المقاييس المستحيلة

المقاييس المستحيلة

الأب جورج موريللي

نقلها إلى العربية بتصرّف الأب نقولا مالك

قد نُلزِمُ أنفُسَنا أحيانًا بأهدافٍ غيرِ واقعيّة، ويستحيلُ علينا بلوغُها. هذا لا يعني أنّه لا يحقّ لنا أن نطمحَ عاليًا، أي أن نجتهدَ لإنجاز ما نحنُ قادرون على إنجازِه. لا بل إنّ هذا عامِلٌ مُحَفِّزٌ وشديدُ الأهمّيّةِ في حياتِنا. إلاّ أنّ الفشلَ يكونُ بانتظارِنا إنْ نحنُ جاهَدنا لإحرازِ أهدافٍ هي بحدّ ذاتِها غيرُ واقعيّة، ولئن كان مرتكزةً على تقييمٍ حقيقيٍّ لمواهبنا. الأهداف غيرُ الواقعيّة كفيلةٌ بِنَحرِ اجتهادِنا في العمل وإحباطِ مُحَفِّزاتِنا.

لِكُلٍّ منّا مواهبُ مختلفة. مفتاح النّجاح هو استخدامُ ما أعطيَ لنا من مواهب، لا مقارنتُها بما أُعطِيَ لِسِوانا. وأيضًا التنبُّه إلى أنّ مواهبَنا يُمكنُ أن تتغيّر مع تقدُّمِ السنّ وتغيُّرِ الظّروف. حتّى إنَّ خبراتِنا في مواجهةِ تحدِّياتِنا الشخصيّة يُمكِنُ أن تُساعدَ الآخَرِين. فَلْنَتَذَكَّر المَثَلَ الّذي قالَهُ الرَّبُّ يَسُوع: “… فأعطى واحدًا خمسَ وَزناتٍ، وآخَرَ وزنتَين، وآخَرَ وَزنةً، كُلَّ واحدٍ على قَدْرِ طاقَتِهِ، وسافرَ لِلوَقت” (مت 15:25). فمَن استخدمَ وزناتِه كُوفِئَ، كما هو مذكورٌ في آخِرِ المَثَل: “أحسَنتَ أيّها العبدُ الصّالحُ الأمين. كنتُ أمينًا في القليل، فأُقيمُكَ أمينًا في الكثير. أُدخُلْ إلى فرحِ سيِّدِك” (مت 23:25).

وقد وردَ في سفر الأمثال: “يَدُ المُجتهِدِ تُغني” (أم 4:10).

الدّرسُ الّذي نحنُ مدعوُّونَ لِتَلَقُّنِهِ اليوم هو أن نكونَ مجتهِدِينَ، شرطَ أن يكونَ اجتهادُنا بِما أضفاهُ علينا الرَّبُّ من مواهب. بكلامٍ آخَر، علينا ألاّ ننتفخ، بل أن نبقى مدرِكِينَ أنّ الله هُوَ مصدرُ كُلِّ ما نملك، على حدّ تعبيرِ يعقوب في رسالتِه: “كلّ عطيّةٍ صالحة وكلّ موهبةٍ كاملة هي منحدرةٌ من العلوّ من لَدُنْ أبي الأنوار” (يع 17:1).

وتجدرُ الإشارةُ إلى أنّ تدريبَ أنفسِنا وتدريبَ أولادِنا يجبُ أن يبدأ في أبكَرِ وقتٍ ممكنٍ من زمان الحياة. كتابُ الأمثالُ يعلِّمُنا: “رَبِّ الولدَ في طريقه، فمتى شاخ أيضًا لا يَحِيدُ عنه” (أم 6:22). وعلى أيّة حال، أيًّا كانَ الوقتُ الّذي نلتزمُ فيه استخدامَ المواهب الواقعيّةِ المُعطاةِ لنا من الله، فإنَّه ما مِن عائقٍ يَحُولُ دُونَ حصولِنا على بركةِ الله. الله طويلُ الأناة، فعلينا أن نكون بدورِنا صَبُورِينَ على ذَواتِنا. وهذا ما يذكّرُنا به الرّسُول بولس: “الذي سيجازي كلّ واحدٍ حسبَ أعماله، أمّا الذين بصبرٍ في العمل الصالح يطلبون المجد والكرامة والبقاء فبالحياة الأبديّة” (رو 6:2-7).

مِن عادَتي أن أنصحَ أنّ أفضلَ طريقةٍ للتَّصالُحِ مَعَ الماضي هيَ العَمَلُ بِجِدٍّ، مستخدِمِينَ المواهبَ الّتي تقبَّلناها من الله، للوقتِ الحاضر والأيّامِ الآتِية.

وَلَرُبَّما كان من المفيد أن نتأمّلَ معًا في المقولةِ القديمة: “اليوم هوَ أوّل يومٍ في ما تبقّى لي من العمر”. وهكذا فَلْنَستَخدمْ مواهبَنا جيِّدًا. لِنستخدِمْ كُلَّ مواهبِنا لِما تبقّى لنا من الحياة.

Leave a comment