عظات حول أنبياء العهد القديم وأبراره – 3

عظات حول أنبياء العهد القديم وأبراره – 3

القديس نيقولا فيليميروفيتش


نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي

طاعة يشوع بن نون

لا تمِلْ عنها يَمينًا ولا شِمالاً لكَيْ تُفلحَ حَيثُما تذهَبُ… أما أمَرتُكَ؟ تشَدَّدْ وتشَجَّعْ! لا ترهَبْ ولا ترتَعِبْ لأنَّ الربَّ إلَهَكَ معكَ حَيثُما تذهَبُ (يشوع 7:1 و9).

أطاع يشوع بن نون الربّ في كلّ شيء إلى النهاية، دون أن يميل شمالاً أو يميناً عن وصايا الله. لقد أحاطت به مخاوف عظيمة ورعب عظيم عندما كان يقود الشعب عِبر أرض مجهولة وصفوف الأعداء العريضة، لكنّه لم يخف ولم يرعب. لقد اعتبر نفسه سلاحاً من الله، وعرف أن معاركه هي معارك الله.
لقد أطاع الوصايا كمثل جندي مخلِص، إذ إنّه استمع إلى الوصايا وأصغى إلى مشيئة الإله الحيّ. لم ينسب أيّ شيء صالح إلى نفسه، ولا أيّ قوة، ولا أيّ فضيلة. بل لقد نسب كلّ شيء إلى الله، وإلى الله وحده. لم يتّكل ولا في أيّ شيء على جيشه الخاص، ولا على أسلحته ولا على حكمته الشخصية، بل اتّكل على الله وعليه وحده، وهو الكليّ القدرة والحكمة.
لاحظوا أيها الإخوة، بأيّ نوع من الرجال سلك الله. آه! لو أنّ الحكّام والقادة المسيحيين يرون هذا ويتعلّمون من خادم الله يشوع كيف يُخدَم الله. آه! لو أنّهم يفهمون، لمرّة واجدة، أنّ أفضل خدمة للناس هي عندما يُخدَم الله، وأنّه لا يمكن خدمة الناس من دون خدمة الله.
لقد حقق الله وعده وسلك مع يشوع بن نون إلى نهاية أعماله وحياته. وكون الله معه يظهر من المعجزات المدهشة العظيمة التي أظهرها من خلال خادمه المخلِص. شقّ الله نهر الأردن لكي يعبر الشعب على أرض جافة من دون جسر. جعل الله جدران أريحا تسقط عند سماع صوت البوق. أسلم الله أعداء أقوياء إلى يدي الإسرائيليين. أوقف الله الشمس ثابتة فوق جدعون والقمر بلا حراك فوق وادي عجلون. بالحقيقة، لم يترك الله خادمه يشوع أبداً ولا في أيّ مكان، لأن يشوع لم يترك أيّة من وصايا الله دون أن يتممها.
شاهد للإله الحيّ ورمز لمخلّص العالم، عندما بلغ الشيخوخة وطعن في السنين، علّم شعبه كما علّمه الله في البداية: “لا تحيدوا عنها يَمينًا أو شِمالاً…. ولكن الصَقوا بالربِّ إلَهِكُمْ كما فعَلتُمْ إلَى هذا اليومِ.” (يشوع 6:23-8).
أيها الرب يسوع، ابن الله، يا مَن أظهرتَ لنا المعجزات المجيدة من خلال يشوع بن نون، خادمك المخلِص، قوِّنا وشجّعنا كي لا نبتعد عنك، لا إلى اليمين ولا إلى اليسار، لتمجيدك ولخلاصنا. لأنّ لك المجد والإكرام إلى الأبد. آمين.

ثبات دانيال النبي

” أمّا الحَجَرُ الذي ضَرَبَ التِّمثالَ فصارَ جَبَلاً كبيرًا ومَلأ الأرضَ كُلَّها” (دانيال 35:2)

العذاب يضعِف شخصية الإنسان، لكنّ الترف يضعفها أكثر. دانيال، رجل الله، لم يضعفه لا العذاب ولا الترف. في الحالين، بقي كما هو، وفي الحالين كان رسول الإله الحي والكاشف المستبصر لأسراره. فقد عاش في الترف المَلَكي ومن ثمّ في جبّ الأسود. وفي كلا الوضعين بقي غير متغيّر: فقد صام في الرفاهية المَلَكية، ولم يَجُع في جبّ الأسود.
الإله الفائق السمو كافأ خادمَه المخلِص بموهبة النبوءة العظيمة. موضوع نبوءاته الأساسي هو الربّ يسوع المسيح. المسيح سوف يأتي ويدمّر عبادة الأوثان في كلّ الأرض. سوف يملأ الأرض بنفسه كما لم يفعل من قبله أيّ إنسان لابس جسداً. هو الواحد الذي له يُعطى السيادة والمجد والمُلك، حتّى أنّ كلّ الشعوب والأمم واللغات سوف تخدمه (دانيال 14:7). دانيال، نبي الله، تنبّأ بالزمن، بشكل دقيق، زمن مجيء السيّد يسوع إلى العالم.
نحن المسيحيون، ينبغي أن نخجل أمام دانيال هذا! نحن نرى كلّ الوعود تحققت في المسيح، ومع هذا نحن متراخين بإيماننا ومحبتنا للمسيح. ما من شيء كُشِف لدانيال كما كُشِف لنا نحن الذين اعتمدنا، ومع هذا، لم يبتعد عن الله، ولا لمرة واحدة.
يا إله دانيال، قوِّنا، أعطنا التوبة، وارحمنا. لك المجد والمديح إلى الأبد. آمين.

أيوب الكثير الآلام والصابر

“الربّ أعطى والربّ أخذ” (أيوب 21:1).

أيّها الإخوة، لا يهابنّ البارّ أيّ شيء. كلّ شيء يكون حسناً معه. كلّ الكتاب المقدّس يظهِر لنا أنّ الله لا يتخلّى عن البارّ أبداً. مثال أيوب يظهِر لنا هذا الأمر واضحاً وضوحَ الشمس. كان لأيوب سبعة أبناء وثلاث بنات، وكان لديه ثروات واحترام بين الناس وأصدقاء. وقد خسر كلّ هذا في يوم واحد. لم يتذمّر على الله بل خرّ على الأرض وسجد وقال: “عُريانًا خرجتُ مِنْ بَطنِ أُمِّي، وعُريانًا أعودُ إلَى هناكَ” (أيوب 20:1-21).
من ثمّ خسر أيوب صحته، وهي آخر ما كان يملك، وغطّى القروح والقيح جسده بالكامل، من أعلى رأسه إلى أخمص قدميه. وجلس أيوب في الرماد ورفع التمجيد إلى الله. حاولَت امرأته أن تقنعه بأن ينكر الله، لكنّ البار قال لها: “تتكَلَّمينَ كلامًا كإحدَى الجاهِلاتِ! ألخَيرَ نَقبَلُ مِنْ عِندِ اللهِ، والشَّرَّ لا نَقبَلُ؟” (أيوب 10:2). أنّبه أصدقاؤه قائلين أنّه كان خاطئاً ومعتّداً بفهمه وبرّه أمامهم، لكنّ أيوب صلّى بتواضع إلى الله وتحمّل بصبر كلّ جراحه ومصائبه.
هذا يحدث اليوم، كما في ذلك الحين، أنّ تحلّ بنا بعض المصائب، ويعتبر إخوتنا أنفسهم أكثر ذكاءً وبراً منّا. لكن الله الفائق الحكمة سمح بأن تحلّ كلّ تلك المِحَن بأيوب لا ليمتحن خادمه أيوب وحده، بل أيضاً أقرباءه وأصدقاءه. عندما أظهر كلٌّ منهم أيّ نوع من الأشخاص هو، بعد امتحانه أمام الله، عندها الله بيمينه الكليّة القدرة، أعاد لأيوب ثروته، أعاد ضعف ما أخذ منه، وأعطاه مجدداً سبعة أبناء وثلاث بنات.
إنّ صاحب الإيمان القوي يكون صاحب بصيرة روحية واضحة، فيرى إصبع الله في رخائه كما في عذابه. إنّ صاحب الإيمان القوي يكون صاحب صبر في الآلام. عندما يعطيه الله، يقدّم الشكر، وعندما يأخذ الله منه، يبارك “فليَكُنِ اسمُ الربِّ مُبارَكًا” (أيوب 21:1).
أيّها الرب، إله أيوب الكثير الآلام والصابر، علّمنا أن نبارك اسمك في آلامنا. لك المجد والإكرام إلى الأبد. آمين

Leave a comment