الأسبوع العظيم المقدّس – خدمة الخَتَن

الأسبوع العظيم المقدّس – خدمة الخَتَن

بقلم بنيامين وليامز ومكسيموس اللاڤريّ


نقلها إلى بتصرّف العربية الأب نقولا مالك

إبتداءً من عشيّةِ أحد الشّعانين وحتّى عشيّة الثّلاثاء العظيمِ المقدَّس، تَلحَظُ الكنيسةُ الأرثوذكسيّةُ خدمةً خاصّةً تُعرَفُ بِخدمةِ الخَتَن (العريس)، حيثُ نُنشِدُ، في كُلٍّ مِن العشيّاتِ الثّلاث صلاةَ السَّحَرِ الّتي لِليَومِ التّالي. وتأتي تسميةُ “صلاةِ الخَتَنِ” مِن مَثَلِ العذارى العَشْرِ الّذي يتكلّمُ فيه المسيحُ عن عُرسٍ رُوحِيٍّ يأتي فيه الخَتَنُ (العريسُ) في نصفِ الليل، وتكونُ بعضُ العذارى مستعدّاتٍ لاستقبالِهِ بالمصابيح، بينما تكون الأُخرَياتُ غيرَ مستعدّاتٍ، فَيُترَكْن، تالِيًا، خارجَ وَلِيمةِ العُرس (مت 1:25-13). صُورةُ “الخَتَن” تُشِيرُ جَلِيًّا إلى حميميَّةِ محبّةِ المسيحِ لَنا جميعًا، إِذْ يُقارِنُ الرَّبُّ ملكوتَ اللهِ بِخِدرٍ عُرْسِيّ. أمّا صُورةُ “الخَتَن”، أَو العريس فَتُشيرُ إلى الحُضُور أو المجيء، وفي تقليدِنا الآبائيّ أنَّ لهٰذا المَثَلِ علاقةً بالمجيءِ الثّاني للمسيح. وبهٰذا المعنى، يُعَلِّمُنا مَثَلُ العذارى العَشْرِ أنّنا بحاجةٍ إلى السَّهرِ والتأهُّب الرُّوحِيَّين، بِحَيثُ نتمكَّنُ من حفظِ الوصايا وتقبُّلِ بَرَكَةِ الاتّحادِ مَع الله في هٰذه الحياةِ وفي الدّهرِ الآتي.

الجزءُ الأوّلُ من الأسبوعِ العظيمِ المقدَّس يعطينا مجموعةً من المواضيع المُرتكزةِ بشكلٍ رئيسيٍّ على أيّام يسوعَ الأخيرةِ على الأرض. قِصَّةُ الآلام، كما دَوَّنَها الإنجيليّونَ ورَوَوها، تُستَهَلُّ بسلسلةٍ من الأحداثِ تجري وقائعُها في أورشليم، ومجموعةٍ من الأمثالِ والأقوالِ والخُطَب المُتَمَحوِرةِ حولَ بُنُوَّةِ يَسُوعَ الإلٰهِيّة، ومَلَكُوتِ الله، والمجيء، وتأنيبِ يسوعَ للرّياء وَلِما يُضمِرُهُ قادَةُ اليَهُودِ مِن نَوايا مُظلِمة. طُقُوسُ الأيّامِ الثّلاثةِ الأُولى من الأسبوعِ العظيمِ المقدَّس مُتَجَذِّرةٌ في هٰذه الحوادثِ والأقوال، والخِدَمُ تُؤَلِّفُ وحدةً ليتورجيّةً لَها الدَّورُ اليوميُّ نفسُه. الموضوعُ المركزيُّ الّذي تدورُ حولَهُ خِدَمُ الأيّامِ الثّلاثةِ الأُولى من الأسبوعِ العظيم هُوَ أنّه يجبُ علينا أن نكونَ دائمًا مستعدّينَ لاستقبالِ المسيحِ، الّذي هُوَ العريسُ الحَتمِيُّ لِلبَشَرِيَّةِ جَمعاء. طروباريّةُ الخَتَنِ تُعَبِّرُ عن هٰذا التّعليمِ بشكلٍ مُلائم: “ها هُوذا الخَتَنُ يأتي في نِصفِ اللَّيل…”. العِبَرُ والتّرانيمُ والحَوادِثُ المُستَقاةُ من الكتابِ المقدَّس، تُسلِّطُ الضَّوءَ على مظاهِرَ هامَّةٍ مِن تاريخِ الخلاص، وذٰلِكَ عن طريقِ استدعائِها إلى أذهانِنا الوَقائعَ الّتي استَبَقَتِ الآلام، وعن طريقِ إعلانِهِ حتمِيَّةَ المجيءِ وأهمّيَّتَه.
في صلاةِ الخَتَنِ الأُولى، عشيَّةَ أحدِ الشَّعانين، نتذكَّرُ أبانا يوسُفَ، الابنَ المحبوبَ لِيَعقوب، كَصُورَةٍ بارزَةٍ لِلعَهدِ القديم. نجدُ قصَّةَ يوسف في القسمِ الأخير من سفر التكوين (الأصحاحات 37-50). يُعتَبَرُ يوسُفُ، في التّقاليدِ الآبائيّةِ والليتُورجِيّة، رَمزًا للمسيحِ في حياتِهِ وموتِه، نَظَرًا لفضيلتِهِ وحياتِهِ المُمَيَّزة. قُيِّدَ يُوسُفُ، وَبِيعَ كَعَبدٍ إلى المصريّين، ولٰكنّه استعادَ كرامتَهُ في أرضِ مصر. كُلُّ هٰذا يُوضِحُ سِرَّ التّدبيرِ الإلٰهِيّ، والوَعدِ، والفِداء الّذي في المسيح. فَفِي هٰذه الرِّوايَةِ الكِتابِيَّةِ حَولَ حياةِ يُوسُف، وَكيفَ آلَ انسِحاقَهُ في مِصرَ إلى حياةٍ مجيدة، صُورةٌ مُسبَقَةٌ عَنِ المسيحِ الّذي تنازَلَ كَعَبدٍ إلى الجحيم، فَحَوَّلَ عُبُودِيَّتَهُ ومَوتَهُ إلى حياةٍ أبديَّةٍ لِكُلِّ جِنسِ البَشَر.
وفي اليومِ نفسِهِ، تتذكَّرُ الكنيسةُ حادثةَ لَعنِ التّينةِ (مت 18:21)، وحادثةَ تطهيرِ الهيكل، وهُما حادثَتانِ وَثِيقَتا الصِّلَةِ بالأُسبوعِ العظيم، لِما فِيهِما من إظهارٍ لِقُدرةِ يَسُوعَ وَسُلطَتِهِ الإلٰهِيّتَين، وَمِنِ استِشرافٍ لِدَينُونَةِ اللهِ الآتِيَةِ على عَدَمِ إيمانِ قادَةِ اليَهُودِ الدِّينِيِّين. ترمزُ التّينةُ إلى عُقمِ إسرائيلَ إذْ أَخفَقَ في قَبُولِ المسيحِ واستيعابِ تعالِيمِه. لَعنُ التّينةِ مَثَلٌ ولٰكِنَّهُ جاءَ بِفِعلٍ لا بِقِصّة، وفيهِ تلميحٌ إلى أنَّ كُلَّ التّقاليدِ الدّينيَّةِ الّتي لا تأتي بِأثمارٍ سوفَ تَيبَسُ وتموت، تمامًا كما جرى لِلتِّينةِ الّتي كانت ملأى بالأوراقِ الجميلةِ الغَضَّة، إلاّ أنّها كانت بِلا ثَمَر.
القراءاتُ الكتابيّةُ الّتي تُتلى في صلواتِ المساءِ في الأسبوعِ العظيمِ مأخوذةٌ مِن سِفرَي الخروج وأيّوب. والسَّببُ في ذٰلكَ واضحٌ، ألا وهوَ أنَّ سِفرَ الخروج يَروي قصَّةَ العُبُورِ الّتي كانت رمزًا لِعُبُورِ الإنسانيَّةِ كُلِّها مِن عُبُوديّةِ الموت إلى الحياةِ الأبديّةِ، عَبرَ تضحيةِ المسيحِ بنفسِه، ثُمَّ قِيامتِه. أمّا في سِفرِ أيّوب، فَلَدَينا خبرةُ التّغلُّبِ على الموتِ بِواسطةِ الصَّبرِ والثّقةِ المطلَقَةِ بالله، من خلالِ قدّيسٍ نموذجِيٍّ لَم يَكُن منَ اليَهُود، تَقَبَّلَ الإعلانَ الإلٰهِيّ، وتمتّعَ برُؤيةِ الله، صائرًا صُورةً مسبَقَةً لآلامِ المسيحِ وقِيامَتِهِ، وَلِكَونِيَّةِ الخَلاص.

Leave a comment