أخرى. مع ذلك، ينبغي وزن هذه الأحداث بمقابل الضغط الذي ينشأ عن الطلبات غير المنطقية المستمرّة والنتائج التي تسببها في حياة الذين تُطلَب منهم وعائلاتهم. في بعض الأحيان، تكون المواجهة بَرَكة مخفية، بالرغم من كونها بغيضة.

كيف يمكن للمرء أن يقدّر هذه النتائج السيئة؟ إن استعمال تقنية “المسطرة العقلية” هي مقاربة فعاّلة. مثلاً، عندما يتمّ تقييم طلبات أحد المشرفين الغضوبين على قياسٍ من واحد إلى مئة، حيث الواحد هو أفضل ما يمكن توقعه ومئة هو الأسوأ، تفقد العاقبة بعضاً من لدغها. الناس عادةً لا يزعجهم أن يتخيّلوا حدثاً لطيفاً، كالجلوس في الشمس على شاطئ استوائي. مع هذا، أغلب الناس يحتاجون عادةً بعض المساعدة ليتخيّلوا أسوأ الأحداث، كقطع الرأس أو كوارث مشابهة. عند المقارنة مع سيناريو أسوأ الأحداث، لا تبدو العاقبة سيئة جداً. بالحقيقة، قد تولّد أفكاراً مبدِعة في كيفية التعامل مع العواقب بطرق صحيحة.

الميل إلى التوكيد والجزم: عملية صعبة ومقدِّسة

الميل إلى التوكيد والجزم في حالات الإجهاد هو طريقة فعّالة أخرى للتعاطي مع أصحاب التوقعات المتطلّبة الذين يترقّبون أكثر مما يمكن إنجازه منطقياً. تعليق شخصي: أكثر من مرة في حياتي واجهت حالات مثل هذه. كنت أقيّم الوضع بواقعية وأحاول تقديم النصيحة وأنقل الحقائق بدقة، ولكني أُواجَه بالرفض. فكنت أمضي بسلام واطمئنان، لا بل كنت أعرف أن الله يبارك قراري. تعترضني، في كل أمر، بعض النتائج التعيسة فأقول لنفسي “الآخرون أحرار، سوف أهتمّ بنفسي وأبذل جهدي في العمل مع الذين سوف يساعدونني على النجاح”.

هذا مماثل لما علّم يسوع تلاميذه في قوله: “فَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ مُسْتَحِقًّا فَلْيَأْتِ سَلاَمُكُمْ عَلَيْهِ، وَلكِنْ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا فَلْيَرْجعْ سَلاَمُكُمْ إِلَيْكُمْ. وَمَنْ لاَ يَقْبَلُكُمْ وَلاَ يَسْمَعُ كَلاَمَكُمْ فَاخْرُجُوا خَارِجًا مِنْ ذلِكَ الْبَيْتِ أَوْ مِنْ تِلْكَ الْمَدِينَةِ، وَانْفُضُوا غُبَارَ أَرْجُلِكُمْ” (متى 14:10-13). بالطبع، كان يسوع يتكلّم عن أناس رفضوا كلمة أبيه، بينما كانت كلماتي في أحداث يومية. مع هذا، إذا كانت كلماتي الموجهة إلى مراقب متعسّف صحيحة، وإذا كانت الحقيقة متحدة بالله (وهي كذلك)، عندها تنطبق الوصية. إلى هذا، علّمتني خبرتي أن النصيحة تعمل.

المحبة

قال يسوع: “وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَنَا أُعْطِيكُمْ: أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ أَنَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ أَيْضًا بَعْضُكُمْ بَعْضًا” (يوحنا 34:13). المحبة هي العمل من أجل خير الأخ ومصلحته. يحرّم الله أن نكون سبباً لإجهاد أخينا. الإجهاد مؤذٍ لنا جسدياً ونفسياً وفوق كل شيء روحياً. علينا أن نتفكّر بكلمات القديس بولس: “الْمَحَبَّةُ تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَحْسِدُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَتَفَاخَرُ، وَلاَ تَنْتَفِخُ، وَلاَ تُقَبِّحُ، وَلاَ تَطْلُبُ مَا لِنَفْسِهَا، وَلاَ تَحْتَدُّ، وَلاَ تَظُنُّ السُّؤَ، وَلاَ تَفْرَحُ بِالإِثْمِ بَلْ تَفْرَحُ بِالْحَقِّ” (1كورنثوس 4:13-6). كمسيحيين أولاً، وكأطباء رعائيين ونفسيين، علينا أن نطبّق هذه الكلمات في كل معاملاتنا مع الإخوة. من بعدها، بكل عدم استحقاق، أقترح أن يتصرّف كل المسيحيين بالطريقة نفسها لتخفيف الضيق بين الناس.

المراجع

Allen, J. (2003), Aiming Too High May Miss the Mark. http://www.menningerclinic.com/resources/perspective-magazine/3_2003.htm

American Psychiatric Association. (2000). Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders (DSM-IV-TR). Washington, DC: author.

Burns, D. (1980). Feeling Good: The New Mood Therapy. NY: The New American Library.

Burns, D.D. (1989). The Feeling Good Handbook. New York: Morrow.

Carretto, C. (1979). Desert in the City. London: Collins.

John Chryssavgis, John Rev. Obedience And Authority: Dimensions Of A Hierarchical Church. http://www.goarch.org/print/en/ourfaith/article8172.asp

Council of Civil Service Unions/Cabinet Office. (2004). Work Stress and Health: The Whitehall II Study. London: author.

Creed, F. (1993) Stress and psychosomatic disorders. In L. Goldberger & S. Breznitz (Eds.). Handbook of stress: theoretical and clinical aspects. NY: Free Press.

Delongis, A., Folkman, S., & Lazarus, R.S. (1988). The Impact of Daily Stress on Health and Mood: Psychological and Social Resources as Mediators. Journal of Personality and Social Psychology, 54, 486-495.

Ellis, A. & Harper, R.A. (1962). A Guide to Rational Living. Secaucus, NJ: Lyle Stuart.

Gruen, R.J. (1993). Stress and Depression: Toward the Development of Integrative Models. In L. Goldberger & S. Breznitz (Eds.). Handbook of Stress: Theoretical and Clinical Models. NY: Free Press.

Heady, B. & Wearing, A. (1989). Personality, Life Events and Subjective Well-being: Towards a Dynamic Equilibrium Model. Journal of Personality and Social Psychology, 57, 731-739.

John of Kronstadt, St. (1994). Counsels on the Christian Priesthood. Crestwood, NY: St. Vladimir’s Seminary Press.

Kohn, P,M., Lafreniere, K. & Gurvich, M. (1991). Hassles, Health, and Personality. Journal of Personality and Social Psychology, 61, 478-482.

Lester, N., Nebel, L.E. & Baum, A. (1994). Psychophysiological and Behavioral Measurement of Stress: Applications to Mental Health. In W.R. Avison & I.H. Gotlieb. (Eds.). Stress and mental health: Contemporary issues and prospects for the future. NY: Plenum.

McEwen, B.S. & Lasley, E.N. (2002). The End of Stress As We Know It. Washington DC: National Academies Press.

Morelli, G. (2005, November 28). Being Perfect vs. Perfectionism. http://www.orthodoxytoday.org/articles5/MorelliPerfectionism.php.

Morelli, G. (2006a, March 6). Asceticism and Psychology in the Modern World. http://www.orthodoxytoday.org/articles6/MorelliMonasticism.php.

Morelli, G. (2006b, June 04). The Spiritual Roots of Procrastination. http://www.orthodoxytoday.org/articles6/MorelliProcrastination.php.

Morelli, G. (2006c, July 02). Assertiveness and Christian Charity. http://www.orthodoxytoday.org/articles6/MorelliAssertiveness.php.

Morelli, G. (2006d, July 29). Dealing With Brokenness in the World: Learned Psychological Optimism and the Virtue of Hope. http://www.orthodoxytoday.org/articles6/MorelliBrokenness.php.

Palmer, G.E.H., Sherrard, P. & Ware, K. (eds.) (1981). The Philokalia: The Complete Text compiled by St. Nikodimos of the Holy Mountain and St. Makarios of Corinth (Vol. 2) . London: Faber and Faber.

Pillow, D.R., Zautra, A.J., & Sandler, I. (1996). Major Life Events and Minor Stressors. Journal of Personality and Social Psychology, 70, 381-394.

Pines, A.M. & Aronson, E. (1988). Career Burnout: Causes and Cures. NY Free Press.

Rubenstein, J.S., Meyer, D.E. & Evans, J.E. (2001). Executive Control of Cognitive Processes in Task Switching. Journal of Experimental Psychology – Human Perception and Performance, 27, 763-797.

Seta, J.J., Seta, C.E. & Whang, M.A. (1991). Feelings of Negativity and Stress: An Averaging-summation Analysis of Impressions of Negative Life Experiences. Personality and Social Psychology Bulletin, 17, 376-384.

Vlachos, Bishop Hierotheos, (1994). Orthodox Psychotherapy: The Science of the Fathers. Levadia, Greece: Birth of the Theotokos Monastery.

Leave a comment