وصية الشيخ سابا

وصية الشيخ سابا

الذي كان في كهوف بسكوف (1898-1980)

نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي

يا أبنائي الروحيون المحبوبون! لقد قاربت دربي النهاية. الموت سوف يحملني منكم سريعاً. أترك لكم وصيتي كميراث، فلا تنسوا كلماتي.

دائماً تذكّروا هدف الحياة الأساسي: اكتساب الروح القدس. امتلكوا خوف الله، حافظوا على طهارة الجسد والنفس، وقّروا عظمة لله برعدة واتّضاع. ابتعدوا عن السوء واحرصوا على التقوى. اسعوا دوماً لأن تكونوا مع الله تعملون، تصومون، تسهرون، تصلّون بلا انقطاع. اهربوا من الكسل، واسعوا لأن تنجزوا وصايا الله كلّها.
إنّ نفسي تفرح بتقواكم، وما من فرح لديّ أعظم من أن أعرف أنّ أولادي الروحيين يقيمون في الحق والبرّ. التمسوا الخلاص أيها الأبناء المحبوبون! كونوا صالحين ورحماء، لا تعملوا لأحد ما لا ترغبون بأن يعمله لكم. تذكّروا: نحن نؤسس خلاصنا الذاتي فقط عندما لا نعيق خلاص الآخرين. أنفس ما في الإنسان هو النفس، وهي ما علينا أن نحترمه فيه، فهي صورة الله. تمجيد الله يعني ألاّ ندين أخانا. إذا سألتم المعونة من الله، فأنتم أنفسكم أعينوا إخوتكم. إذا سألتم المغفرة لخطاياكم فاغفروا أنتم إذاً لأخيكم.
ليكن سلام ومحبة فيما بينكم لكي يسكن المسيح في قلوبكم، شرط أن تكون المحبة حقيقية، تسعى إلى خلاص أخيكم، لا محبةَ مداهنة.
فليكن السلام والمحبة بينكم، لكي يسكن المسيح في قلوبكم، على أن تكون المحبة حقيقية، تطلب خلاص أخيكم، لا محبةً لإشباع الكبرياء. بروح التواضع والمحبة، ساعدوا بعضكم بعضاً لتصيروا أحراراً من الخطايا، واحذروا من شجب بعضكم البعض أو إدانة بعضكم للبعض بخشونة. لا تكونوا جلفين ومتكبّرين، بل تقبّلوا بفرحٍ الصرامة والخشونة والإهانات من الآخرين، طارحين جانباً التملّق والتذلل. احتملوا إلى ما لا نهاية وسامحوا من غير تعداد. فليحمل كل منكم صليبه مع ضعفات الآخرين، لا تكونوا قانطين ولا تتأففوا واشكروا الله على كل شيء. إن احتمال الحزن والمرض بلطفٍ في النفس، والاهتمام بالآخرين بحنان، لَهًما أرفع قدراً من الصوم والصلاة، وعن كل هذا نحن نتلقّى مكافأة من الله.
لا تشتهوا الشرف والمجد الباطل، بل أحبّوا الاتضاع والاعتدال. التواضع مع المحبة يبيدان كلّ الأهواء الشريرة في النفس والجسد ويشدّان نعمة الله. هذا هو مغزى الخلاص. فوق كل شيء، اخشوا ساعة الموت وتذكّروها، ومعها المجيء الثاني للمسيح!
عندما تكونون في حزن أو تجربة، اقرؤوا قانون ومديح يسوع الأكثر عذوبة وقانون التضرّع لوالدة الإله، فتُحفَظون من تجارب كثيرة. ولكي تباركوا نفوسكم وتتفتّح عيونكم الداخلية اقرؤوا الكاثيسما السابعة عشرة بانتباه.
لا تحذفوا قانون والدة الإله (افرحي يا والدة الإله مئة وخمسين مرّة) في أيّ يوم. لا تنسوا أن تقبّلوا الصليب الذي في عنقكم صباحاً ومساءً، حتّى تتبارك نفسكم بإشعاعات النعمة. أحبّوا الإنجيل واقرؤوه بتواتر، ففيه كلّ شيء مكتوب لتلطيف القلب وخلاص النفس. اقرؤوا بشكل خاص عظة السيد على الجبل (متى 1:5-12)، والفصل الخامس عشر من إنجيل يوحنا عن المحبة، ورسالة الرسول بولس إلى أهل روما (الإصحاح الثالث عشر)، حيث يعلّم المسيحيين كيف يجب أن يعيشوا. اقرؤوا الصلوات التي أعطيتكم إياها قدر المستطاع. ادرسوا الكتب التي كتبتها لكم، وهي تحسم كلّ أسئلتكم العالقة.
أحبّوا البساطة ولا تسعوا إلى التكلّف التافه. يأتي الفرح الداخلي من البساطة، بينما غطرسة الفكر فتقود إلى انعدام الإيمان والكفر وتسبِّب الانحراف عن طريق الخلاص. تجنّبوا المكر.. إذا سألوكم “أأنتم مؤمنون؟” أجيبوا ببساطة: “نعم، نحن نؤمن”. لا ترفضوا الرب ولا تسقطوا في الاحتيالات الماكرة.
وأيضاً أذكركم يا ابنائي الأعزاء: ما من خلاص في هذه الحياة لمَن لا يتوب، والتوبة الحقيقية هي في تطهير القلب من الأهواء والشرور، وفي إصلاح العيشة الفاسدة. إن سرد الخطايا بشكل آلي في الاعتراف لا يخلّص النفس، إنّه بغيض في نظر الرب وتدنيس لسرّ الكنيسة الأرثوذكسية. تناولوا القدسات الإلهية بتواتر.
تذكّروا أن جهودكم لاكتساب الروح القدس ومحبتكم للمخلّص ولوالدة الإله والقديسين الساكنين في السماء، كما لإخوتكم وأعدائكم، وتواضعكم وقبولكم المتّضع لمشيئة الله يجلبون لنفسي فرحاً لا يوصَف. إنّ كلمتي الأخيرة لكم هي طلب صلاة. اذكروني وصلّوا لكي يمنحني السيّد راحةً لنفسي في دياره، لكنّ الصلاة يجب أن تعبق بالرجاء إذ من دون رجاء تكون الصلاة أثيمة.
أطلب منكم وأتوسّل إليكم يا أبنائي الأحباء لا تنسوا أن تخصصوا وقتاً لقراءة المزامير وأن تصلّوا بحرارة من أجل بعضكم البعض، ولأقربائكم ولكلّ الذين تعرفونهم ولكلّ العالم، لكلّ الراقدين المتعطّشين لصلواتكم: إنها معونة عظيمة لنفوسهم. وزّعوا الحسنات… تذكّروا “القوانين اليومية للحياة المسيحية” و”ما هو صالح لشكر الله”. على رجاء أن يبقى كل هذا في ذاكرتكم وفي قلوبكم، لأن كل هذا هو غذاء وحياة للنفس.
اسلكوا بسلام، تحمّلوا بفرح الأحزان والأمراض التي تحلّ بكم واحفظوا كلّ ما سمعتموه مني، يا أعزائي أبنائي الروحيين المحبوبين، فأنا أعهد بكم إليها، التي اختيرت من بين كل الأجيال لتصير أمّاً لمخلص الناس من أسر الجحيم، الفائقة القداسة سيدتنا العذراء والدة الإله. هي سوف تكون رئيستكم وحاميتكم من كل مكايد الأعداء المنظورين وغير المنظورين.

Leave a comment