الأب المؤرخ ميخائيل بريك

الأب المؤرخ ميخائيل بريك

سامر عوض

مقدمة

يُعتَبَر الأب ميخائيل بريك، من الكهنة الذين عملوا في مجال التأليف والتأريخ، بمنهجية رفيعة المستوى بالنسبة لما كان دارجاً، في عصره، في القرن الثامن عشر. فقد تمحص أمهات الكتب، والمخطوطات المتنوعة؛ كي يقدم للقارئ العربي زاداً معرفيا وتاريخيا، يشكل مرجعاً هاماً للباحث، وخير أنيس للقارئ العادي. فالمواضيع التاريخية التي ناقشها،غاض في أعماق أعماقها، اذ كان يعبُّ، ويكتب مما حصل عليه، مما لم نشهد له من مثيل، في ذلك العصر، ولا حتى في يومنا هذا.

إلا أنه، وللأسف الشديد جداً، أن الكتب التي ألفها هذا المؤرخ الانطاكي الأرثوذكسي الشهير، لم تأخذ حقها كما يجب، إذ أنَّ قلة قليلة من الأرثوذكسيين الإنطاكيين، هم الذين يعرفون الأب ميخائيل بريك، إذ لم يُنشَر له أرثوذكسياعلى صعيد كنيستنا الانطاكية، سوى تحقيق لكتاب (الحقائق الوفية في تاريخ بطاركة الكنيسة الأنطاكية) والذي صدر بالشراكة في شهر تشرين الاول من العام 2006، عن دار النهار، ومنشورات جامعة البلمند. إذ لم يصدر عن أي دار نشر أرثوذكسية أنطاكية، أي إصدار كان، لأحد مؤلفات الأب ميخائيل بريك. لكن مطبعة القديس بولص في حريصا (لبنان) سنة 1930، قامت بنشر كتاب (تاريخ الشام 1720-1782)، بعنوان رئيسي هو (وثائق تاريخية للكرسي الملكي الانطاكي) وكأن بالكتاب يعرض بعض الوثائق التاريخية، عن الكرسي الملكي (الرومي الكاثوليكي) الانطاكي، بما أن المتعارف على هذه التسمية (الكرسي الملكي) هو دلالة على الكرسي الرومي الكاثوليكي. والمطلع على الكتاب، يتيقن من أنه، يشرح عَرَضَاً، ما يختص بموضوع الإنشقاق (الأرثوذكسي- الكاثوليكي) سنة 1724. مع العلم بأن الكتاب نفسه (تاريخ الشام) قد طُبِع من خلال دار قتيبة في دمشق، تحقيق السيد (أحمد غسان سبالو)، وقدعلمت من خلال شخصين، بأن تحقيق الأخير، لم يكن بالمستوى الرفيع المطلوب، لمثل هذا الكتاب. وأنا شخصيا..، اعتبر بأن الأب ميخائيل بريك، قد ظُلِمَ كثيراً، من قِبَلِنَا نحن الأرثوذكس الانطاكيين، حيث أنه قد نُشِرَت كتبه من قبل، الآخرين، إذ شُوِهَت حيناً، وعُومل مؤلفها كمؤرخ، وليس كخوري مؤرخ كما يجب أن يُعَامَل، إذ كان حريٌ بل لابدَّ، أن تُجمَع الأعمال الكاملة لهذا الأب الأنطاكي الأرثوذكسي المؤرخ،عدا كتابه (الحقائق الوفية في تاريخ بطاركة الكنيسة الإنطاكية)[1] ، وأن تطبع في إحدى دور النشر الأرثوذكسية؛ كي يُعطَى حقه من جهة، وينتفع منه الإنطاكيين من جهة اخرى.

سيرة حياته

لم يَرِد ذكر للسنة التي وُلِدَ فيها الأب ميخائيل بريك، إذ عاش في القرن الثامن عشر[2]، ورُسِمَ شماساً سنة 1748، وبعدها اصبح كاهناً[3]، وفي سنة 1768 أصبح وكيلا على دير سيدة صيدنايا لسنة واحدة[4]، ويُذكًر أنه تنازل عن منصبه لسببٍ ما؛ ولكثرة الأتعاب، وعدم النظام[5]، وقد ذكر معجم المؤلفين، تراجم مصنفي الكتب العربية خطأً، بأنه ميخائيل بريك اللبناني[6].

لم أعثر على ذكر، لأي تاريخ أو مفصل أو تفصيل، فيما يتعلق بسيرة حياة الأب ميخائيل بريك، آملاً مساعدتي من قِبَل مَن يعرف أي شيء حول سيرته، ولو لاحقاً. مع العلم بأني قد تواصلت مع حلب؛ لوجود مخطوط في مكتبة الروم هناك، ومع المكتبة الشرقية؛ للسبب عينه، ومع أحد المتنفذين في المكتبة البطريركية الأرثوذكسية، ولكن دون جدوى…، إذ لم أعثر لا على كتب له، ولا مخطوطات، ولا حتى شذرات عن كتبه، أو عن سيرة حياته.

آثاره

1- الحقائق الوفية في تاريخ بطاركة الكنيسة الإنطاكية[7]:

يتحدث الكتاب عن البطاركة المتعاقبين، على تولي االسدة البطريركية في الكنيسة الانطاكية. ابتداءً من بطرس الرسول (45-53) [8]، إلى البطريرك دانيال (1767-1793)[9] ، مع العلم بأن الجدول الذي أورده تقويم مجلة النعمة، يختلف عن التواريخ الواردة، في كتاب(الحقائق الوفية في تاريخ بطاركة الكنيسة الانطاكية)، فالبطريرك دانيال يرد ترتيبه ال(145) في كتاب الحقائق الوفية، أمَّا في تقويم النعمة فهو البطريرك ال(153) حيث أنه توجد بعض الفروقات التاريخية، مابين كل من المرجعين.
يشرح الكتاب، حول البطاركة في سيرهم، وأشهر الأحداث التي جرت على عهدهم، ويُفَصِل عن تأريخ الكرسي الإنطاكي، من خلال البطاركة الذين تعاقبوا عليه.
ويسرد الأب بريك الأحداث، ويمتد من وراءها إلى ما بعد الخبر، إذ يحلل الوقائع، ويفصل فيه [10]، إلى أن يبين رؤيته بما يجري من حوله، وقد كان له الأثر الكبير في تأريخ تلك المراحل التي عاصرها، سواء من خلال هذا الكتاب، أو كتابه (تاريخ الشام)[11].
ومن الجدير بالذكر، أن كتاب (الحقائق الوفية في تاريخ بطاركة الكنيسة الإنطاكية)، قد صَدَر في مصر، بهمة سليم بقعين [12]، وذلك كنسخة طبق الأصل، عن المخطوط الأصلي، تحت عنوان: (الحقائق الوفية في تاريخ الكنيسة الانطاكية الأرثوذكسية)، وقد أُورِد عنوان آخر: (تاريخ الآباء بطاركة انطاكية للخوري ميخائيل بريك الشهير)، مع ملحق بعنوان: (في نشأة طائفة الروم الكاثوليك لمجهول يقول أنه حضر بعض الوقائع). وفي الصفحة الأولى صورة كتب تحتها: غبطة الأب الأقدس إمام الأحبار الأنبا كيرلس الخامس بابا وبطريك الكرازة المرقسية للأقباط الأرثوذكس الجزيل القداسة. وفي الصفحة الثالثة صورة كتب تحتها: غبطة الأب الأقدس والسيد المغبوط كيريوس كيريوس ملاتيوس بطريرك مدينة الله انطاكية العظمى وسائر المشرق، وبيتين من الشعر هما:
هذا هو المغبوط مولانا الذي عمَّت مدائحه البلاد بأسرها
والبطريركية قد زهت رحباتها لما تولاها تنامى قدرها
لهذه النسخة مقدمة، بخط بقعين، يشرح من خلالها أهمية الكتاب، كمرجع تأريخي. كما ويحوي الكتاب على بعض الصور للقيصر نيكولا الثاني، والدوقة ألكسندرة، ومطران طرابلس غريغوريوس حداد [13]، ولابد من الاشارة إلى بعض الحواشي التفسيرية، التي تبين معاني بعض الكلمات أو المصطلحات غير المفهومة[14].
2- تاريخ الشام(1720-1782)، (وثائق تاريخية للكرسي الملكي الانطاكي)[15]:
يعتبر الكتاب من المراجع الهامة، التي يستند اليها المؤرخون؛ لإكتشاف تلك الحقبة، ومعرفة ما حصل فيها، من احداث: تاريخية، وسياسية، وعسكرية، ودينية، واجتماعية.
للكتاب مقدمتان، الأولى: للناشر، ويتحدث فيها عن التاريخ الذي يقوم بتوثيقه الأب بريك، ومدى دقته واهميته..، وثانية للمؤلف: ويتحدث من خلالها عن الكتاب، وأن السبب في تأليفه يعود إلى ثلاث ركائز، الأولى: أن العام 1720 (عام البدء بالتاريخ) هو بداية وعي الكاتب، والمامه بما يجري من حوله. والثانية: ظهور آل العظم، وتوليهم المناصب الوزارية، والحكم في دمشق وحلب. والثالثة: ظهور الكنيسة الكاثوليكية، المنشقة عن الكنيسة الأرثوذكسية في تلك الحقبة[16].
يضم الكتاب حوالي (27) فصلاً، وكل فصل مقسم إلى فقرات، حسب عدد الأحداث، التي جرت في السنة. إذ بُعَنوَن كل فصل بذكر العام، ومن ثم يسرد عن الأحداث التي عاصرها فيه، ابتداءاً من العام (1720) وانتهاءاً بالعام (1781).

خاتمة

إن غاية هذا المقال، بصورة أساسية، تتجلى في تذكير المعنيين بأهمية التعريف، بهذا العلم الأنطاكي البارز، الذي عانى من الإهمال والتواري عن الأنظار، ما عاناه. إذ أنَّ هناك مسؤولية جمة ملقاة على عاتق كلٍ منا، كأرثوذكسيين انطاكيين، إذ يجب أن نجلب آثاره، ونقرأ فيها، وننشر ما لم يُنشَر، ونعيد طباعة ما نُشِر، بحلة لائقة ككتاب (الحقائق الوفية)، إذ يجب أن تُحقق أعماله الكاملة؛ كي يتسنى لنا معرفة مكنوناتها الثمينة، والتي تكاد رهينة الرفوف والأدراج. ومما طبع منها، فقد ظهر بهيئة لا تليق، لا بالأب ميخائيل، ولا بأي مؤرخ آخر؛ لأن هذه الكتب التي طُبِعَت،كاثوليكياً (كما ذكرنا) لم تُطبَع بنفس أكاديمي، وبالأحرى…حيادي وموضوعي. بل كان للمشرفين في نفوسهم ما كان، من رغبة في إعادة بعث هذه المؤلفات بطريقة، تخدم مصالحهم الشخصية والخاصة، دون التريث ولو للحظة، والتيقن بأن الأب بريك، لم يكتب بنفس أرثوذكسي أو مذهبي، بل كان مؤرخا بكل ما للكلمة من معنى، يأتي بالوقائع والوثائق، ومن ثم يسردها ويحللها.

الحواشي


1- بما أن هذا المخطوط، قد حُقق، وعدَّ بطريقةٍ ملائمةٍ، وتناسب المخطوط، وتعطيه حقه كما يجب.
2- انظر: المخطوطات العربية لكتبة النصرانية، الأب لويس شيخو اليسوعي، دار المشرق، بيروت، طبعة ثانية،2000،ص60.
3- لم أعثر على ذكر عام رسمه كاهناً.
4- انظر: وثائق تاريخية للكرسي الملكي الانطاكي، تاريخ الشام(1720-1782)، الأب ميخائيل بريك،عُنِيَ بتعليق حواشيه مع ملحق جزيل الفائدة الخوري قسطنطين باشا المخلصي، مطبعة القديس بولس في حريصا، دون ذكر لرقم الطبعة، هدايا المسرة، 1930.
5- أنظر: الحقائق الوفية في تاريخ بطاركة الكنيسة الانطاكية، الأب ميخائيل بريك، تحقيق نائلة تقي الدين فانديليه، دار النهار ومنشورات جامعة البلمند – طرابلس، طبعة أولى، 2006، ص13.
8- انظر: معجم المؤلفين، مصنفي الكتب العربية، عمر رضا كحالة، دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشروالتوزيع، بيروت – لبنان، بدون ذكر لرقم الطبعة، أو لعام النشر، ص57.
9- الحقائق الوفية في تاريخ بطاركة الكنيسة الانطاكية، تحقيق نائلة تقي الدين فاندييه، مرجع سابق.
10- انظر: تقويم النعمة1964، نشرته إدارة مجلة النعمة، كانون الثاني 1964، لسان حال بطريركية انطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس – دمشق، ص73.
11- انظر: تقويم النعمة1964، مرجع سابق، ص81.
12- انظر: الحقائق الوفية، مرجع سابق، ص20.
13- انظر: الحقائق الوفية، مرجغ سابق، ص20.
14- صاحب مجلة عروس النيل في مصر.
15- المطران غريغوريوس حداد: هو البطريرك الانطاكي غريغوريوس (الرابع) لاحقا.
16- انظر: الحقائق الوفية في تاريخ الكنيسة الانطاكية، الأب ميخائيل بريك، وقف على طبعه سليم بقعين، المطبعة التجارية(مصر)، بدون ذكر لرقم الطبعة، أو عام النشر.
17 -انظر: تاريخ الشام(1720-1782) وثائق تاريخية للكرسي الملكي الانطاكي، الأب ميخائيل بريك، مرجع سابق.
18- انظر: تاريخ الشام، ميخائيل بريك، مرجع سابق، ص2.

Leave a comment