مقياس كلّ الأمور هو المسيح

مقياس كلّ الأمور هو المسيح

الأب جورج موريللي

نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي

مسألة: أخبرتني ابنتي أنّ أحد أساتذتها في الكليّة قال أنّ الجنس خارج الزواج ليس ضد “الناموس الطبيعي”، وبالحقيقة في “الناموس الطبيعي” كلّ شيء ممكن. لقد حاولت أن أربّي أولادي على أن يكونوا مسيحيين أرثوذكسيين صالحين. ما عليّ أن أفعل؟

الحلّ: مهما كان الأمر تابع في إعلان التعاليم الإنجيلية، وتأكّد من ألاّ يقوم نظامك الأخلاقي على شيء مما يُسمّى “الناموس الطبيعي” بالشكل الذي يصفه العلم. أنت ترى، أستاذ ابنتك ليس على خطأ. الجنس خارج الزواج ليس ضد قوانين الطبيعة كما يحددها العلم. في العلوم، عندما نحكي عن الطبيعي نعني ما هو “في الطبيعة”، حيث يوجد أشكال كثيرة من السلوك. هناك تنوّعات عديدة نراها في ثقافتنا وغيرها الكثير أيضاً نراه في المقارنة بين الثقافات المتعددة. الدراسات الاجتماعية (السوسيولوجية) والأنثروبولوجية هي القائدة هنا. وعليه، الزواج الأحادي، تعدد الزوجات، الحرب، القتل، العفّة، وحتّى المثليّة وغيرها، هذه كلّها شرعية في الطبيعة لأنّها موجودة. مثلاً، قد نلاحظ أنّ في حضارة معيّنة، السلوك المثليّ موجود وبذلك ينحرف عمّا يقوم به الشخص العادي. حقيقة أنّه موجود تعني أنّه طبيعي، كمثل شروق الشمس أو حدوث زلزال أو زهرة في طوفان. لا يرى العلماء في هذا النوع من السلوك إلا رقماً في إحصائية: نسبة مئوية ما من الشعب تسلك مثلياّ إذاً هذا سلوك طبيعي.

لقد تكلّم العلم! كلّ أنواع السلوك الجنسي طبيعية. لكن هذه النظرة تختلف كليّاً عن تحديد “الطبيعي” الذي أعلنه الله للإنسان. ليس العلم والكنيسة متضادين، بل ببساطة إنّهما يستعملان تحديدين مختلفين لعبارة “الطبيعي”.

الضمير الداخلي

ليس استثنائياً أن نعتبر أنّ في عمق الضمير، يستبين الإنسان ناموساً لا يفرضه على نفسه بل يقوده إلى الطاعة. الأخلاق المسيحية تدلّ ضمناً على أنّ تطوّر الأخلاق وكل أشكال الحياة، يجب أن تبقى ضمن الخطوط الهادية والحدود التي يفرضها المبدأ الثابت المستند إلى الحسّ المتأصّل لدى كل إنسان للصواب والخطأ.

عبر التاريخ، عندما ارتكز إيمان الكنيسة الكاثوليكية (أو غيرها من الكنائس) وعقيدتها أو أخلاقياتها على العلم، تعرّضت للإرباك بشكل مريع. كوبرنيكوس، وهو أحد رجال الكنيسة في القرن السادس عشر كان عالماً. لكنّه اعتُبِر هرطوقياً لإعلانه أنّ الشمس هي مركز الكون لا الأرض على ما كان يعلّمه اللاهوتيون. فأن يكون الكون متمركزاً حول الأرض يتوافق بشكل أفضل مع النظرة اللاهوتية بأنّ الإنسان هو أعظم مخلوقات الله الماديّة، والذي عليه يجب أن يقطن في وسط الكون أو في نقطته المحورية. غاليلو أيضاً، واجه صعوبات في الدفاع عن موقف كوبرنيكوس. لكن، كما نعلم، ليست الأرض مركز الكون، وسواء كانت أو لم تكن لا يؤثّر على الالتزام بالمسيح، ولا علاقة له بهذا الالتزام ولا بالتمسّك بتعاليمه وأخلاقياته.

“الطبيعي” كما تفهمه الكنيسة

لقد خُلِق الجنس البشري للفردوس، ويُفهَم الفردوس على أنّه الحياة في الله ومعه والتي تدوم إلى الأبد (Morelli, 2006). يخبرنا آباء الكنيسة أنّ ما هو طبيعي بالنسبة للإنسان هو غايته الأصليّة. يقول لنا القديس يوحنا الدمشقي: “كمثل ختم ذهبي لهذه العظة الصريحة، سوف نضيف وصفاً مختصراً للطريقة التي هي الأكثر كرامة بين كلّ ما خلق الله: الخليقة النوسية والعقلية أي الإنسان. فقد صنعه الله، وحده بين الكائنات المخلوقة، على صورة الله ومثاله (أنظر تكوين 26:1). أولاً، كل إنسان مخلوق على صورة الله من جهة كرامة عقله ونفسه… كما مُنِح الإرادة الحرّة.”

إلى هذا، يعلّم القديس يوحنا الدمشقي أنّ هذه الكرامة الطبيعية لدى الإنسان تحمل معها مسؤولية للقداسة: “كلّ إنسان يمتلك ما هو على صورة الله، فهبات الله هي بلا ندامة (أنظر رومية 29:11). لكن قلّة، أي الأبرار والقديسون الذين تشبّهوا بصلاح الله إلى حدود القدرة البشرية، هم مَن يمتلكون ما هو على شبه الله”.

ينبغي حفظ كلمات القديس سمعان اللاهوتي الحديث كدليل لسلوكنا، لا كإحصاء علمي، بل بالتطلّع نحو الملكوت، الذي خُلقنا أصلاً من أجله: “من الصالح لنا أن نضع نير وصايا المسيح على أكتافنا من البداية؛ وعلينا ألاّ نقاوم أو نتراجع. على العكس، علينا أن نسير متقدّمين بشكل مستقيم مطيعين بإخلاص لهذه الوصايا في الحق نحو ملكوت الله، إلى أن يأتي الابن يسكن فينا مع الآب بالروح القدس”.

الجواب الأبوي أو الرعائي

حسناً، بقي لديك، سواء كنت أحد الأهل أو مرشداً أو راعياً، أمران مهمّان. الأول هو الاهتمام بتفكك المجتمع واللامبالاة والنسبية الأخلاقية والدهرية والتلفيقية. وهذه كلها ثمار تشجيع سلوك محدد والصفح عنه، وهو السلوك القائم على تحديد الإحصاءات العلمية لما هو طبيعي وبالتالي مقبول وأخلاقي.

المسيح هو منارتنا

إلى هذا، فالأمر الثاني هو الأكثر أهمية. بالحقيقة ليس مسألة وحَسْب، لأنّه يقع على قمّة حياتنا. إنّه الالتزام الأرثوذكسي بالمسيح. نحن لا نمتثل إلى تحريم ما، متعلّق بالجنس أو غيره، لأنّه يتطابق أو يخالف تحديداً علمياً للناموس الطبيعي. نحن نطيع قياساً على التزامنا بالمسيح. يستند المقياس لهذا الالتزام إلى سكنى المسيح في أعماق قلوبنا وإلى صدق صلواتنا. من الحسن أن نحفظ في فكرنا ما علّمنا إيّاه آباؤنا القديسون: الطاعة تقود إلى الإيمان والصلاة، وبدورهما الإيمان والصلاة يقودان إلى الطاعة. لكون الآباء علماء نفس متميّزين، يخبروننا أنّ ما يشكّل خطراً على الصلاة والطاعة هو النسيان والجهل والكسل. قد يكون بمستطاعنا أن نختصر هذه الفئات باثنتين: المعرفة والمواظبة (أو الثبات). المعرفة الحقيقية والمواظبة في عيش الحياة المسيحية الروحية والأخلاقية تأتيان فقط من منظار المسيح وكنيسته.

إذاً أنت ترى، قد تحصّل ابنتك تربية علميّة قيّمة، إذا تعلّمت أقلّه أنّ حياة الكنيسة الأرثوذكسية، المتعلّقة بالجنس أو بغيره، لا يمكن إثباتها بالناموس الطبيعي كما يحدده العلم، بل بما هو طبيعي بالنسبة لنا من خلال الهدف الذي خلقنا له الله. أنت كوالد مع راعيك وكل الكنيسة يمكن أن تضيفوا إلى معرفتها بالتعليم والشهادة لرسالة المسيح والوصايا والتطويبات، وما سمّاه ربّنا “الطريق الضيّق” الذي يقود إلى اشتراكنا في نور المسيح.

إنّنا باستنارة المسيح نصير مثل الأولاد الصغار، ونجد ملكوت الله. الملكوت، كما يخبرنا الإنجيلي، موجود في قلوبنا، وليس في كتاب علوم، لأنّ قوانين الطبيعة التي أوجدها الله تستنير بنوره الإلهي. “السماوات تحدّث بمجد الله والفلك يخبّر بأعمال يديه. يوم إلى يوم يذيع كلاماً وليل إلى ليل يبدي علماً” (مزمور 2:19).

Leave a comment