عظات حول أنبياء العهد القديم وأبراره – 4

عظات حول أنبياء العهد القديم وأبراره – 4

القديس نيقولا فيليميروفيتش


نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي

حول إيمان النبي إيليا وغيرته

“حَيٌّ هو الربُّ إلَهُ إسرائيلَ الذي وقَفتُ أمامَهُ، إنَّهُ لا يكونُ طَلٌّ ولا مَطَرٌ في هذِهِ السِّنينَ إلا عِندَ قَولي” (الملوك الأول 1:17).

هذه كلمات مريعة على مسمع كل مخلوق، إذ إن إنساناً خاضعاً لأهواء مثل أهوائنا ينطق بها. تسألون أنفسكم أيها الإخوة: كيف لإنسان خاضع للموت أن يغلق السماوات ويوقف المطر؟ والأحرى أن تسألوا أنفسكم: كيف لإنسان أن يفتح السماوات وينزل المطر على الأرض الظمأى؟
نعرف أنّه حتّى الآن يفتح الله السماوات ويمنح المطر استجابةً لصلوات البشر: “وكُلُّ ما تطلُبونَهُ في الصَّلاةِ مؤمِنينَ تنالونَهُ” (متى 22:21)، بحسب قول مخلّصنا. مثل موسى، الذي عاش الإيمان والصلاة، قام بمعجزات مرعِبة في مصر وفي الصحراء، أو يشوع بن نون الذي أوقف مسيرة الشمس، هكذا نبي الله إيليا أغلق وفتح السماوات، أنزل النار من السماء واجترح غيرها عجائب قادرة ومرعبة، وكله بالإيمان والصلاة.
أعطى الله لإيليا القوة لاجتراح العجائب، إذ إن إلياس كان غيوراً على مجد الله وليس على مجده: “غيرة غرتُ لربّ الجنود” (الملوك الأول 14:19). لم يسعَ رجل الله هذا لأي شيء لذاته بل إلى كلّ ما هو لله. كان الله كلّ شيء له: كل المجد، كل القوة، كل الصلاح. لهذا، كلّله الله بمجد لا يفنى، وقدرة مرعبة، وبغنى لا يفنى ولا يبيده العثّ.
لم يسمح الله بأن يموت إيليا بل أخذه إلى السماء كما فعل مع أخنوخ. كان للقديس إيليا نفس طاهرة كمثل ندى الصباح، جسد عفيف كطفل، وقلب وفكر بلا لوم كمثل ملاك الله. لهذا، كان ويبقى إناءً لقوة الله. لقد عمل المعجزات في زمانه وما زال يعمل.
أيها الإله الحي، إله نبيك إيليا، الذي تبنّانا بالمعمودية بنعمته الإلهية، أنرنا أيضاً في إيمان وغيرة نبيّك. لك المجد والإكرام إلى الأبد. آمين.

عظة حول توبة داود الملك

“فقالَ داوُدُ لناثانَ: “قد أخطأتُ إلَى الربِّ”. فقالَ ناثانُ لداوُدَ: “الربُّ أيضًا قد نَقَلَ عنكَ خَطيَّتك. لا تموتُ” (صموئيل الثاني 13:12).

“صارَتْ لي دُموعي خُبزًا نهارًا وليلاً” (مزامير 3:42)
أخطأ الملك داود ضد الله وتاب، والله غفر له. خطيئة الملك كانت عظيمة، لكن توبته كانت أعظم. لقد كان مذنباً بخطيئتين: الزنا والقتل. لكن عندما وبّخه ناثان النبي صرخ مكروباً: “لقد أخطأتُ أمام الربّ!” وهكذا اعترف بخطيئته وتاب بمرارة، مرارة عظيمة.
مضروباً بالأسى، صلّى إلى الله باكياً صائماً مطروحاً على الأرض ومحتملاً بصبر الضربات التي أرسلها الله عليه وعلى بيته وعلى شعبه بسبب خطاياه. يقول في مزامير التوبة التي وضعها “أمّا أنا فدودَةٌ لا إنسانٌ” (مزمور 6:22)، “مِنْ صوتِ تنَهُّدي لَصِقَ عَظمي بلَحمي… سهِدتُ… أكلتُ الرَّمادَ مِثلَ الخُبزِ، ومَزَجتُ شَرابي بدُموعٍ” (مزمور 5:102-9)، “ركبَتايَ ارتَعَشَتا مِنَ الصَّومِ” (مزمور 24:109).
هذه هنا توبة حقيقية، وهذا هنا تائب حقيقي! لم يصِر قاسياً في الخطيئة ولم يسقط في اليأس، بل مترجيّاً رحمة الله، تاب بلا تردد. والله، الذي يحبّ التائبين أظهر رحمته على هذا النموذج من التوبة. سامحه الله ومجّده فوق كلّ ملوك إسرائيل، أعطاه نعمة عظيمة في أن يضع صلوات التوبة الأكثر جمالاً ويتنبّأ عن مجيء المخلّص الإلهي إلى العالم، الذي سوف يكون من نسله.
أيها الإخوة، أترون كم هي رائعة نعمة الله نحو التائبين؟ لقد كانت رحمته لهذا التائب عظيمة حتّى أنّه لم يخجل من اتّخاذ جسد من زرع داود. مبارَكون هم أولئك الذين لا يصيرون قساة في الخطيئة ولا يسقطون في اليأس بسب خطيئتهم. التوبة تخلّص هذا وذاك من الشرير.
أيها الرب الرحيم، ليِّن قلوبنا بدموع التوبة، لك المجد والإكرام إلى الأبد. آمين.

عظة حول النبي صموئيل البريء

“لأجلِ هذا الصَّبيِّ صَلَّيتُ فأعطانيَ الربُّ سؤليَ الذي سألتُهُ مِنْ لَدُنهُ. وأنا أيضًا قد أعَرتُهُ للربِّ. جميعَ أيّامِ حَياتِهِ هو عاريَّةٌ للربِّ” (1 صموئيل 27:1-28).

مُلتَمَساً من الله ومكرَّساً له، كان صموئيل نبياً وقائداً لكل شعب إسرائيل. حنّة المباركة، أمّه العاقر، التمسته أمام الله بدموع وتضحيات. وأعطته لله، وهو بركتها الوحيدة والعظمى، لخدمة الرب منذ حداثته.
الأم الحكيمة لا تعتبر أولادها لها، بل بالأحرى لله. إنّهم لله عندما يمنحهم الله وعندما يأخذهم، ولكن لله في المقام الأول عندما تكرّسهم له أمّهم. هدية الله تُعاد له كهدية تبادل، لأننا لا شيء لدينا لنعطيه له إلا ما نأخذ منه.
عاش الفتى صموئيل في الهيكل بين أبناء عالي الأشرار، ولم يصر فاسداً. لم يكشف الله نفسه للشيوخ الفاسدين بل ظهر لهذا الولد الطاهر: “وكَبِرَ صَموئيلُ وكانَ الربُّ معهُ، ولم يَدَعْ شَيئًا مِنْ جميعِ كلامِهِ يَسقُطُ إلَى الأرضِ” (1صموئيل 19:3).
كان صموئيل قاضياً لشعب إسرائيل منذ صباه إلى شيخوخته ولم يصنع أي خطأ أمام الله ولا أمام الشعب. أعطاه الله قوة النبوءة وصنع المعجزات. لقد غلب كل أعداء الله وأعداء الشعب، ومسح مَلِكَين، شاول وداود. عندما شاخ، دعا كلّ الشعب وسألهم إذا كان قد ارتكب أيّ أذى ضد أيٍّ كان أو قَبِل رشوة من أيّ كان. وأجاب الشعب بصوت واحد: “لم تظلِمنا ولا سحَقتَنا ولا أخَذتَ مِنْ يَدِ أحَدٍ شَيئًا” (1صموئيل 4:12).
لاحظوا، هكذا كان رجلاً ممنوحاً من الله وممنوحاً إلى الله كهدية متبادلة، وقد ترعرع ببَرَكة الله وبركة أمّه. فلتستفد الأمّهات من مثال حنّة المباركة، وليتعلّم القضاة والحكّام من مثال صموئيل البار.
أيها الرب القدوس والأكثر قداسة، المنعِم والأكثر نعمة، افتح نفوسنا لنرى قداستك وصلاحك، حتّى نتوب عن شرورنا. لك المجد والإكرام إلى الأبد. آمين.

Leave a comment