كل المسيحيين مدعوون إلى الصلاة بغير انقطاع

كل المسيحيين مدعوون إلى الصلاة بغير انقطاع

القديس نيقولاوس فيليميروفيتش


نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي

“وقال لهم أيضاً مثلاً في أنّه ينبغي أن يُصلّى كلّ حين ولا يُمَلّ” (لوقا 1:18).

هل وصية السيد حول الصلاة بلا انقطاع تنطبق على الرهبان فقط أم على المسيحيين عامةً؟
لو كانت تنطبق على الرهبان فقط، لما كان الرسول بولس كتب إلى مسيحيي تسالونيكي بأن يصلّوا بلا انقطاع (1 تسالونيكي 17:5). يكرّر الرسولُ وصيةَ السيد، حرفياً، ويرسلها إلى كل المسيحيين من دون تمييز، سواء رهبان أو علمانيين.
عاش القديس غريغوريوس بالاماس حياة نسك لفترة كراهب في أحد أديار فارويا. وعاش في الدير نفسه الشيخ أيوب، الذي كان ناسكاً معروفاً جداً ومحتَرَماً من الجميع. وقد حدث أنّ القديس غريغوريوس، في حضور الشيخ أيوب، استشهد بالرسول بولس مؤكّداً أن الصلاة بلا انقطاع هي واجب كلّ مسيحي وليس الرهبان وحدهم. لكن الشيخ أيوب أجاب أن الصلاة المستمرة هي فرض على الرهبان وحدهم، وليس على كلّ مسيحي. غريغوريوس، لكونه الأصغر بين الإثنين، خضع وانسحب صامتًا. عندما عاد أيوب إلى قلايته ووقف للصلاة، ظهر له ملاك بمجد سماوي عظيم وقال: “أيها الشيخ، لا تشكّْ في صدق كلمات غريغوريوس، فقد تكلم بشكل لائق، وأنتَ ينبغي أن تفكّر بالطريقة نفسها، وتنقل الكلام للآخرين”. وهكذا، كِلا الملاك والرسول أكّدا الوصية بأنّه يجب على كل المسيحيين أن يصلّوا إلى الله بغير انقطاع.
ليس بلا انقطاع في الكنيسة فقط، بل أيضاً في كلّ مكان وفي كلّ الأوقات، وخاصّةً في قلبك. فإذا كان الله لا يتعب ولو للحظة من إعطائنا الأمور الحسنة، كيف لنا أن نتعب من شكره على هذه الأمور الحسنة؟ عندما يفكر فينا بلا انقطاع، لمَ لا نفكّر فيه أيضاً بلا انقطاع؟
“…ليحلّ المسيح بالإيمان في قلوبكم. وأنتم متأصّلون ومتأسّسون في المحبة” (أفسس 17:3-18).
بالإيمان، يأتي المسيح إلى داخل القلب، ومع المسيح تأتي المحبة. إذاً، الإنسان متجذّر في المحبة ومؤسَّس عليها. أولاً إذاً، يوجد الإيمان، من ثمّ مع الإيمان يأتي حضور المسيح في القلب. من ثمّ مع حضور المسيح حضور المحبة. ومع المحبة كلّ الصلاح الذي لا يُوصَف.
صوّر الرسول، بشكل دقيق ومن خلال كلمات قليلة، كلّ سلّم الكمال. البداية هي الإيمان والنهاية هي المحبة. ويترابط الإيمان والمحبة بوحدة حيّة غير متجزئة في حضور الرب يسوع المسيح الحيّ في القلب. بتقوية الإيمان نحن نلغي إلى حد بعيد المسافة بين أنفسنا والرب يسوع المسيح. بقدر ما يقوى إيمان الإنسان يزداد قُربُه من المسيح.
في النهاية، يمتلئ قلب الإنسان بالمسيح ولا يستطيع أن يفترق عنه، تماماً كما الرئة لا تستطيع أن تفترق عن الهواء. من ثمّ يستطيع الإنسان، بدموع الفرح، أن يتّصل بالمسيح بالصلاة القلبية [ربّي يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ]، فيمتلئ بالنور والمحبة المتّقدة بشكل غير مدرَك بالحس. بهذه الطريقة، تتّحد المحبة مع الإيمان والرجاء، وعندها تختفي الحدود بينها، فلا يعود بإمكان الإنسان حتّى أن يفكّر في تحديد مدى الإيمان، وأين تبدأ المحبة والرجاء.
عندما يسكن المسيح الحيّ في إنسان، فإنّه من بعدها يكفّ عن ملاحظة الإيمان والرجاء والمحبة في نفسه، كما يكفّ عن تسميتها. بالمقابل، لا يرى إلا المسيح ولا يسمّي أحداً غيره. إنّه كمثل مربٍّ للثمار في الخريف يتأمّل الثمار الريّانة على الشجر، فلا يتكلّم أبداً عن الأزهار والأوراق، بل فقط عن الثمار، الثمار اليانعة.
أيّها السيد يسوع المسيح، العلو الأقصى لكل مساعينا وغاية كلّ ترحالنا، اقترب منّا وخلّصنا. لك المجد والإكرام إلى الأبد. آمين.

Leave a comment